إن فهم دماغ الإنسان مهمة ضخمة، لكن ذلك لم يوقف علم الأعصاب عن تكثيف جهوده لمواجهة التحدي. فهناك مشروع الدماغ البشري Human Brain Project، وهو أحد أكبر المشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق، ومبادرة الدماغ BRAIN Initiative التي تبلغ قيمتها خمسة بلايين دولار في الولايات المتحدة، ومشروع الدماغ الصيني China Brain Project الذي أُعْلنَ عنه مؤخراً.
وأحد أهداف مبادرة الدماغ الأمريكية التي أطلقت في عام 2013، هو رسم خريطة لمعظم الخلايا العصبية في الدماغ وكذلك تشبيكاتها. ومع البدء من دماغ الفأر، تعمل الفكرة على الانتقال نحو تحقيق الهدف نفسه عند البشر. ويقول جوشوا غوردون Joshua Gordon، أحد مديري المشروع لدى المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، إن ذلك يمكن أن “يساعدنا على فك الشيفرة التي يستخدمها الدماغ لتوجيه السلوك”. لكنه يعترف أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها. لنأخذ مشروع الجينوم البشري Human Genome Project، مثلا، لن توفر خريطة بسيطة معظم الإجابات وقد يستغرق الأمر سنوات عديدة لمعرفة الكيفية التي ترتبط بها السمات المادية للدماغ بالذكريات والأفكار والأفعال والعواطف.
وكبداية، لا يمكن كتابة ‘شيفرة’ الدماغ على شكل سلسلة من الحروف. ويقول غوردون إن الخطوة الأولى هي بناء ‘قائمة أجزاء’ تتكون من أنواع مختلفة من العصبونات ثم رسم خريطة لكل جزء من هذه الأجزاء في الفضاء المادي. حالياً، يجري العمل على وضع قائمة أجزاء الفئران، في حين أن المكافئ البشري قد يستغرق خمس إلى عشر سنوات أخرى. لكن فهم كيفية إنتاج هذه الأجزاء للسلوك لا يزال أكثر صعوبة. ويقول غوردون: “يحتوي كل جزء من تلك الأجزاء أيضاً على مجموعة من الوظائف”. وفي نهاية المطاف، يجب أن تكون هناك تفاصيل كافية في الخريطة لتوضيح كيفية عمل الخلايا العصبية في بعض دوائر الدماغ على المستوى الجزيئي، لإنتاج سلوكيات محددة.
وسيكون للتكنولوجيا التي يجري تطويرها على طول مسار العمل تأثير أوسع في علم الأعصاب أيضاً، بما في ذلك البحث في مجموعة واسعة من اضطرابات الدماغ من الصرع إلى مرض باركنسون. ويسمح التسلسل السريع للخلية الواحدة للعلماء حالياً بجمع البيانات بسرعة من مئات الآلاف من الخلايا العصبية الفردية، مع تسليط الضوء على الحمض النووي DNA الذي يُشغَّل في كل خلية. وفي الوقت نفسه، تتقدم أدوات التصوير لدراسة الخلايا العصبية بتفاصيلها الرائعة وتتبع أنشطتها في الوقت الفعلي.