أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافات

البركان الذي هز الأرض

كان ثوَران بركان هونغا تونغا هونغا هاباي Hunga Tonga Hunga Ha’apai حدثاً جيولوجياً لا نشهد مثله إلا مرة واحدة كل قرن، وعلينا أن ندرس آثاره من دون إضاعة الوقت...

أدى ثوَران بركان هونغا تونغا-هونغا هاباي تحت البحر في 15 يناير 2022 إلى تشريد آلاف الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم من دون مؤنة ومنقطعين عن الاتصال بالإنترنت. في وقت كتابة هذه المقالة كانت هناك ثلاث حالات وفاة مؤكدة على صلة به، اثنان من السكان المحليين ومواطن بريطاني.

سبب انفجار البركان حدوث موجات صدمة وصلت إلى ألاسكا والمملكة المتحدة، وفي حدوث موجات مد عاتية (تسونامي) أثّرت في شواطئ أستراليا والولايات المتحدة وروسيا.

بعد نحو 10 ساعات من الانفجار، رصد الناس في ميامي في الولايات المتحدة- على بعد أكثر من 11,000 كم من البركان– “موجات” ضغط تتحرك بسرعة 1,100 كم/س. كانت هذه التموجات الصوتية تنتقل في الهواء في الأساس بسرعة الصوت عبر الغلاف الجوي.

بعد خمسة أيام من الانفجار، بدا أن نشاط البركان قد توقف عند مستوى السطح، على الرغم من عدم تمكن علماء البراكين من تحديد ما كان يحدث تحت الماء.

ما زال العلماء لا يعرفون سبب ثوَران بركان هونغا تونغا هونغا هاباي، ولكن نظراً إلى أنه بركان تحت سطح البحر، فمن المحتمل أن ما حدث هو رد فعل مفاجئ، وليس شيئاً كان يغلي تحت السطح منذ بعض الوقت وفق د. صمويل ميتشل Samuel Mitchell، المتخصص في الأنظمة البركانية تحت سطح البحر من جامعة بريستول University of Bristol.

نماذج ثلاثية الأبعاد أُنشئت بواسطة الحاسوب لكالديرا بركانية (فوهة بركانية)؛ توضح الأجزاء الموجودة فوق الماء وتحته

في أعقاب الكارثة

تُوجد جزيرتان غيرُ مأهولتين على حافة الفوهة البركانية هما هونغا تونغا وهونغا هاباي. بعد الانفجار بينت صور الأقمار الاصطناعية أن الجزيرتين صارتا أصغر بكثير من قبل، مما يعني أن الانفجار دمَّر جزءاً كبيراً من الأرض. لا يعرف العلماء على وجه الدقة ما إذا كان انهيار الفوهة قد سبب تحريك كتلة مائية ضخمة أدت إلى حدوث التسونامي، أو أن انفجاراً تحت السطح دفع المياه بعيداً عن البركان قد يكون هو السبب.

مع امتداد التسونامي أصدرت تحذيرات حول جنوب المحيط الهادئ، وحتى في اليابان وكندا والولايات المتحدة. في البيرو كانت الأمواج قوية إلى درجة أنها قلبت ناقلة نفط، مما سبب تسرب أكثر من 6,000 برميل من النفط إلى شواطئ البيرو.

لا يُعرَف بعد مدى تأثير الثوَران على التنوع البيولوجي البحري. ومع ذلك قال د. ديفيد فيرغسون David Ferguson، عالم البراكين من جامعة ليدز University of Leeds، إنّ الرماد المتساقط في المياه المحيطة بالبركان سيكون له التأثير الأكبر على الأرجح.

بحلول 18 يناير، وصل الرماد البركاني المحمل بثاني أكسيد َّ الكبريت )SO2 )الناتج عن االنفجار إىل معظم أنحاء أستراليا

وأردف: ”لا يميل الرماد الذي يُنفث تحت الماء إلى الانتقال بعيداً جداً، ولكن نظراً إلى أن عمود الرماد البركاني Plume قد قُذف في الغلاف الجوي فإنه يسمح للرماد الموجود في داخله بأن ينتقل مسافةً أبعد ثم يترسب في المحيط في الجوار… إذا كانت كمية الرماد كبيرة، فإنها يمكن أن تؤدي إلى اختناق معالم مثل الشعاب المرجانية، وتُسبب هجرة الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى إلى مكان آخر، مما يؤدي إلى تعطيل سلاسل الغذاء والنظام الإيكولوجي وغير ذلك“.

ونظراً إلى حدوث الانفجار البركاني تحت سطح البحر، فمن المحتمل أن الرماد الناتج عنه قد التقط الملح من الماء في طريقه إلى السطح. قد يكون هذا الملح سقط بعد ذلك على الأرض، وتشير بعض التقارير المبكرة إلى أن هذا الملح يُسبب جفاف المحاصيل المحلية.

ما نعرفه حتى الآن

توجد براكين تحت سطح البحر في معظم أنحاء العالم على أعماق مختلفة. لكن العلماء لا يعرفون بعدُ عددَها الدقيق. يقول ميتشل إن التقديرات تشير إلى أن نحو 70 إلى 80% من معظم الأنشطة البركانية تحدث بالفعل في قاع البحر. وفي حين أُجرِي عدد قليل نسبياً من الأبحاث التي تشمل هذه البراكين المغمورة بالمياه، فإن البحث الذي أُجرِي على هونغا تونغا-هونغا هاباي سيساعد علماء البراكين على فهم الأحداث المستقبلية والتنبؤ بها على نحو أفضل.

قال فيرغسون: ”قد يُبذل جهد حالياً لدراسة عواقب الانفجار البركاني، مثل التأثيرات في الحياة البحرية المحلية، وربما لرصد أي تغييرات أو عمليات لاحقة في البركان نفسه… على سبيل المثال، ربما لا تزال الصهارة (الماغما) تتحرك تحت البركان، واكتشاف هذه الحركة يمكن أن يساعدنا على فهم المسارات التي تتخذها الصهارة في طريقها إلى السطح“.

في هاتين الصورتين قبل الثوران وبعده، يمكن أن نرى تأثير تساقط الرماد في بلدة مَوا Mu’a، في جزيرة تونغاتابو Tongatapu، في تونغا

أبعد من الأرض

يمكن أن يساعد الانفجار البركاني على زيادة فهمنا للبراكين على الكواكب الأخرى. فقد أدت انفجارات سابقة لبراكين مغمورة إلى تكوين جزر مع تحرك سفوح البركان وارتفاعها فوق سطح الماء.

قال د. أشلي ديفيز Ashley Davies، عالم الجيولوجيا وعلم الكواكب لدى وكالة ناسا: ”هذه الجزر المكونة من صخور بركانية فتاتية Pyroclastic material لها الشكل العام نفسه لمعالم صوِّرت على المريخ… يشير هذا إلى أن معالم المريخ ربما تشكلت في ظل ظروف مماثلة– انفجارات شديدة في البداية بسبب تفاعل الصهارة مباشرة مع الماء“.

على الأرض، تتآكل هذه الجزر البركانية عادة بسرعة بعد تكوينها. ولكن إذا تشكلت المعالم على سطح المريخ نتيجة للعمليات البركانية نفسها، فإن بقاء هذه المعالم القديمة يشير إلى أن قوى التآكل المؤثرة أقل شدة مما أتاح لها البقاء بلايين السنين. لا يمكن للعلماء أن يقولوا على وجه اليقين إن كانت براكين المريخ قد ثارت أو لا، ومتى حدث ذلك ولا ما كانت عليه تلك الانفجارات. ولكننا نعلم أنه في الماضي السحيق وُجد الماء على سطح المريخ.

قال البروفِسور ليونيل ويلسون Lionel Wilson، عالم البراكين، من جامعة لانكستر Lancaster University: ”في الماضي كان هناك ماء على سطح المريخ، وهناك حالياً جليد تحت السطح مباشرة، مما يجعل مثل هذا النوع من التفاعلات [الحمم البركانية والماء] ممكناً“.

في هذه الأيام، ونظراً إلى أن المريخ محاط بغلاف جوي رقيق فإن أي ماء يصل إلى السطح سيغلي ويتبخر. ولكن قبل نحو ثلاثة بلايين سنة، كان من الممكن أن يكون الضغط الجوي مرتفعاً بما يكفي لبقاء المياه في شكلها السائل.

قد يكون عمر بعض أكبر البراكين على المريخ، مثل أوليمبوس مونس Olympus Mons وأسكرايوس مونس Ascraeus Mons، بلايين السنين. لذلك، إن حصل تداخل بين غلاف جوي أكثر كثافة والنشاط البركاني، كان يمكن أن تحدث انفجارات مثل تلك التي حدثت في بركان هونغا تونغا-هونغا هاباي.

قال ويلسون إن ”تونغا موجود على عمق ضحل تماماً تحت سطح الماء، وهو ما جعله شديد الانفجار. في المناطق الأعمق، يميل الضغط المرتفع إلى كبت التفاعلات العنيفة“.

في حين أن براكين المريخ أمكن أن تنشط في بيئة مماثلة منخفضة الضغط، يُمكن للبراكين على كوكب الزهرة أن تثور مثل بركان أعمق تحت سطح البحر هنا على الأرض.

”هناك أدلةٌ غير مباشرة على وجود نشاط بركاني على كوكب الزهرة. بعض إشارات الأشعة تحت الحمراء تبدو كأنها أمثلة على حمم بركانية ساخنة، لكن لا يمكننا رؤية التفاصيل، مجرد نقطة ساخنة“

قال ويلسون: ”هناك أدلة غير مباشرة على وجود نشاط بركاني على كوكب الزهرة. بعض إشارات الأشعة تحت الحمراء تبدو كأنها أمثلة على حمم بركانية ساخنة، لكن لا يمكننا رؤية التفاصيل، مجرد نقطة ساخنة”. وأضاف: “لكن أي غازات ذائبة في الحمم البركانية السائلة على كوكب الزهرة ستجد صعوبة في الانبعاث، لذلك من غير المحتمل أن تنتج عن ذلك انفجاراتٌ عنيفة. لحدوث مثل ذاك الانفجار الكلاسيكي مع فوَران النار، يحتاج الغاز إلى القدرة على إنتاج فقاعات تتمدد في الحمم البركانية لتمزيقها إلى قطرات صغيرة“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى