أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
روبوتات

الروبوتات الحيوية

الروبوتات المستوحاة من الكائنات الحية، التي يمكن أن تطير مثل الطيور وتزحف مثل الصراصير، تساعد الباحثين على فهم كيف تتحرك الحيوانات والتعرف على سلوكها بنحو أفضل

الخفاش المجنون 

طيران الخفافيش عملية بارعة وشديدة التعقيد؛ إذ تتطلب نظاماً من العضلات والعظام والمفاصل يتضمن طي الأجنحة مع كل ضربة جناح. القوة التي تولدها أجنحة الخفافيش تأتي من غشاء جلدي قوي ولكنه مرن، على عكس الريش الصلب الذي تستخدمه الطيور. بنحو أساسي، من بين جميع الوحوش الطائرة في العالم، إذا أردت أن تختار واحداً لمحاولة تقليده، فلا تختر خفاشاً. لكن هذا بالضبط ما فعله باحثون أمريكيون عندما صنعوا هذا الخفاش الروبوتي الذي سموه ”B2“، لمساعدتهم على فهم كيف تطير الخفافيش. في مقال نُشر في دورية Science Robotics، شرحوا كيف عمدوا إلى مد جلد مصنوع من السيليكون بسمك 56 مَيكرومتراً (الميكرومتر = جزءاً من ألف من المليمتر) على أجنحة B2، لتمكينه من ”تطويع هيكله المفصلي وهو في الهواء من دون أن يفقد السطح فعاليته وسلاسته وخصائصه الديناميكية الهوائية“.

يمكن للخفاش B2 تنفيذ مناورات غوص حادة وانعطافات جانبية، وهو إضافةً إلى توفير طريقة لتقليد ودراسة آليات طيران الخفافيش الحقيقية، قد يفيد في تصميم روبوتات طائرة أكثر رشاقةً في المستقبل ومساعدتنا على الوصول إلى أماكن يتعذر الوصول إليها من دون أضرار مستدامة أو أن يسبب إصابة.


الروبوتات الحيوية

الروبوتات الحيويةتشبَّثْ جيداً

ابتدع فكرة هذا الروبوت الجاثم على غصن شجرةٍ المهندسُ وليم رودريك William Roderick من جامعة ستانفورد Stanford University، عندما كان يبحث عن طريقة لإحداث تأثير إيجابي في البيئة باستخدام معرفته في مجال الروبوتيات. يقول رودريك: ”لقد خطرت في ذهني الفكرة وأنا أشاهد الطيور وهي تجثم وتطير عبر أشجار غابة، ففكرتُ لو كان هناك روبوت يمكن أن يتصرف مثل طير سيوفر ذلك طرقاً جديدة تماماً لدراسة البيئة“.

تعاون رودريك وزميله البروفِسور مارك كتكوسكي Mark Cutkosky مع البروفِسور ديفيد لنتينك David Lentink من جامعة غرونينغن University of Groningen لتصميم روبوتات جوية مزودة بمخالب شبيهة بمخالب الطيور تمكنها من الهبوط والإمساك بفروع أشجار غير منتظمة الشكل. يمكن استخدام مثل هذه الروبوتات في نهاية المطاف في المراقبة البيئية، على سبيل المثال، للإنذار عند نشوب حريق في الغابة أو لدراسة الحيوانات البرية. أما في الوقت الحالي، فإن مجرد فهم وتقليد ما تفعله الطيور يمثل تحدياً كبيراً. يتطلب الجثوم فوق غصنٍ أقداماً قوية وقبضة جيدة، ولكن يجب أيضاً الاقتراب من الفرع من الزاوية الصحيحة وبالسرعة المناسبة لتثبيت الهبوط. في مقال نُشر في العام 2021 في دورية Science Roboticsarticle، وصف الباحثون كيف نمذجوا قدمَي الروبوت على نسق قدمي طائر الشاهين، وزودوها بمحركات لتدوير الوركين في اتجاه الجثوم، وأوتار اصطناعية لثني أصابع القدم وتثبيت قبضتها على الغصن.


روبو القارض

عندما يرغب العلماء في معرفة مزيد عن الاضطرابات الذهنية لدى البشر، فإنهم يراقبون في أكثر الأحيان حيواناتٍ لديها دماغ مماثل لدماغنا، مثل الجرذان والفئران. يمكن لهذه الحيوانات أن تكون بمنزلة ”نماذج“ Models مهمة لدراسة الأمراض التي تصيب الإنسان. ولكن قد يكون من الصعب فهم الآثار الاجتماعية للاضطرابات الذهنية لدى الحيوانات بسبب الاختلافات الفردية في طريقة تفاعلها مع الآخرين وفي الشخصية. لذلك في محاولة للمساعدة على توحيد معايير هذه التفاعلات، على الأقل من جانب واحدٍ، تعاون باحثون صينيون ويابانيون لإنتاج WR-5، وهو فأر روبوتي يتفاعل مع فئران حقيقية لدراسة التكامل الاجتماعي. وبينما يقولون إنه يحتاج إلى أن يكون قادراً على أداء سلوكيات أكثر تعقيداً مثل الاستمالة، كان للروبوت WR-5 تأثير ملحوظ في السلوك تجاه فأر ”مستهدف“، مما شجع فئراناً أخرى على محاولة التزاوج مع الهدف. ويقترح الباحثون حتى أنه بعد تطويره يمكن أن يكون له دور في المساعدة على تهدئة فئران التجارب المُجهَدة.

“مع مزيد من التطوير، يُحتمَل أن يكون للفأر الروبوتي WR-5 دور في المساعدة على تهدئة فئران التجارب المُجهَدة”


صقر (روبوتي) بين الحمائم

يساعد صقر روبوتي الباحثين على الإجابة عن أحد أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام في سلوك الحيوان: هل الحيوانات أنانية بطبيعتها، أو أنها تحاول حماية المجموعة ككل؟ إذا صدقنا نظرية ”القطيع الأناني“ Selfish herd، فعندما تتعرض الحمائم لهجوم من طيور جارحة، يجب أن تنجذب كل حمامة في السرب نحو مركز المجموعة، باستخدام حماية الحشد Protection of the crowd حتى لا تصير لُقمة في فم الطير الجارح. ولكن هذا ليس ما حدث عندما أرسل باحثون من المملكة المتحدة وهولندا طائرهم الروبوتي الجارح نحو سربٍ من الحمام. فبدلاً من أن تحتشد معاً، اصطفت الطيور بعضها مع بعض بطريقة اقترح الباحثون أنها يمكن أن تساعد السرب بكامله على الهروب من حيوان مفترس حقيقي. وخلصوا إلى القول، في مقال في Current Biology نُشر في العام 2021: ”لم نجد أي دعم لفرضية القطيع الأناني لدى أسراب الحمام“. وعوضاً عن ذلك حبذوا فرضية السلوك التعاوني الذي يُحتمَل أنه تطور لأن هناك فرصة جيدة لبقاء المجموعة بكاملها، وهذا يعني، بالطبع، نجاة كل فرد فيها أيضاً.


كل شيء في السرعة

غالباً ما يُنظر إلى الأسماك على أنها لا تتحلى بالذكاء، ولكن ما زال أمامنا كثير لنتعلمه عن تعقيدات سلوكها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتفاعلاتها الاجتماعية. لهذا السبب قرر باحثون ألمان استخدام سمكة روبوتية لمساعدتهم على فهم السلوك الجماعي لدى تزاوج أسماك الغوبي Guppy. أوضح الفريق في مقال في دورية Biology Letters في العام 2020، أنهم حرَّكوا نسخة طبق الأصل أعدت عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد لسمكة باستخدام مغناطيس ينجذب إلى روبوت ذي عجلات أسفل حوض الاختبار. بُرمج الروبوت لتقليد سرعة واتجاه سمكة اختيرت لتكون شريكته والبقاء على مسافة ثابتة منها. بعد مشاهدة كيف تصرفت 20 سمكة غوبي حية مختلفة- بعضها سريع وبعضها أبطأ- عندما تتبعتها السمكة الروبوتية تمكن الفريق من إدراك مدى أهمية سرعة السباحة في تحديد ديناميكيات المجموعة. عندما سبحت السمكة الحقيقية بنحو أسرع، كانت الأزواج متناسقة ومتسقة على نحو أفضل. وخلص الباحثون إلى أن الدراسة ”تسلط الضوء على أهمية كل من السرعات الفردية والمستويات العالية من الاستجابة الاجتماعية للأداء الجماعي للمجموعات“.


تسلُّق الجدران

قد تكون له أربع أرجل عوضاً عن ست، لكن هذا الروبوت الذي يبلغ طوله 4.5 سم ويشبه الصرصور يستفيد منها إلى أقصى حد، فهو يتسكع في الأرجاء ويتسلق الجدران مثل نظرائه من الحشرات.

طوّر الروبوت، ووزنه 1.5 غرام، مهندسون من جامعة هارفارد Harvard University، وهو يعتمد على تصميم وُضع سابقاً لروبوتات المشي المصغرة، ويمكنه تسلق الأسطح الرأسية والمنحنية، بما في ذلك أجزاء من داخل محرك نفاث. في الواقع طلبت شركةُ تصنيع محركات الطائرات رولزرويس Rolls-Royce، التي مولت العمل، إلى الفريق تحديداً تصميم جيش من صغار مفتشي المحركات النفاثة يمكنه الوصول إلى أجزاء في المحرك لا يستطيع البشر الوصول إليها. لتلبية طلبها، درس المهندسون كيف تتسلق الحشرات مثل الصراصير الجدرانَ باستخدام وسادات لاصقة على أقدامها. ثم صمموا وسادات لأقدام روبوتهم الصغروي على أساس الالتصاق الكهربائي Electroadhesion الذي يعمل عن طريق إحداث شحنات معاكسة في السطح وأي شيء يلتصق به. على الرغم من أنه مازال متصلاً بحبلٍ يزوده بالطاقة لأداء وظيفته اللاصقة، فإنه من الروبوتات القليلة التي لديها مثل هذه الأرجل الصغيرة القادرة على إنجاز مآثر التسلق التي حققها هذا الروبوت الصغير.


تواصُل بين النحل والسمك

هل يمكن أن يصادق النحلُ السمكَ؟ الأرجح أننا لن نعرف الإجابة مطلقاً، لكن يمكنها اتخاذ قرارات مشتركة- إذا كانت لديها روبوتات تساعدها على ذلك. قد يبدو الأمر غريباً ولكن في العام 2019، تمكن فريق من المهندسين من أربع جامعات أوروبية من إقناع نحل العسل النمساوي بالتحدث إلى سمكة الزرد السويسرية عن طريق إرسال نحلة روبوتية وسمكة روبوتية- أطلقوا عليهما اسم ”العميلين“- للتسلل إلى مجموعتيهما الاجتماعيتين. واءم الروبوتان التدخليان رسائلهما لتتناسب مع النوع الذي يمثله كل منهما، فاستخدمت السمكة الروبوتية الألوان وحركات الذيل، في حين اهتزت النحلة الروبوتية الثابتة (الجهاز الأبيض في هذه الصورة) وغيرت درجة الحرارة لنقل المعلومات. تواصل العميلان رقمياً لتنسيق حركات النوعين اللذين كان كلاهما في الواقع على بُعد 680 كم من الآخر. في غضون نصف ساعة تمكنا من مزامنة حركاتهما وحتى جعلاهما يتبنيان بعض خصائص النوع الآخر، مع تصرف النحل أقل كسرب والتصاق الأسماك بعضها ببعض أكثر من المعتاد.


هايلي بينيت Hayley Bennett

(@gingerbreadlady) هايلي كاتبة علمية مقيمة في بريستول بالمملكة المتحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى