روابط تجمع كل شيء
الأوتار الكونية Cosmic strings هي ”ندوب“ افتراضية تمتد عبر الكون. لا أحد يعرف بعد إن كانت موجودة، ولكن إذا كانت موجودة، فقد تربط كل ما نعرفه عن الكون معاً في نظرية موحدة. الأمر المهم أن علماء الفلك ربما اكتشفوا من فورهم أولَ دليل على وجودها.
ميريام فرانكل Miriam Frankel
التحقق من وجود الأوتار الكونية سيكون إنجازاً هائلاً. فقد تساعدنا هذه الأوتار على حل أكبر ألغاز الفيزياء والتوصل إلى نظرية كل شيء A Theory of Everything. وفي المستقبل البعيد، قد تمكِّننا هذه الأوتار من السفر عبر الزمن.
تقترح النظريات التي تتنبأ بوجودها أن الأوتار الكونية أرق من نواة الذرة. يصفها البروفيسور كين أولوم Ken Olum من جامعة تافتس Tufts University الأمريكية بأنها أنابيب ذات أطوال فلكية. ويقول: ”من المرجح أن تكون على شكل حلقات أو أوتار طويلة تمتد إلى ما لا نهاية“.
ولكن على الرغم من أن هذه الأوتار رفيعة إلى حد لا متناهٍ، فإنها قد تحتوي على قدر كبير من الكتلة. ويقول أولوم: ”يمكن أن تحتوي حلقة نموذجية، قد يبلغ طولها نحو 10 إلى 20 سنة ضوئية، على ما يعادل كتلة عشرات الآلاف من النجوم“. ولكن يُفترض أنها سوف تنكمش بمرور الوقت نظراً إلى اهتزاز هذه الأنابيب، وهذا الاهتزاز Wiggle ينتج عنه إشعاع موجات جاذبيةGravitational waves.
وما يُربك أيضاً افتراضُ وجود نوعين مختلفين من الأوتار الكونية، على الرغم من أن سلوكهما المتوقع متشابه جداً. أحدهما يسمى الأوتار الفائقة الكونية Cosmic superstrings، وتتنبأ به نظرية الأوتار String theory، وهي محاولة غير مثبتة لنظرية كل شيء، تقترح أن الكون يتكون في النهاية من أوتار صغيرة مهتزة. وقد تكون الأوتار الفائقة الكونية أساساً هي الأوتار الأساسية التي تنتج كل المادة في الكون، ولكن في حالة من التمدد.
أما النوع الآخر فيتصوره المنظرون على أنه ندبة Scar من الكون المبكر. ففي مراحله المبكرة كان الكون في حالة مختلفة تماماً عن حالته الحالية. كان شديد الحرارة والكثافة. ويقول الفيزيائيون إن قوى الطبيعة الأربع – الكهرومغناطيسية، والجاذبية، والقوى القوية والضعيفة للنواة الذرية – اندمجت في قوة واحدة في هذه المرحلة. لكننا لا نعرف كثيراً عن القوانين الفيزيائية الغريبة التي سادت في ذلك الوقت.
بعد فترة من التبريد والتوسع السريع جداً، تُعرف باسم التضخُّمInflation، تغير ”طور“ Phase الكون ليصير مكاناً مختلفاً تماماً. يتضمن ذلك تشكيل الجسيمات وانفصال القوى بعضها عن بعض.
تحدث مثل هذه التحولات الطورية في الماء، عندما يتجمد أو يتبخر. يقول جيه ريتشارد غوت J Richard Gott، الأستاذ الفخري للفيزياء الفلكية من جامعة برينستون Princeton University الأمريكية، يمكن التفكير في التحول الطوري باعتباره ”ذوباناً“ للطاقة عالية الكثافة في الفضاء؛ ويوضح: ”عندما يذوب الثلج، قد يتبقى بضعة من رجال الثلج ما زالت واقفة“. وهذا هو جوهر الأوتار الكونية: مناطق ذات كثافة طاقة عالية جداً تُركت أو تخلفت عن الركب في أثناء الانتقال الكوني من طاقة أعلى إلى طاقة أقل.
التجميد هو تشبيه جيد أيضاً. إذا ملأنا صينية مكعبات الثلج بالماء، يمكن رؤية عيوب تتشكل في أثناء تجمُّدها، بما في ذلك الشقوق والفقاعات الهوائية. الأوتار الكونية قد تظهر بطريقة مماثلة.
يظن علماء الفيزياء أن الأوتار الكونية ما زالت موجودة حتى يومنا هذا. ولكن لو أننا صادفنا واحداً منها بالفعل، وهو أمر بعيد الاحتمال، فقد يكون لقاء غير سار. فالوتر الكوني الذي يسير بسرعة تقترب من سرعة الضوء إذا اصطدم بالأرض مباشرة من شأنه أن يقطع الكوكب إلى نصفين، تماماً مثل السلك الذي يُستخدم لقطع كرة من الطين. لكن أحد نصفيها سوف يرتطم على الفور بالنصف الآخر، وفقاً لديفيد تشيرنوف David Chernoff، أستاذ علم الفلك من جامعة كورنيل Cornell University.
يقول تشيرنوف إنه في أفضل السيناريوهات، قد نشهد زلزالاً بقوة 7 درجات على مقياس ريختر. ولكن ذلك قد يؤدي إلى حدوث زلزال بقوة 12.6 درجة على مقياس ريختر، وهو ما يزيد كثيراً على أكبر زلزال في التاريخ.
البحث في السماء
البحث متواصلٌ للعثور على الأوتار الكونية. ومن بين الأساليب المتبعة البحث عن نسخ مريبة للمجرة نفسها أو لأجرام ساطعة أخرى. بسبب كثافتها العالية، قد تسبب هذه الأوتار ظاهرة عدسة الجاذبية Gravitational lensing. ويحدث هذا عندما تسبب الأجسام الثقيلة تشويه الزمكان من حولها وتغيير مسار الضوء عندما يمر بجانبها.
الوتر الكوني من شأنه أن يَثني الزمكان إلى بنية مخروطية. فإذا نظرنا إلى مجرة من الأرض وظهر وتر كوني عمودياً أمامها، فإن الضوء الآتي من المجرة سوف ينقسم، ويتنقل على جانبي الوتر. وهذا يعني أننا يجب أن نرى صورتين متطابقتين للمجرة نفسها، تفصل بينهما مسافة صغيرة.
وبالفعل أبلغ عن رصد مشاهدات من هذا النوع. ففي العام 2003، أبلغ فريق من علماء الفلك عن اكتشاف محتمل لوتر كوني، ولكن ثبت فيما بعد أن المجرتين اللتين شاهدوهما لم تكونا متطابقتين. وتحدث علماء عن مشاهدة شيء من هذا القبيل في العام 2023. ولكن أولوم يلفت الانتباه إلى أن الأبحاث الحديثة تقترح أن هذه الطريقة في رصد الأوتار الكونية بعيدة كل البعد عن أن تكون مثالية.
”كان يُعتقد في الأصل أن الأوتار الكونية أكثر كثافة مما يظن العلماء حالياً“
كان يُعتقد في الأصل أن الأوتار الكونية أكثر كثافة مما يظن العلماء حالياً، وأن لديها ما يسميه الفيزيائيون التوترَ العالي High tension، أو الكتلة، لكل وحدة طول. في الواقع كان يُعتقد ذات يوم أنها مسؤولة عن تشكيل تكوينات مثل تجمعات المجرات عبر تأثير الجاذبية الذي يشدها معاً.
ولكن الأرصاد التي أجراها أولوم وآخرون تشير إلى أن الأوتار لا بد أن تكون خفيفة إلى حد ما [ص 49]. وذلك لأن الأوتار الكثيفة جداً لا بد أن تسبب حدوث شذوذات في الخلفية الكونية الميكروية Cosmic microwave background، وهي الضوء المتبقي من الانفجار الكبير (العظيم)
Big bang. ولكن تلك الشذوذات لم تُرصَد، مما يشير إلى أن هذه الأوتار، إذا كانت موجودة، يجب أن تكون أخف بنحو 10,000 مرة مما كان يعتقد العلماء في البَدء. وهي لا يمكن أن تكون السبب الرئيس وراء تكتل المادة في الكون. ولكنها تعني أيضاً أنها قد تشوه الزمكان Warp space-time على نحو غير ملحوظ، بحيث لن تتمكن في الواقع من رؤية صورتين منفصلتين للمجرات، بسبب عدسة الجاذبية.
توصل تشيرنوف إلى طريقة قد تكون أنجح لرصد الأوتار تُسمى تأثير عدسة الجاذبية الدقيقة Microlensing. فبدلاً من النظر إلى المجرات التي تبدو كأنها أجسام غامضة، يريد أن يرصد عدسة الجاذبية من خلال مراقبة النجوم الفردية.
ضوء النجوم وسطوع النجوم
يتضمن اقتراح تشيرنوف النظر إلى النجوم في مجرة درب التبانة والمجرات القريبة ومراقبة سطوعها. وتتلخص النظرية في أنه إذا مر وتر بيننا وبين نجم، فإن الضوء المنبعث من النجم سيتأثر بظاهرة عدسة الجاذبية بسبب الوتر. وعلى مدى فترة قصيرة من الزمن ستظهر صورتان غير واضحتين للنجم في السماء، على الرغم من أنه لن يكون من الممكن تمييزهما بشكل منفصل. ولكن يتوقع أن يتضاعف سطوع Brightness النجم على نحو مفاجئ، وهو ما يمكن رصده. وفي واقع الأمر يوضح تشيرنوف أن الوتر الذي يمر أمام النجم من شأنه أن يزيد سطوعه بمرتين بضعة أيام، قبل أن يعود إلى حالته الطبيعية.
وفي حين بدأ في تقصي بعض البيانات، إلا أنه لم يعثر بعد على وتر كوني. ويُعَد النهج الذي يتبعه تخمينياً؛ فاحتمالية العثور على أوتار بهذه الطريقة ستعتمد على مدى سرعة تنقُّلها وما إذا كانت متجمعة في مجرات، وهي أشياء لا نعرفها على وجه اليقين. ولكن علماء الفيزياء يشعرون ببعض التفاؤل. يقول أولوم: ”إنها فكرة مثيرة للاهتمام“، وهو رأي يحظى بتأييد غوت.
ولكن يبدو أن تشيرنوف نفسه حذِر في تفاؤله، إذ يقول: ”نحن في الواقع في العصر الذهبي لهذه التجربة. المؤسسة الوطنية للعلوم The National Science Foundation والوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ESA تعمل على بناء هذه التجارب، لنحصل بالضبط على ما نحتاج إليه، وهو قياس الضوء الآتي من أعداد كبيرة من النجوم مرة تلو الأخرى“. ويشير إلى تعليق الآمال على المرصد فيرا سي. روبين Vera C Rubin Observatory الذي يجري بناؤه حالياً في تشيلي. فهو سيسمح لنا بتصوير السماء بتقنية التسريع الزمني Time-lapse movie [التي تتيح تصوير مشاهد على مدى فترة طويلة وعرضها في مدة قصيرة] وسنشاهد 17 بليون نجم لم نرَها من قبل.
وإذا ما اكتشفنا وتراً، فإن هذا النهج سيكون مثالياً لدراسته. ويقول تشيرنوف: ”بمجرد اكتشاف حدث بتأثير عدسة الجاذبية الدقيقة، هناك مجموعة كاملة من الأشياء الأخرى التي يمكن أن نفعلها على الفور“، مضيفاً أن الميزة الحاسمة هي أننا سنعرف موقعه الدقيق الذي يحدده نجم فردي. ”ومن ثم يمكن تركيز جميع أجهزة الكشف عن موجات الجاذبية على نقطة في السماء“.
ولكن البيانات التي يتوقع الخروج منها بنتائج حتى الوقت الحالي تأتي من موجات الجاذبية. ففي العام الماضي، أعلن مرصد أمريكا الشمالية لموجات الجاذبية النانوهيرتزية North American Nanohertz Observatory for Gravitational Waves، (اختصاراً: المرصد NANOGrav) وهو تعاون بين فرق مقرها في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا والصين، عن أدلة على وجود خلفية من موجات الجاذبية ذات الأطوال الموجية الطويلة.
رُصدت هذه الموجات من خلال مراقبة النجوم النابضة (البلسارات) Pulsars، وهي أجسام دوارة تصدر نبضات من الإشعاع على فترات منتظمة. ولكن موجات الجاذبية ذات الأطوال الموجية الطويلة، مثل تلك التي يُعتقد أن الأوتار الكونية تنتجها، يمكن أن تشوه الزمكان بطريقة تجعل الإشعاع الصادر عن النجوم النابضة غير منتظم، مما يسمح للعلماء باكتشافها.
التفسير الأكثر احتمالاً للنتيجة هو أزواج من الثقوب السوداء الفائقةSupermassive black holes التي تدور بعضها حول بعض في أثناء اندماج المجرات. وذلك لأننا نعلم أن الثقوب السوداء موجودة بالفعل، خلافاً للأوتار الكونية. ولكن هل هذه هي القصة كاملة؟ إن موجات الجاذبية ذات الطول الموجي الطويل المنتشرة في المجرة قد تأتي أيضاً من مصادر أخرى، بما في ذلك الأوتار الكونية. قد تكون الإشارة التي التقطها المرصد NANOGrav في الواقع عبارة عن مزيج من أنواع مختلفة من موجات الجاذبية.
عندما حلل الفريق البيانات، بدا الأمر مفاجئاً إلى حد ما. يقول أولوم الذي شارك في هذا التعاون: ”إن نموذج الثقوب السوداء غير مناسب“. وواصل الفريق محاولة مطابقة الإشارة مع مصادر فيزيائية فلكية مختلفة، واكتشف أن الأوتار الفائقة الكونية Cosmic superstrings، وهي الأنواع التي تنبأت بها نظرية الأوتار، تتناسب مع البيانات على نحو جيد وأفضل من الثقوب السوداء أو النوع البديل من الأوتار الكونية.
أدى هذا الاكتشاف إلى إثارة قدر كبير من الحماسة لدى العلماء بشأن احتمال أن يكون المرصد NANOGrav قد اكتشف أول دليل على نظرية الأوتار. ويقول غوت: ”لقد رصدنا بالفعل شيئاً… هذا يعني أننا رأينا شيئاً ما“.
ولكن أولوم يبقى حذراً، إذ يقول: ”من الممكن أن تكون هذه مجرد ثنائيات من الثقوب السوداء. وربما تظهر مجموعة البيانات التالية شيئاً مختلفاً“. في الواقع من المرجح أن يؤدي توافر مزيد من البيانات إلى جعل الإشارة أقوى وأكثر موثوقية. ولكن من أجل ذلك يتعين علينا الانتظار عدة سنوات.
وفي المستقبل القريب، من المقرر إطلاق هوائي التداخل الليزري الفضائي Laser Interferometer Space Antenna (اختصاراً: الهوائي LISA) إلى الفضاء خلال ثلاثينات القرن الحادي والعشرين لمواصلة البحث عن موجات الجاذبية. يقول تشيرنوف: ”إن الهوائي LISA أكثر قدرة على اكتشاف موجات الجاذبية من الأوتار الكونية مقارنةً بكل من المرصد NANOGrav أو المرصد LIGO“.
العثور على الأوتار الكونية سيُحدِث ثورة، لأنه سيعطينا تلميحات مهمة حول الشكل الذي ستبدو عليه أعمق نظرية في الفيزياء. ولن يوفر اكتشافها ملاحظات رصدية داعمة لنظرية الأوتار فحسب، بل قد يوفر أيضاً وسيلة لاختبار ما يسمى ”النظريات الموحدة الكبرى“ Grand unified theories التي تهدف إلى وصف الكون الوليد حين تتحد ثلاث من القوى الأساسية الأربع (بغض النظر عن الجاذبية، لأننا نحتاج من أجل ذلك إلى نظرية لكل شيء). يقول أولوم: ”هناك عدد هائل من النماذج الموحدة الكبرى، لذا حتى لو تمكنا من استبعاد بعضها، فإن هذا من شأنه أن يساعد (العلماء) على معرفة أين يجدر بهم أن يركزوا انتباههم“.
”قد يساعد العثور على الأوتار الكونية أيضاً على تفسير سلسلة من الأرصاد المحيرة المسجلة حديثاً“
وقد يساعد العثور على الأوتار الكونية أيضاً على تفسير سلسلة من الأرصاد المحيِّرة المسجلة حديثاً، بما في ذلك الثقوب السوداء الضخمة التي رصدها التلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope. هذه الوحوش ضخمة جداً إلى درجة أنها لا بد أن تكون قد نمت بسرعة أكبر مما كان يعتقد العلماء. ولكن من المحتمل أن تكون قد ”نبتت بفعل الجاذبية الناتجة عن حلقات الأوتار الكونية في الكون المبكر“، كما يقول أولوم.
إمكانية السفر عبْر الزمن
هل يمكن أن تكون الأوتار الكونية مفيدة عملياً؟ يعرف العلماء منذ فترة طويلة أن نظرية النسبية العامة التي وضعها ألبرت أينشتاين تسمح بوجود حلقات Loops في الزمن، مما قد يجعل السفر عبر الزمن ممكناً. والسبب في ذلك هو أن الزمكان يمكن أن ينحني حتى ينغلق على نفسه ويشكل حلقة. ولم يسبق لأحد أن رأى حلقة من هذا القبيل أو شكَّلها، ولكن مثل هذه الحلقات توفر حلاً رياضياتياً صحيحاً يفي بالمتطلبات التي تفرضها معادلات أينشتاين. في العام 1991 اكتشف غوت أن وترين كونيين متحركين يمكنهما إنتاج مثل هذه الحلقة، وهما الحل الدقيق للمعادلات.
يمكن للأجسام الثقيلة، مثل الأوتار الكونية، أن تؤدي إلى ثني الزمكان لإنشاء طرق مختصرة في الزمكان. في النهاية هذا هو ما يوصف بأنه ثقب دودي Wormhole: منطقة تربط بين مناطق في الفضاء متباعدة جداً بعضها عن بعض. يقول غوت: ”تقول النسبية العامة إننا إذا تسابقنا مع شعاع الضوء يمكن أن نتغلب عليه هندسياً إذا وجدنا طريقاً مختصراً“.
إذا سافرت بين كوكبين، مثلاً، وكان هناك وتر كوني في المنتصف، فإن هذا من شأنه أن يوجد طريقاً مختصراً مقارنةً بالسفر مباشرة بين النقطتين.
إذا اتبعنا هذا الطريق وسافرنا بسرعة تقترب من سرعة الضوء، فسوف نتمكن من الوصول إلى وجهتنا أسرع من شعاع الضوء الذي يسافر مباشرة بين الكوكبين. وهذا يعني أننا عندما نصل إلى وجهتنا، قد نتمكن من مشاهدة أنفسنا ونحن نحزم حقائبنا في نقطة البَدء.
أظهر غوت أن وترين كونيين يتحركان في اتجاهين متعاكسين، ويتقاطعان كلاهما مع الآخر، من شأنهما تشويه الزمكان بطريقة تؤدي إلى إنشاء حلقة زمنية. إذا سافرنا حول الوترين، فسوف نعود بالزمن إلى الوراء. لكن هذا يتطلب من كل من المركبة الفضائية والأوتار السفر بسرعة 99.99% من سرعة الضوء، وهو أمر يصعب تحقيقه. ومن غير المرجح أن يوجد زوج من الأوتار اللانهائية، وهي أكثر ندرة من الحلقات، على مقربة شديدة بعضها من بعض.
يقول غوت: ”العثور على وتر لا نهائي يتحرك بهذه السرعة في الكون المرئي احتمال ضئيل جداً؛ فهي تتحرك عادة بسرعة تتراوح بين 50 و70% من سرعة الضوء… لكن السبب الذي يجعلنا نتقصى الأمر هو أننا نسعى إلى العثور على أدلة حول طريقة عمل الكون“.
يقول أولوم: ”لا يوجد خطأ في حساباته الرياضياتية“، على الرغم من أنه لا يزال متشككاً حيال إمكانية بناء آلة الزمن“. ويضيف: ”إذا لم تكن لدى كونك آلة الزمن هذه بالفعل، فلن تتمكن من أخذ بعض المادة واستخدامها لصنع الأوتار الكونية التي اقترحها غوت… يجب أن تمتد الأوتار عبر الكون بكامله. لذا فهي ليست مفيدة جداً فيما يتعلق ببناء آلة الزمن“.
أسرار الكون
يُقر غوت بصعوبة بناء آلة زمنية بهذه الطريقة. لكنه يظن أنه قد تكون هناك طريقة أخرى. بدلاً من استخدام أوتار طويلة إلى ما لا نهاية، يمكننا استخدام حلقة أوتار محدودة على شكل مستطيل بجانبين قصيرين جداً وجانبين طويلين جداً (قد يصل طولهما إلى آلاف السنين الضوئية).
وتتمثل الخطوة التالية في ترك الحلقة تنهار. ويقترح: ”يمكننا التلاعب بهذه الحلقة من خلال تحريك سفن فضائية ضخمة حولها… نحن نتحدث هنا عن حضارات خارقة“. ستؤدي هذه الحركة إلى تمديد الحلقة وسحبها حتى تنهار وتتحول إلى ثقب أسود، مما يجلب جانبيها كليهما إلى الآخر بسرعة تقترب من سرعة الضوء. وسيكون هذا وضعاً مماثلاً لآلة الزمن التي تحدث عنها في العام 1991، إلا أن الحل هذه المرة لن يكون دقيقاً، بل تقريبياً فحسب.
يقول غوت: ”لذا، إذا وافقت حضارتك على ترك حلقة زمنية تنهار حولك، فإن ما عليك فعله في سفينتك الفضائية هو الانتظار حتى يقترب جانبا الحلقة“. ويمكن أن يقتربا كلاهما من الآخر كثيراً، فلا تفصل بينهما سوى بضعة ملليمترات. حينها يمكنك الطيران حول الأوتار لزيارة ماضيك.
ولكن الأمر لا يخلو من الجوانب السلبية. ”ستجد نفسك محاصراً في ثقب أسود، ولن تتمكن من الخروج منه لإخبار أصدقائك عن مغامراتك“. كما أن الأمر سيكون صعباً من الناحية التقنية؛ يقول غوت إن الحلقة الزمنية ستحتاج إلى كتلة تعادل نصف مجرة تقريباً.
الفكرة مذهلة. ولكن معظم علماء الفيزياء، بمن فيهم غوت، يرون أن أهمية الأوتار الكونية لا تتمثل في قدرتها على إتاحة السفر عبر الزمن، بل في أنها يمكن أن تساعد على الكشف عن أسرار الكون وفهم المبادئ والقوانين الفيزيائية الأساسية التي تحكمه. دعونا نأمل فقط ألا يمر وتر كوني قريباً جداً من الأرض ويقسمها إلى نصفين قبل أن نتمكن من فهم هذه الأسرار الخفية.
ميريام صحافية علمية ومؤلفة مشاركة لكتاب هل تفكر بوضوح؟ Are You Thinking Clearly? (منشورات: Hachette)