أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعيةتكنولوجيا

لويس دارتنيل

البروفيسور لويس دارتنيل Lewis Dartnell باحث في البيولوجيا الفلكية ومؤلف كتاب «الأصول: كيف صنعتنا الأرض» Origins: How The Earth Made Us.

على الرغم من أن تجربة المحيط الحيوي للنظام الإيكولوجي المصغر للقمر لم تستمر طوال الفترة التي كانت مخططة لها، فإنها لا تزال تمثل خطوة مهمة إلى الأمام في محاولاتنا لإعاشة المستكشفين خارج عالمنا. ومثل نسخة آلية مصغرة من شخصية مات ديمون Matt Damon في فيلم «المريخي» The Martian، تمكن هذا المحيط الحيوي المحكم الإغلاق لفترة وجيزة من زراعة النباتات على سطح عالم آخر.
ركزت التجارب السابقة في مجال زراعة الفضاء على نهجين رئيسيين: إما اختبار نمو النبات في بيئة انعدام الوزن في محطة الفضاء الدولية (ISS)، أو التجارب الأرضية التي تشمل دراسة مدى جودة نمو المحاصيل المختلفة في التربة القمرية أو المريخية المحاكاة Simulated.
والمشكلة في بيئة انعدام الوزن على المركبات الفضائية مثل محطة الفضاء الدولية هي أن بذور النباتات تحتاج إلى استشعار اتجاه الجاذبية لتحديد اتجاه نمو جذورها وبراعمها. ولا تحتوي محطة الفضاء الدولية على بيت دفيئة على متنها، وهي التي تسمح بدخول أشعة الشمس الطبيعية، ولذلك يجب إجراء هذه التجارب على نطاق صغير في ظل إضاءة كهربائية اصطناعية: مصابيح LEDs الحمراء والزرقاء التي تُسقط على هذه التجارب توهجاً أرجوانيّاً ساطعاً.
وباستخدام نظام إنتاج الخضراوات في محطة الفضاء الدولية «فيجي» Veggie، مثلاً، تمكن رواد الفضاء من زراعة خس رومين Romaine lettuce الأحمر بنجاح في الفضاء. وفي عام 2014 ظهر أول محصول زرع بنجاح باستخدام نظام فيجي. وتَمَّ جني المنتج وتجميده ثم أعيد إلى الأرض لفحصه، لكن في عام 2015 تمكّن رواد الفضاء من أكل سلطة الفضاء التي زرعوها بالفعل. وفي عام 2016، نشر رواد فضاء أمريكيون على متن محطة الفضاء الدولية صوراً لزهرة الزينية Zinnia flower التي زرعوها. ويخطط رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية حاليّاً لمحاولة زراعة محاصيل أخرى مثل القمح القزم Dwarf wheat.
وفي الوقت نفسه تحاول تجارب أخرى على الأرض معرفة ما إذا كان بالإمكان زراعة النباتات في تربة مثل تلك الموجودة على القمر أو المريخ. وقاست البعثات الفضائية السابقة تركيبة التربة الشبيهة بالمسحوق لسطح القمر والمريخ، ومن ثمَّ يمكن إعادة تكوينها كتربة مماثلة Simulant في المختبر. وفي عام 2014، مثلاً، اختبر علماء من جامعة ومركز أبحاث فاغينينغن Wageningen University and Research Center في هولندا العديد من الحشائش البرية وكذلك المحاصيل الموجودة في التراب خارج الأرضي. ولكن نمو الشتلات كان سيئاً، فلم تتمكن من الإنبات على الإطلاق. وأدرك الباحثون أن التربة القمرية أو المريخية الخام، المؤلفة من الصخور المتكسرة فقط، تكون رديئة جدّاً في الاحتفاظ بالمياه أو توفير المغذيات الأساسية. وعندما حاولوا مرة أخرى بعد إضافة بعض المواد العضوية، وهو ما يشبه التربة الموجودة في إحدى حدائق الأرض، حققوا نتائج أفضل بكثير. وتمكنت عشرة أنواع، بما فيها البازلاء والطماطم، من إنتاج محصول. ومن بين المشكلات التي يتعين حلها مستقبلا هي احتواء القمر والمريخ على الكثير من المعادن الثقيلة، ومن ثمَّ فإن النباتات التي تُزرع فيهما وتمتص هذه العناصر عبر جذورها قد تكون سامة جدّاً، بحيث لا يمكن لرواد الفضاء تناولها.
ولكن تجربة تشانغي هي المرة الأولى التي تُجرى فيها محاولة لزراعة النبات على سطح عالم آخر. وهي تجربة رائدة لسبب آخر أيضاً. ركزت معظم الدراسات حتى الآن على زراعة عدد قليل من أنواع النباتات بصورة منفردة، لكن النظام الإيكولوجي المصغر للقمر كان يحاول بناء تآزر حقيقي بين الأنواع المختلفة المزروعة فيه. وتنمو النباتات فتوفر الأكسجين والغذاء للذباب، وتتنفس هذه الحشرات لإطلاق ثاني أكسيد الكربون اللازم للنباتات، وتحلل الخميرة Yeast كليهما وتعيد تدويرها بعد موتها: فهو نظام إيكولوجي مصغر قائم بذاته من الكائنات المنتجة والمستهلكة والمفكِّكة Decomposers الأساسية. ويمثل هذا النوع من النهج الإيكولوجي «حلقة مغلقة»، وهو بالضبط ما سيلزم للاستيطان البشري الطويل المدى للفضاء. وفي الوقت الحالي يُرسَل الطعام بانتظام إلى المحطة الفضائية عن طريق إطلاق الصواريخ، لكن هذا سيكون مكلفاً جدا لدعم المستوطنات البشرية الطويلة المدى على سطح القمر أو المريخ. وفي المستقبل سيتعين علينا أن نكون مزارعين فضائيين، وتعد تجربة تشانغي خطوة مهمة لتحقيق ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى