إطعام الحيوانات البرية: هل ضرره أكثر من فائدته؟
في أكتوبر 2019 انتشرت على نطاق واسع لافتة تدَّعي أن البط يتضور جوعاً؛ لأن الناس ما عادوا يعطونه الخبز، بسبب الخوف من أنه قد يصيبها المرض. ولكن هل إطعام البط والطيور الأخرى هواية غير ضارة، أم يجب أن نتركها تجد طعامها بنفسها؟
لماذا يشعر الناس بالقلق بشأن إطعام الطيور؟
كان رمي حفنة من الخبز للبط أحد طقوس مرحلة الطفولة التي اعتبرها كثيرون، وأنا منهم، منذ فترة طويلة ممارسة غير مؤذية. ولكن مؤخرا اقترح بعض العلماء أن الخبز ربمايُضرُّ بعمل الجهاز الهضمي للطيور. وعمدت منظمات مثل القناة البريطانية UK’s Canal وريفر تراست River Trust إلى ثني الناس عن ذلك. وتقول المنظمتان إن الطعام الذي لا تأكله الطيور يتعفن ويسبب تدهور نوعية المياه وقد تتسبب كذلك بانتشار الطحالب. وإضافة إلى ذلك، ومن خلال تشجيع البط على التجمع في مكان واحد، قد تنشأ مشكلة أيضاً بسبب تراكم الفضلات وتفشي أمراض مثل التسمم الوشيقي Botulism. وفي الوقت نفسه، توضع في العديد من المدن لافتات تطلب عدم إطعام الحمام والنوارس، التي تُعتبر «مصدر إزعاج» بسبب الفوضى التي تسببها، ولأن نثر الخبز يجتذب حتماً الجرذان والفئران.
يبدو أن الجمهور قد استجاب لهذه التحذيرات، وأن عدداً أقل منَّا يطعم الطيور بهذه الطريقة. لكن في شهر أكتوبر 2019 ظهرت لافتة في متنزه ديربيشير Derbyshire park تدّعي أن البط يتضور جوعاً، وتشجع الزوار على مواصلة إطعامه كما في السابق. وعندما انتشرت اللافتة عبر الإنترنت “فيروسيا” احتدت النقاشات بين علماء الطيور واختصاصيي المحافظة على البيئة حول مزايا وأضرار تقديم الخبز إلى الطيور البرية. فمن منهم على حقّ؟
كيف يؤثر الخبز في الطيور؟
يشير بول ستانكليف Paul Stancliffe من الصندوق الائتماني البريطاني لعلم الطيور British Trust for Ornithology إلى أن هناك أدلة علمية ضئيلة على أن الخبز يضر بالطيور، مضيفاً أن نظراً لأنه لم تجرِ سوى القليل من الأبحاث، فقد يكون مفيداً، مكتفياً بالقول: «نحن لا نعرف». وعلى الرغم من أن الخبز مصنَّع ومعالَج على مراحل ويحتوي على مواد «غير طبيعية» ومخصص للاستهلاك البشري، إلا أن هذا وحده ربما لا يكون سبباً كافياً لعدم إطعامه للطيور.
في ثمانينات القرن الـ20، أجرى الصندوق الائتماني للطيور البرية والأراضي الرطبة Wildfowl & Wetlands Trust (اختصارا: الصندوق WWT) دراسة مقارنة على أسراب مختلفة من طيور البجع المعروفة بالتمّ الأبكم Mute swans، وجدت أن الطيور التي التهمت معظم الخبز كانت عضلاتها أضعف، مما يوحي بأن نظاماً غذائيّاً غنيّاً بالخبز قد يكون السبب. ويقول بيتر موريس Peter Morris من الصندوق: «موقفنا الرسمي هو أن الخبز مناسب للبط والإوز والبجع، وإنما باعتدال… ومع ذلك، فإن هذه النصيحة تأتي مع العديد من المحاذير الأخرى». وأول هذه المحاذير هو أنه من الأفضل تقديم الخبز للطيور في فصل الشتاء، عندما يتوفر القليل من الغذاء من النباتات والحشرات. أما في الربيع والصيف؛ فربما لا يكون إعطاؤها الكثير من الطعام الاصطناعي فكرة جيدة، إذ يجب أن تتعلم الصغار من الطيور البرية كيف تعيل نفسها، كما أن الطعام الطبيعي يحتوي على مجموعة أكبر من العناصر الغذائية لمساعدتها على النمو.
ويقول متحدث باسم الجمعية الملكية لحماية الطيور Royal Society for the Protection of Birds: «تحتاج الطيور، مثلنا تماماً، إلى نظام غذائي متنوع للبقاء بصحة جيدة… وعلى الرغم من أن البط والإوز والبجع يمكنها هضم جميع أنواع الخبز، إلا أن الكثير منه قد يجعلها تشعر بالشبع دون أن يوفر لها جميع الفيتامينات والمعادن والمواد الغذائية المهمة التي تحتاج إليها».
وعندما شاع إطعام الطيور في المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر، أوصى الفيكتوريون بالصرامة في حب الطيور، بحجة أن إعطاءها الطعام سيجعل أصدقاءنا ذوات الريش كسالى وتعتمد على الحسنة. وتبدو مثل هذه الأخلاق قديمة الطراز في الوقت الحاضر، ولكن قد يكون فيها ذرة من الحقيقة. ويقول موريس إن هناك نظرية مفادها أن الطيور البرية يمكن أن «تدمن» على الوجبات السهلة، وتفقد الاهتمام بالأنواع الأخرى من الطعام. ويقول إن هناك خطراً آخر، وهو أن الطيور التي يُؤمَّن لها الطعام بانتظام تنتهي إلى أن تكون أليفة وتعتاد على البشر، وهذا يعرضها لخطر أكبر من الحيوانات المفترسة.
هل هناك طريقة لإطعامها بأمان؟
يشير كل من الجمعية الملكية لحماية الطيور والصندوق WWT إلى أنه، حتى وإن أطعم الجميعُ الطيورَ كميات صغيرة فقط من الخبز، فإن ذلك يُعدُّ كثيراً. ليست لدينا طريقة لمعرفة ما الذي تتناوله البطة أو الإوزة أو البجعة غير ذلك في الحديقة المحلية. فما الذي يمكن أن نعطيه لهذه الطيور بأمان بدلاً من ذلك؟ «نحن نشجع الناس على استخدام أشياء مثل الذرة الحلوة والشوفان وفتات الكعك وحبوب البازلاء بعد إزالة تجميدها وكذلك بذور الطيور»، كما يقول المتحدث باسم الجمعية الملكية. ويوافق الصندوق الائتماني للطيور البرية على ذلك، ويوصي إضافة إلى ذلك بالخضار الخضراء المفرومة.
ماذا عن الطيور في حديقتي؟
هناك شيء واحد مؤكد: اتخذَ إطعام الطيور بعداً تجاريّاً كبيراً، إذ ينفق المستهلكون في المملكة المتحدة ما بين 150 مليون و200 مليون جنيه إسترليني سنويّاً على أطعمة الطيور. وتُنفق الغالبية العظمى على البذور والفول السوداني وكرات الدهون التي توضع في أواني إطعام الطيور في الحديقة، بدلاً من البذور التي تقدم للبط والطيور البرية الأخرى. وكتب عالم الطبيعة ستيفن موس Stephen Moss في كتابه طيور بريطانيا Birds Britannia الصادر عام 2011: «نحن أمة من البستانيين الذين صاروا أمة من عشاق طيور الحدائق». فقد كان لهذا الهوس الوطني تأثير كبير في أعداد الطيور، فزادت أعداد أنواع مثل طائر الحسون الذهبي Goldfinch وطائر قرقف طويل الذيل Long-tailed tit. وقد أَثّر حتى في التطور نفسه. وقد بدأت بعض الطيور المغردة التي تقتات بالحشرات ويطلق عليها اسم أبو قلنسوة Blackcap بزيارة حدائق جنوب بريطانيا في فصل الشتاء، يجذبها إليها الطعام المعروض. حتى أنها بدأت بتطوير منقار أطول وأضيق يساعدها بشكل أفضل على التقاط بذور عباد الشمس.
سواء أكان ذلك في حديقة أم متنزه، يمثل إطعام الطيور بالنسبة إلى الكثيرين منا ذاكرتنا الأولى للتفاعل مع الطبيعة في البرية. وكما تقول الجمعية الملكية لحماية الطيور: «قد تكون هذه التجربة خطوة مهمة نحو فهم عالمنا الطبيعي وتقدير أننا جميعاً نؤدي دوراً في الاهتمام به. وبما أننا جميعاً نشعر بقلق أكبر حيال الانعزال بشكل متزايد عن عالمنا الطبيعي، فمن المهم أن نشجع الناس على إطعام الطيور والاستمتاع بالحياة البرية من حولهم».