أومواموا: لماذا ظنناه من خارج المجموعة الشمسية؟
يقول بحث جديد إن ضيفنا بين-النجمي الأول كان طبيعيّاً. إذاً من أين جاءت فرضية أنه من خارج المجموعة الشمسية؟
رصد علماء الفلك أومواموا Oumuamua في أكتوبر 2017، عندما كان بالفعل في طريقه للخروج من المجموعة الشمسية، وسارعوا إلى فك أسراره قبل أن يغيب عن الأنظار. وكان أول جرم يُكتشف من خارج مجموعتنا الشمسية. هل كان زائرنا بين-النجمي مذنباً أم كويكباً- أو ربما مركبة فضائية من خارج كوكب الأرض؟ لم يمض وقت طويل على ذلك حتى أعلن مشروع بريكثرو ليسن Breakthrough Listen التابع لمعهد SETI (البحث عن الذكاء خارج كوكب الأرض Search for ExtraTerrestrial Intelligence) عن خطته لاستكشاف الجرم الغامض من حيث إشارات الراديو، التي قد تشير إلى حياة فضائية. ولكنه خيب آمال صيادي الكائنات الفضائية، فلم يُسفر عن شيء. الآن، بعد سنة ونصف، دقّ المسمار الأخير في نعش «فرضية الأصل الخارجي» بفضل ورقة علمية بعنوان «التاريخ الطبيعي لأومواموا». وتقول الدكتورة ميشيل بانيستر Michele Bannister، إحدى مؤلفي الورقة: «بالنظر إلى جميع المشاهدات المتوفرة التي أجريت، فإن أفضل إجابة لدينا هي أنه جرم طبيعي».
ومع ذلك، فإن فكرة احتمال عبور الكائنات الفضائية مجموعتنا الشمسية ظلت دائماً فكرة معقولة، وهو ما يرجع في معظمه إلى أن أومواموا كان مختلفاً تماماً عن أي شيء رأيناه من قبل. فمن ناحية، يتباين سطوعه يتنوع بمعدل 10، مثل وميض الحركة البطيئة. ويشير هذا إلى أنه قد يكون جرماً على شكل سيجار، يزيد طوله بعشر مرات على عرضه؛ مما يعكس ضوءاً أكثر أو أقل عند انقلابه من نهاية إلى أخرى. وهذه هي الصورة المألوفة
لـ أومواموا، لكننا لا نعرف شكله على وجه اليقين. وحتى أقوى تلسكوباتنا لم تستطع تمييز شكله فيما وراء نقطة السطوع. يمكن بسهولة أن ينتج الوميض نفسه عن جرم على شكل فطيرة. وفي كلتا الحالتين لا يوجد مذنب أو كويكب في المجموعة الشمسية بمثل هذه النسبة المتطرفة من الطول إلى العرض.
وخلال الفترة القصيرة التي ظل فيها ضمن نطاق رؤية تلسكوباتنا، وجد الفلكيون صعوبة في تحديد هويته. لقد بدا وكأنه كويكب، لكنه لم يُبد أي علامة على «إطلاق الغازات»، وهو ذيل الغاز المتبخر الذي يرى عندما تذيب الشمس ثلج المذنب. لكنه بعد ذلك تسارع مبتعداً عن المجموعة الشمسية، بوتيرة أسرع مما يمكن تفسيره بالجاذبية. وطرحت تفسيرات مختلفة لشرح هذا التسارع، بما في ذلك التصادم مع جرم آخر، وتوليفة من الجاذبية المغناطيسية والرياح الشمسية، لكن النظرية الأكثر غرابة قالت بأنه مركبة لمخلوقات فضائية.
وفي ورقة بحثية نشرت في دورية رسائل مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal Letters، شرح الدكتور شموئيل بيالي Shmuel Bialy والبروفيسور أبراهام لوب Abraham Loeb، من جامعة هارفارد، نظريتهما، فأشارا إلى أن أومواموا ربما كان شراعا شمسيّاً ينتمي إلى كائنات فضائية. ومثلما تتكون الرياح التي تملأ شراع السفينة من عدد كبير من جزيئات الهواء، فإن الارتطام الضئيل لكل فوتون من ضوء النجوم، والمنعكس من شراع شمسي كبير ورقيق، يمكن نظريّاً أن يكون قوة كافية لتشغيل مركبة فضائية. ومع ذلك، هناك مشكلة رئيسية في هذه النظرية: الحركة الدوارة التي أظهرت شكله المتطرف في المقام الأول. ولكي يعمل بفعالية كشراع شمسي، يجب أن يواجه سطحه العريض الشمس، ويقول بانيستر: «لا تتوافق هذه الفرضية مع الأدلة»، على الرغم من أن سبب تسارعه غير العادي ما زال غير واضح.
حسناً، إذا لم يكن أومواموا مركبة لكائنات فضائية، فما هو؟ عند أخذ جميع الأدلة في الاعتبار يقول بانيستر إنه يصبح من الواضح أنه كوكبي، ويقول «إنه لبنة صغيرة من كوكب بدأ حياته حول نجم آخر وانتقل إلينا».
وحتى لو كان ظاهرة طبيعية، فإن فرصة دراسة أول جرم من خارج المجموعة الشمسية مثيرة بحد ذاتها. «من نواح كثيرة، كانت هذه لحظة فارقة بالنسبة إلى الباحثين الذين يدرسون كيفية تكوين وت طور النظم الشمسية»، كما يقول بانيستر.
والأفضل من ذلك، يمكننا استكشاف الزائر القادم للمجموعة الشمسية بمزيد من التفصيل بعد إطلاق بعثة كوميت إنترسبتر Comet Interceptor لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency’s في عام 2028، حيث ستتوقف المركبة بعيداً عن الأرض، في انتظار مطاردة مذنب أو جرم بين-نجمي مثير للاهتمام. ويقول بانيستر: «في المرة المقبلة التي يعود فيها أومواموا، قد تكون لدينا مركبة فضائية تنتظر التوجه لزيارته. إنني بحق متحمس جدّاً لذلك. سيكون الأمر ممتعاً جدا».