الذهاب إلى أقصى حد
يذهب العلماء إلى مواقع غير عادية لتوسيع فهمنا للظواهر المتطرفة في مختبرات أقيمت في ظروف قصوى على الأرض
الأعمق (والأنظف)
سنولاب، أونتاريو، كندا
حتى الأشرار في أفلام جيمس بوند قد يعتبرون سنولاب SNOLAB مخبأً عميقاً أكثر مما ينبغي تحت الأرض. يقع أعمق وأنظف معمل على وجه الأرض على عمق كيلومترين من السطح، وهو جزء من منجم للنيكل والنحاس في أونتاريو، في كندا.
طبقة الصخور العميقة بين المختبر الذي تبلغ مساحته 5,000 م2 وسطح الأرض تحميه من الإشعاع الكوني الذي قد يتداخل مع تجاربه الحساسة. يبحث المختبر عن النيوترينوات الشمسية Solar neutrinos (وهي جسيمات تحت ذرية Subatomic صغيرة جداً تنتجها الشمس) وعن المادة المعتمة Dark matter التي تُقدَّر بنحو %27 من المادة في الكون وما زالت لغزاً يستعصي علينا. لكن الحفاظ على مختبر نظيف جداً في منجم له جوانب سلبية. فإضافة إلى السير مسافة 1.5 كيلومتر من المصعد إلى المختبر، يجب على الباحثين وموظفي الدعم الخضوع لعملية تنظيف طويلة تشمل الاستحمام وشطف الأحذية بخرطوم الماء وارتداء ملابس المختبر المغسولة للتأكد من عدم دخول أي أوساخ أو جزيئات من المنجم إلى المنشأة.
يحتوي المختبر أيضاً على أعمق مرحاض بنظام الشطف في العالم تحت الأرض.
الأكثر صخباً
منشأة ناسا للاختبار الصوتي، ولاية أوهايو، الولايات المتحدة الأمريكية
يُحدث إطلاق الصواريخ كثيراً من الضجيج ويتعين على العلماء التأكد من أن الحمولات يمكنها تحمل الأصوات العالية جداً الصادرة في أثناء الإقلاع والصعود إلى الفضاء.
ينفذ مرفق اختبار الارتداد الصوتي Reverberant Acoustic Test Facility التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا جزءاً من مجموعة من الاختبارات التي يجب أن تخضع لها الأجهزة المعقدة والحساسة قبل اعتبارها جاهزة للإقلاع، وذلك من خلال تعريضها لضوضاء تصل إلى 163 ديسيبل، ويمكن أن تؤدي إلى تمزيق طبلة الأذن.
ولإصدار الأصوات اللازمة، يستخدم مرفق اختبار الارتداد الصوتي التابع لوكالة ناسا 36 بوقاً ضخماً، تُشغَّل من خلال تغيير الضغط مع تحول النتروجين السائل إلى غاز. يصدر كل بوق من الأبواق- يمكن أن تنتج أحجاماً صوتية مساوية لآلاف مكبرات الصوت المنزلية- نطاقات تردد مختلفة، لذلك يمكن تصميم الضوضاء لتناسب المتطلبات الضرورية.
الأكثر سطوعاً
مختبر الإضاءة القصوى، نبراسكا، الولايات المتحدة الأمريكية
إنه مختبر آخر يحتاج إلى مراقبة نظافته وهو مسؤول عن إنتاج أسطع ضوء معروف على الأرض. حطم مختبر إكستريم لايت (الضوء الأشد) Extreme Light في جامعة نبراسكا University of Nebraska- في لينكولن- الأرقام القياسية في العام 2017 من خلال توليد ضوء أكثر سطوعاً ببليون مرة من سطح الشمس.
يُنتج الضوء عن طريق تركيز شعاع الليزر بنحو مكثف جداً ثم استخدامه لقصف إلكترون واحد بنبضات ليزر قصيرة قوية، كل منها جزء من الثانية فقط ولكن قوته أكبر من تريليون مصباح كهربائي.
قد تعتقد أن مثل هذا الضوء الشديد سيتطلب آلة ضخمة، ولكن في الواقع المعدات صغيرة بما يكفي لتناسب مختبراً عادياً. يرتدي الباحثون نظارات السلامة وشبكات لتغطية الشعر، إضافةً إلى غيرها من الملابس الواقية لإبقاء المعدات في مأمن بعيداً عن الغبار.
الأعلى
مختبر الهرم، وادي خومبو، نيبال
يقع بيراميد لاب (مختبر الهرم) Pyramid Lab في وادي خومبو Khumbu في نيبال، على ارتفاع يزيد قليلاً على 5,000 م فوق مستوى سطح البحر في متَنزَّه ساغارماثا الوطني. يقع الهرم المصنوع من الزجاج والألومنيوم والصلب على بعد 7.2 كم من مخيم قاعدة إيفرست، ويبلغ ارتفاعه 8.4 م، وتزوده بالطاقة ألواح شمسية. كان مشروع مختبر الهرم نتيجة سباق علمي بين فريقين بحثيين- أحدهما أمريكي والآخر إيطالي- لتحديد ما إذا كان جبل القمة K2 في باكستان في الواقع أعلى من قمة إيفرست. من خلال التعاون مع الفريق الإيطالي نشأت فكرة إقامة محطة أبحاث لإجراء الأبحاث على ارتفاعات عالية واستبدال الخيام والمولدات غير الموثوقة التي اعتمد عليها الباحثون سابقاً.
افتُتح المختبر في العام 1990، واستخدمه مئات العلماء لإجراء أبحاث بيئية وجيولوجية وصحية على ارتفاعات عالية. للأسف، جُمِّد تمويل المختبر في العام 2015، مما أدى إلى إغلاقه أمام الباحثين وتعريض البيانات من أدوات المراقبة البيئية المتنوعة للخطر.
الأبرد
فولترم، بريمن، ألمانيا
على ارتفاع 146 م فوق جامعة بريمن University of Bremen، يبدو برج إسقاط بريمن Drop tower، أو فالترم Fallturm، قليلاً مثل برج الأميرة روبنزيل ذات الشعر الطويل في القصة الخرافية. لكن مظهره يخفي بعض الآلات المبتكرة التي يستخدمها العلماء لإجراء تجارب على الجاذبية القريبة من الصفر عن طريق إسقاطها داخل البرج للوصول إلى انعدام الوزن. تركز بعض التجارب على فهم أداء المعدات المخصصة للفضاء، في حين يستخدم البعض الآخر نقص الجاذبية لاستكشاف الظواهر التي لا يمكن اكتشافها في ظل الجاذبية العادية. ينتج أحد هذه المشروعات “تكاثفات بوز-آينشتاين”
Bose-Einstein condensates، وهي سحب منخفضة الكثافة من الغاز تُبرَّد إلى ما يقرب من الصفر المطلق. في مثل درجات الحرارة المنخفضة هذه تتحد جميع الذرات وتبدأ في التصرف مثل ذرة واحدة، مما يسمح للباحثين بدراسة ميكانيكا الكم. في العام 2021، حقق الباحثون الذين أنتجوا هذه التكاثفات حرارة تبلغ 38 جزءاً من تريليون درجة أدفأ من الصفر المطلق، مدة ثانيتين كاملتين. في السابق كانت أبرد درجة حرارة حُدِّدت في أي مكان
في الكون هي سديم بوميرانغ Boomerang Nebula الذي يقع على بعد 5,000 سنة ضوئية من الأرض عند -272س ْ، وهي أكثر سخونةً بمقدار درجة سيليزية واحدة من الصفر المطلق.
الأهدأ
مختبرات أورفيلدس، مينيابوليس، الولايات المتحدة الأمريكية
ليس من غير المألوف أن نتوق إلى السلام والهدوء، ولكن بعض الأماكن يمكن أن تكون هادئة أكثر مما ينبغي. يُقال إنّ هذه هي حال الغرفة عديمة الصدى Anechoic (“من دون صدى”) في مختبرات أورفيلدس Orfield Labs في مينيابوليس التي وصفها البعض بأنها “أهدأ مكان على وجه الأرض”.
إنها معزولة عن بقية العالم بطبقات من الفولاذ والخرسانة، ومبطنة بأشكال من الألياف الزجاجية السميكة، تمتص جدران الغرفة %99.9 من الصوت. يبلغ مقياس الغرفة -9 ديسيبل (نحو 0 ديسيبل هو أهدأ صوت يمكن أن يسمعه الإنسان). إنه مكان رائع للمصنعين لاختبار منتجاتهم– مثل أداء مضخمات الصوت، أو ما إذا كان جهاز جديد يُحدث كثيراً من الضوضاء، على سبيل المثال- ولكن قضاء الوقت فيها ليس رائعاً. نحن معتادون للأصوات المنعكسة عن الأسطح، لذلك سرعان ما يشعر أي شخص في الغرفة بعدم ارتياح بسبب نوعية الصوت المخيفة. في حالة عدم وجود أي أصوات أخرى، يبدؤون في سماع وظائف أجسامهم- مثل نبض الدم في دماغهم- ويمكن أن يشعروا بالتشوش في غياب الإشارات السمعية المعتادة التي تجعلنا نستدل على المكان الذي نحن فيه.
الأكبر
سيرن، فرنسا / سويسرا
مختبر سيرن CERN، وهو الأكبر في العالم، ربما كان هو أيضاً الأكثر شهرة. فهو يحتضن مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider (اختصاراً: المصادم LHC) الذي استخدم للعثور على بوزون هيغز Higgs boson المفترض نظرياً في العام 2012 (حاز مكتشفوه جائزة نوبل)، يمتد سيرن في الريف خارج جنيف فوق مساحة 550 هكتاراً (1,360 فداناً) عبر سويسرا وفرنسا ويستضيف أكثر من 12,000 عالم.
يُعد المصادم LHC أيضاً أكبر آلة في العالم. تقع الحلقة التي يبلغ طولها 27 كم من المغناطيسات فائقة التوصيل على عمق 100 متر تقريباً تحت سطح الأرض، وتعمل مع عدد من البنى الأخرى لتسريع الجسيمات تحت الذرية Subatomic وجعلها تصطدم بعضها ببعض، وتراقب النتائج في محاولة لإعادة تكوين ظروف الانفجار الكبير
Big bang، وكشف أسرار تشكُّل الكون.
بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، جرى خلالها تجديده ليصير أكثر قوة ويتيح إجراء مزيد من التجارب، استؤنف تشغيل المصادم LHC، وتحمس العلماء لمعرفة ما سيكتشفون بعد.
الأكثر سخونةً
المصادم الأيوني الثقيل النسبي، نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية
حقق الباحثون الذين يستخدمون المصادم الأيوني الثقيل النسبي Relativistic Heavy Ion Collider (اختصاراً: المصادم RHIC) في مختبر بروكهافن الوطني Brookhaven National Laboratory في ولاية نيويورك أعلى درجة حرارة مسجلة على الأرض.
المصادم RHIC مختص في صدم الجسيمات الأكبر والأثقل مثل أيونات الذهب (ذرات الذهب التي فقدت إلكتروناتها). لدى جعل أيونات الذهب ترتطم بعضها ببعض في حلقة المصادم RHIC التي يبلغ طول محيطها 3.8 كم بسرعة تقترب من سرعة الضوء، أنتج التصادم، لجزء من الثانية، درجة حرارة قدرها أربعة تريليونات درجة مئوية، هي أكثر سخونة بنحو 250 ألف مرة من مركز الشمس.
“يصهر” الاصطدام البروتونات والنيوترونات في أيونات الذهب، ويطلق الكواركات والغلونات الموجودة فيها ويشكل بلازما من الكواركات والغلونات. لكن الأمر لا يقتصر على مجرد تحطيم الأرقام القياسية. يُعتقد أن هذه البلازما ملأت الكون بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم، لذا فإن دراستها يمكن أن تخبرنا بمزيد عن الثواني الأولى للكون.
كاثرين نايتنغيل Katherine Nightingale