أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Uncategorised

كيف يمكن أن نبطئ الوقت

هل يمكننا أن نشعر بأن لدينا مزيداً من الوقت من خلال تغيير تصوُّرنا له؟

حياة أفضل من خلال العلم

غالباً ما نسمع عبارة ”الوقت يمر بسرعة“. إذا شعرتُم بأن الأيام تمر عليكم بين الاجتماعات المتتالية والاطلاع على ما يصل إلى هاتفكم واستراحات القهوة والشاي، فاعلموا أنكم لستم وحدكم من ينتابه ذلك الشعور. العبارة اللاتينية Tempus fugit التي يكثر تردادها وتعني أن ”الوقت يجري“ مُستلهمة من كتابات الشاعر الروماني فيرجيل Virgil، قبل بضعة آلاف من السنين. وحديثاً خلصت دراسة مسحية أجريت في 2023 إلى أن ستة من كل عشرة أشخاص يشعرون بأنهم ليس لديهم ما يكفي من الوقت في اليوم لإنجاز كل ما عليهم الاضطلاعُ به. وعبارة أن الوقت ”يمر بسرعة“ أو ”يطير“ يبدو أنها لا تفي بالغرض؛ فنحن نشعر أحياناً كأن الوقت يمضي بسرعة تفوق سرعة الصوت.

لكن دراسة حديثة أجرتها جامعة جورج ميسون George Mason University في الولايات المتحدة قد تُلمح أو تعطي مؤشرات مبدئية إلى خفض تسارع الوقت الذي نحن في أشد الحاجة إليه. يدرس بعض علماء الأعصاب في الجامعة التباطؤ الزمني Time dilation، وهي ظاهرة يبدو لنا فيها أن إدراكنا للوقت يتمدد ويتباطأ. 

”بعض الصور أو التجارب أو السيناريوهات تؤدي، على الأرجح، إلى إطالة الوقت؛ الصور التي لا تُمحَى من الذاكرة يمكن أن تخدعنا ذهنياً على نحو ما“

في أحدث دراسة لهم عمل الباحثون على معرفة ما إذا كانت بعض الصور أو التجارب أو السيناريوهات تؤدي، على الأرجح، إلى إطالة الوقت، ووجدوا أن الصور التي لا تُمحَى من الذاكرة يمكن أن تخدعنا ذهنياً على نحو ما. وكلما كانت تلك الصور راسخة في ذاكرتنا زاد احتمال أن نظن أننا ننظر إليها فترةً أطول مما نفعل حقاً.

يقول البروفيسور مارتن وينر Martin Wiener، الذي قاد البحث، إننا في المختبر نتحدث عن ثوانٍ: ”ما يعنيه ذلك هو أن اللحظة تبدو أطول للمراقب مما هي عليه في الواقع“.

ويضيف: ”ربما نُمدد الوقت لنحصل على مزيد من المعلومات. إنها طريقة يقول من خلالها الدماغ: ’أنا أرى شيئاً ما وهو مهم حقاً، لذا من الأفضل أن أمدد الوقت لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات في هذه اللحظة‘ “.

وهذا يثير احتمالاً مثيراً للاهتمام: هل يمكننا أن نُبطئ الوقت ذهنياً، وأن نتعلم كيف نطيل اللحظة ونختبر اللحظات السعيدة فترةً أطول؟

نحن نعلم أن الإدراك الذاتي للوقت مرن. نعرف بالفطرة والحس السليم، وكذلك من خلال الأقوال الموروثة، أن الوقت يمر سريعاً عندما نستمتع بوقتنا، ويمر ببطء شديد عندما نكون في عجلة من أمرنا، مثلما يحدث عندما تنتظر الماء حتى يغلي.

يقول وينر: ”المشكلة هي أنه عندما نشعر بأن لدينا مزيداً من الوقت، فإن ذلك ليس في مصلحتنا في كثير من الأحيان… وبوجه عام، عندما نشعر بطول الوقت يحدث ذلك عندما نعيش لحظات مزعجة أو مملة؛ عندما يعمل الوقت ضدَّنا“.

يمكن لعوامل أخرى أن تؤثر في إدراكنا للوقت أيضاً. تبدو التجارب الصاخبة عادةً أطول أمداً من التجارب الهادئة، في حين أن الصور العاطفية أو المخيفة تعطينا إحساساً بأننا نظرنا إليها فترةً أطول من تلك التي لا تثير لدينا المشاعر.

لدى من يوصَفون بأنهم مندفعون، أو لدى من هم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD، قد يبدو أن الوقت يمر بسرعة أكبر مما هي الحال لدى الآخرين. ثم هناك ”التدفق“ Flow؛ وهي حالة ذهنية يشعر فيها الشخص بتركيز عميق، ويكون منغمساً في فعل شيء يستمتع به أيضاً. 

يقول وينر: ”التدفق هو تجربة يبدو فيها الوقت كأنه يتباطأ قليلاً في اللحظة عينها، ولكننا نستمتع به. التأمل الواعي Meditation هو أحد الأمثلة. وهو إحدى الحالات التي يبدو فيها أن الوقت يتمدد“.

يشير وينر إلى وجود فرق بين الوقت في اللحظة المعنية والوقت عندما نتذكرها فيه: ”الوقت يمر بسرعة في تلك اللحظة، ولكن عندما نستدعي ذكرياتنا، يبدو لنا أنها استمرت فترة أطول. إذا ذهبتَ في إجازة مدة أسبوع إلى مكان لم تزره من قبل، فإنك عندما تسترجع تلك الذكريات قد تقول لنفسك: ’ياه، هل فعلت كل هذه الأشياء؟!‘ “.

في أذهاننا، تبدو الإجازة كأنها تستمر أطول من الأسبوع العادي، في حين أن الروتين اليومي يمر بسرعة. ربما لا تتوقف أدمغتنا لتستوعب تلك المعلومات بالقدر نفسه. يقول وينر: ”عندما نؤدي أنشطتنا الروتينية نفسها، تلك التجارب التي تفتقر إلى قابلية تذكُّرِها… فإنها لا تبقى في ذاكرتنا طويلاً، ولا نشعر بأننا قضينا وقتاً ذا قيمة فيها“. 

إذن كيف يمكننا أن نُخضع الوقت لإرادتنا، ونمنح أنفسنا مزيداً منه، حتى لو كان ذلك مجرد إحساس مصطنع بأن اللحظات التي نعيشها تمر ببطء؟ يشير بحث وينر إلى أن ”البحث عن معلومات مثيرة للاهتمام، وأشياء جديدة ومختلفة ومثيرة ومحفزة، أمر مفيد لأنه يوسع إحساسنا بالوقت، ولكنه يُحسِّن أيضاً ذكرياتنا عن تلك المواقف“.

يمكن مثلاً ممارسة هوايات جديدة، أو زيارة أماكن جديدة، أو الاهتمام بمواضيع جديدة، أو التعرف على أشخاص جدد. بمعنى آخر: إذا كنا نرغب في أن نختبر مزيداً من الوقت، فإننا في حاجة إلى الاستفادة أكثر من الوقت المتاح لنا.


إيان تايلور Ian Taylor
إيان كاتب علمي مستقل، ونائب رئيس التحرير السابق لمجلة بي بي سي ساينس فوكس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى