أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Uncategorised

كيف يمكننا الطيران بلا خوف

تقنيات بسيطة يدعمها العلم يمكن أن تساعد على مقاومة القلق من السفر بالطائرة

حياة أفضل
من خلال العلم
لم ترأف الأخبار في الآونة الأخيرة بمن ينتابهم القلق والتوتر لدى السفر عبْر الأجواء. يكفي سماع الأخبار التي تتحدث عن الاضطرابات الجوية الشديدة والأبواب التي تنفصل عن جسم الطائرة في أثناء الرحلة للشعور بالتوتر خاصة لدى من يعانون رهابَ الطيران Aerophobia الذين تصل نسبتهم إلى 5%.

مع اقتراب فترة الإجازات والسفر، يبدأ أولئك الذين يخشون الطيران من بيننا في تهيئة أنفسنا نفسياً للتعامل مع الرحلات التي سيستقلونها. نحن ندرك أن ما يقرب من مليوني رحلة جوية وصلت أو غادرت المملكة المتحدة في العام 2023 وأن عدداً ضئيلاً فقط من تلك الرحلات عانى أعطالاً ميكانيكية خطيرة أو مُني بما هو أسوأ من ذلك. ولكن ما الرهاب Phobia إن لم يكن الانفصال التام عن المنطق؟

يقول البروفيسور روبرت بور Robert Bor، مدير مركز علم نفس الطيران Centre for Aviation Psychology في المملكة المتحدة: ”يميل الدماغ إلى المبالغة في تقدير المخاطر عندما نشعر بالقلق بشأن شيء ما… هذا يجعل ذاك الخطر محسوساً على نحو أوضح وأكثر واقعية – ولكن هذا لا يعني أنه من المرجح أن يحدث. إن احتمال أن يركلك حمارٌ حتى الموت أكبر بكثير من احتمال موتِك في حادث تحطُّم طائرة“.

إذا لم يكن هذا كافياً للشعور بالاطمئنان، يقول بور إن الخوف من ركوب الطائرة قابل تماماً للعلاج. وبور يعرف عمَّ يتحدث، فإضافةً إلى كونه طياراً ومستشاراً لسلاح الجو الملكي البريطاني (اختصاراً: السلاح RAF)، هو متخصص في مساعدة الأشخاص على مقاومة خوفهم من ركوب الطائرة. 

يقول: ”أي شخص شعر بالخوف من الطيران من قبل، سيُعبِّر عن ذلك بالطريقة نفسها، وهي أن يقول: ’شكراً جزيلاً، لا أريد أن أكون على متن الطائرة‘. لكن الأسباب والمحفزات تختلف تماماً بين شخص وآخر في أكثر الأحيان“.

بعض الأشخاص يخشون الارتفاع، ويخشى آخرون فقدان السيطرة على الأمور أو يخافون من الأماكن المغلقة. قد يعاني بعض الأشخاص مشكلاتٍ سابقة تتعلق بالقلق، والطيران مجرد أحد الأسباب التي تولد ذلك الشعور لديهم. أياً كان السبب أو المحفِّز، يقول بور إنه من الضروري معالجة المشكلة المحددة، ولكن هناك تقنياتٍ يجدها معظم من يوترهم السفر بالطائرة مفيدةً. يقول بور: ”لا ينبغي ترك الأمر يتفاعل حتى تصير على متن الطائرة. جهِّز نفسك بالأدوات المعرفية Cognitive والسلوكية Behavioural tools مسبقاً“.

أولاً، عليك أن تتحدى مخاوفك بسلاح المعرفة. فهم الأصوات الهادرة التي تصدرها الطائرة في أثناء الطيران وحركاتها يجعلها أقل إثارة للخوف. من المفيد أن تعرف أن الطيار سيعدل ذراع الدفع ويقلل قوة دفع المحركات بعد الإقلاع بفترة وجيزة. راجع مسار الرحلة عبر الإنترنت حتى تعرف، عندما تميل الطائرة بعد الإقلاع بفترة وجيزة يميناً أو يساراً لتغيير اتجاهها، أنها فعلت ذلك مثلاً للاتجاه نحو بودابست وأنه ليس في الأمر أي خطب.

يقول بور: ”إن الحصول على تفسيرات تقنية أمر مفيد جداً“. ومن الطرق الجيدة للتفكير في الاضطرابات الجوية، مثلاً، أن نتخيل الطائرة وهي داخل حُزمة صغيرة من الهواء، أنها مثلُ حبة توت داخلَ وعاء يحتوي على مادة هلامية أو جيلي. عندما يتحرك الجيلي تتحرك حبةُ التوت أيضاً، لكنها لا تغوص إلى قاع الوعاء ولا يصيبها ضرر.

”هذا يجعل الخطر محسوساً على نحوٍ أوضح وأكثر واقعية – ولكنه لا يعني أنه من المرجح أن يحدث. إن احتمال أن يركلك حمارٌ حتى الموت أكبرُ بكثير من احتمال موتِك في حادث تحطُّم طائرة“

يقول بور إن بعض السلوكيات أو الخطوات التي يمكن أن نتخذها قد تكون أكثر فعالية في الحد من القلق المصاحب للسفر بالطائرة. وعلى رأس هذه السلوكيات التنفس؛ يشرح: ”إذا غيَّرنا طريقة تنفسنا، فسوف نتمكن من تحسين التحكُّم في كمية الأكسجين المتاحة لنا، وهذا يؤدي إلى انخفاض معدل ضربات القلب لدينا. مثل أن نستنشق الهواء ببطء ونزفرَه ببطء خمسَ إلى سبع ثوانٍ، مع إخراج آخر ما تبقى من الهواء من الرئتين“. هذا مفيد لتهدئتنا جسدياً.

الخطوة التالية هي شد عضلات الأرداف. نعم، ما قرأتُم صحيح. يُسمى هذا التمرين استرخاءَ العضلات التدريجي Pogressive muscle relaxation، وفعلُه باستخدام عضلات الأرداف مفيدٌ بنحو خاص في أثناء الرحلة بالطائرة.

يقول بور: ”لا يستطيع أحدٌ أن يرانا ونحن نفعل ذلك… نشد أردافنا بقوة خمسَ ثوانٍ، ثم نرخيها خمسَ ثوانٍ. نحن بذلك نتدخل ونتحكم بالجهاز العصبي المركزي في الجسم الذي يرسل الأوامر لجسمنا ويجعله يتوتر. ومن خلال جعل الاستجابة اللاإرادية (الشد) إراديةً، يتوقف الجسم عن إرسال هذه الرسائل“.

الحركة الأخرى، يقول بور هي أن ”نؤدي بإصبعنا الوسطى ضربات سريعة، بأسرع ما يمكن، مع إبقاء الأصابع الأخرى ثابتة. يتطلب هذا قدراً هائلاً من قوة الدماغ، وهو ما يحوِّل انتباهَنا عن كل الأفكار المقلقة التي تراودنا. لا يستطيع دماغنا حرفياً أن يقلق بشأن الطيران في الوقت نفسه“.

في الحالات القصوى، قد يصف الطبيب أدوية تساعد من يعانون القلق على البقاء هادئين. تنظم شركات الطيران أيضاً دورات حول تخفيف الخوف من السفر، ويمكن كذلك تجربة بعض العلاجات عبر الواقع الافتراضي.

يقول بور إن الجمع بين كل هذه التقنيات مفيد عادة. ويضيف: ”قد لا ننتقل إلى الوقوع في حب الطيران، لكن [خوفنا منه] سيخِفُّ. في كل مرة ننجح فيها في اجتياز الرحلة على نحو أفضل، يُوجه ذلك رسالة إلى الدماغ وكأننا نقول له، صراحةً لن أدعَ هذا يتغلب عليّ“.


إيان تايلور Ian Taylor
إيان كاتب علمي مستقل، ونائب رئيس التحرير السابق لمجلة بي بي سي ساينس فوكس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى