أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

العودة من حافة الهاوية؟

هل يُمكن للعلوم البيطرية المتطورة وبيولوجيا الخلية المبتكرة إنقاذُ وحيد القرن الأبيض الشمالي من الانقراض؟

وحيد القرن الأبيض الشمالي
ناجين (إلى اليسار) وابنتها فاتو هما آخر فردين من وحيد القرن الأبيض الشمالي

د. هيلين بيلتشر Dr. Helen Pilcher

في الصباح الباكر في محمية أُول بيجيتا Ol Pejeta في كينيا، وتحت سماء إفريقية صافية، تذهب آخر اثنتين من وحيد القرن الأبيض الشمالي المتبقيتين على الأرض في نزهة. تتوقفان من وقت إلى آخر وتهزان آذانهما فيما تخفضان فميهما العريضين المسطحين لتناول بعض العشب الجاف. في وقت لاحق من اليوم، مع ارتفاع درجة الحرارة، ستلوذان ببقعة ظليلة وتنعمان بقيلولة تحت أنظار حراس مسلحين يحمونهما من الصيادين على مدار الساعة. أُنثَيا وحيد القرن أو الخرتيت هاتان هما ناجين وفاتو، وهما أم وابنتها. لا يمكن لأي منهما التكاثر بصورة طبيعية، وحتى لو استطاعتا، لم يتبقَّ أي ذكَر من فصيلتهما على وجه الأرض يمكن لهما التزاوج معه. هذا يجعل وحيد القرن الأبيض الشمالي بحكم المنقرض، أو، كما يسميه العلماء ’منقرض وظيفياً‘ Functionally extinct. ناجين وفاتو هما «وحيدا قرن ميتتان تمشيان على الأرض».

وحيد القرن الأبيض الشمالي في حكم المنقرض، أو، كما يقول العلماء ’منقرض وظيفياً

 

قبل عدة عقود، كان يمكن لهذا أن يكون نهاية سلالة وحيد القرن الأبيض الشمالي، ولكن الأمر لم يعد كذلك اليوم. على مدى السنوات السبع الماضية، عملت مجموعة دولية من العلماء على إعادة هذا العملاق الكاريزمي من حافة الهاوية. يعتمد مشروع الإنقاذ البيولوجي BioRescue على أحدث تطورات العلوم البيطرية والبيولوجيا الخلوية وولادة ’وحيد قرن الأنابيب’ Test tube rhinos. إذا سارت الأمور وفقاً للخطة، فسنسمع أقدام صغير وحيد القرن الكبيرة تدب على الأرض خلال عدد من السنوات ليس إلا.

يقول الطبيب البيطري توماس هيلديبرانت Thomas Hildebrandt من معهد لايبنتز لأبحاث الحيوانات والحياة البرية Leibniz Institute for Zoo and Wildlife Research، وقائد المشروع: «لدينا أمل».

لكن التحدي الأكبر قد لا يكون في توليد وحيد قرن جديد، ولكن في تهدئة روع النقاد الذين يعارضون العمل ويقولون إنه ينبغي وقفُه من الأساس.

تراجع سريع
في مطلع القرن العشرين، كانت من السهل رؤية حيوانات وحيد القرن الأبيض الشمالي ترتع في غابات السافانا في شرق ووسط إفريقيا، ولكن بعد ذلك سبب الصيد الجائر وتدمير الموائل والنزاعات المسلحة تراجع أعدادها. وبحلول ثمانينات القرن العشرين، لم يتبقَّ سوى 15 حيواناً منها في البرية. عندما نفقت، كان دعاة الحفاظ على البيئة يأملون أن العدد الصغير من الحيوانات المتبقية في الأسر سيكون قادراً على التكاثر وإعادة بناء قطعانها، لكن هذا الأمر لم يتحقق. فوحيد القرن الأبيض الشمالي لا يتكاثر جيداً في الأسر، والذكر الأخير منها، وكان يُعرف باسم سودان، نفق في العام 2018.

وحيد القرن الأبيض الشمالي
قبر سودان، آخر ذكر من وحيد القرن الأبيض الشمالي، في وسط سهول محمية أول بيجيتا

رحل سودان، ولكنه لم يذهب طي النسيان، فهو واحد من عدد من حيوانات وحيد القرن الأبيض الشمالي التي قد تكون قادرة على إنجاب ذرية بعد موتها. قبل وفاة آخر الذكور القلائل، بدأ هيلديبرانت وزملاؤه في جمع السائل المنوي منها وتجميده. إنها عملية دقيقة، أجريت تحت التخدير العام، وخلالها يُوجه مسبار أسطواني نحو مستقيم الحيوان، قبل تطبيق بضع نبضات كهربائية خفيفة لتحفيز غدة البروستاتا. طور هيلديبرانت الطريقة وحسَّنها بحيث يمكن إجراؤها بسرعة ومن دون ألم وبنجاح. وحالياً لدى الفريق عينات من السائل المنوي مخزنة من أربعة من آخر ذكور وحيد القرن الأبيض الشمالي، بما في ذلك سودان.

أمكن استخدام بعض العينات لتلقيح ناجين وفاتو صناعياً، ولكن عندما فشلت الأنثيان في الحمل، تحول الفريق نحو التلقيح الاصطناعي (IVF). يقوم التلقيح الاصطناعي على دمج البويضة والحيوانات المنوية في طبق اختبار للحصول على ’جنين أنبوب اختبار‘ Test tube embryo، ولكن ليس من السهل الحصول على بويضات أنثى وحيد القرن. أمضى هيلديبرانت سنوات في ابتكار طريقة لحصادها، والعمل مع إناث من أنواع وحيد القرن الأخرى الأكثر شيوعاً. ولكن بحلول الوقت الذي أُتقنت فيه، كانت ناجين وفاتو هما الأنثيين الوحيدتين المتبقيتين من وحيد القرن الأبيض الشمالي. ناجين غير قادرة على التبرع ببويضات لأنها مسنة ولديها ورم في المبيض، مما يجعل فاتو البالغة من العمر 22 عاماً هي المتبرعة الوحيدة المتبقية.

وحيد القرن الأبيض الشماليوحيد القرن الأبيض الشماليتخضع فاتو حالياً للإجراء مرة كل ثلاثة أشهر تقريباً. يعمد هيلديبرانت إلى إدخال إبرة موجهة بالموجات فوق الصوتية مسافة متر أو نحو ذلك من خلال المستقيم، ثم تدخل المبيض وتشفط البويضات غير الناضجة، والمعروفة باسم الخلايا البيضية Oocytes. يقول هيلديبرانت: «إنه أمر مرهق جداً لأن لدينا ساعتين فقط للعمل في أثناء نوم فاتو». ثم، عندما يزول تأثير المخدر، تعود للوقوف على قدميها في غضون دقائق، وكأن شيئاً لم يكن.

وحيد القرن الأبيض الشمالي
عبر هذه الصفحات، يمكنك رؤية العلماء يعملون في مختبر متخصص في إيطاليا، حيث يقومون بإنشاء أجنة من وحيد القرن الأبيض الشمالي عبر التلقيح الاصطناعي. بالفعل، كوّن 24 جنيناً، وجمّدت في نتروجين سائل لزرعها في أم بديلة من وحيد القرن في المستقبل

وحيد القرن الأبيض الشماليأجرى هيلديبرانت وفريقه العملية بنجاح 11 مرة منذ العام 2019، وجمعوا 164 بويضة، لكن هذه الخلايا كبيرة لا يمكن تجميدها أو تخزينها على نحو جيد، لذا يجب استخدامُها طازجة. من أجل ذلك تُنقل البويضات جواً إلى معمل متخصص في إيطاليا حيث يجري إنضاجها في مزيج من المواد الكيميائية معدة خصيصاً لهذا الغرض، ثم تستخدم في عمليات التلقيح الاصطناعي. يجري حقن الحيوانات المنوية المذاب عنها الثلج مباشرة في البويضة فتبدأ بعد ذلك في الانقسام لتشكيل الجنين.

هذا هو الجزء الأول من إجراء التلقيح الاصطناعي. تماماً مثلما يحدث في هذه الحالة لدى البشر، فهو لا ينجح دائماً، ومع ذلك نجح العلماء في تخليق 24 جنيناً، باستخدام بويضات من فاتو وحيوانات منوية من ذكرين مختلفين. وفي حين يتعذر تجميد الخلايا البيضية، يمكن تجميد الأجنة في مرحلة مبكرة من تكوينها، لذلك جرى تجميد أجنة ’وحيد القرن الأنبوبية‘ في وعاء من النتروجين السائل، في انتظار الوقت الذي سيكون فيه هيلديبرانت جاهزاً للمرحلة التالية: زرع الجنين في رحم أم بديلة من وحيد القرن. ولكن أي وحيد قرن سيُختار لذلك؟

لا تمثل ناجين ولا فاتو بديلتين مناسبتين. فقدما ناجين الخلفيتان أضعف من أن تحملا الجنين، وعلى الرغم من أن فاتو يمكنها إنتاج بويضات، فإنها تعاني مشكلات في الرحم. ولكن لحسن الحظ، لدى وحيد القرن الأبيض الشمالي قريب يُسمى وحيد القرن الأبيض الجنوبي. صنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة IUCN هذا الحيوان على أنه ’شبه مهدد‘ Near threatened، وهناك نحو 16,000 من وحيد القرن الأبيض الجنوبي تعيش في شرق وجنوب إفريقيا، بما في ذلك 39 منها تعيش في محمية أُول بيجيتا Ol Pejeta. اختارت هيئة الحفظ اثنتين من بينها كأُمَّين بديلتين. وفي وقت لاحق من هذا العام يأمل هيلديبرانت وفريقه السفر إلى كينيا لزرع أحد أجنتهم البيضاء الشمالية في رحم إحداهما. يستمر حمل وحيد القرن نحو 18 شهراً، لذلك إذا سارت الأمور على ما يرام، يمكن أن يولد وحيد القرن الصغير الأول في العام 2024 على أقرب تقدير. ثم، مع اختيار مزيد من الأمهات البديلات، يمكن أن تتبعه صغار أخرى. لكن الأمر لا يخلو من صعوبات.

شؤون عائلية
جميع أجنة وحيد القرن الأبيض الشمالي التي خُلِّقت في المختبر تأتي من ثلاثة حيوانات فقط؛ هما أنثى وذكران. وستكون أي صغار تولد أشقاء أو نصف أشقاء. ولن يُتاح لها التزاوج فيما بينها خوفاً من التوالد الداخلي. لإنتاج أجنة صحية ومتنوعة وراثياً، يحتاج العلماء إلى مزيد من البويضات ومزيد من الحيوانات المنوية من خرتيتات أخرى غير مرتبطة بها، وهنا يأتي دور بيولوجيا الخلية المبتكرة.


وحيد القرن: خمسة أنواع على قيد الحياة اليوم

الأبيض
العدد المتبقي: 16,000
الحالة: تقريباً مهدد.
أماكن انتشاره: جنوب إفريقيا، ناميبيا، بوتسوانا، زيمبابوي، كينيا، زامبيا وأوغندا

الأسود
العدد المتبقي: 6,000
الحالة: مهدد بدرجة شديدة
أماكن انتشاره: كينيا وناميبيا وجنوب إفريقيا وتنزانيا وزيمبابوي

الهندي
العدد المتبقي: 4,000
الحالة: ضعيف
أماكن انتشاره: الهند ونيبال

وحيد قرن جاوة
العدد المتبقي: 70
الحالة: مهدد بدرجة شديدة
أماكن انتشاره: جاوة

السومطري
العدد المتبقي: 40
الحالة: مهدد بدرجة شديدة
أماكن انتشاره: سومطرة وبورنيو


منذ أكثر من 40 عاماً، يعمل دعاة حفظ الأنواع على جمع وتجميد الخلايا الحية من مختلف الأنواع المهددة بالانقراض. إنها مورد بحثي لا يُقَدر بثمن، ومصدر تزداد أهميته للمواد الخام لتقنيات الإنجاب المساعدة. تحتوي ’حديقة الحيوان المجمدة‘ Frozen Zoo التي يديرها تحالف الحياة البرية في حديقة حيوان سان دييغو San Diego Zoo Wildlife Alliance، على أكثر من 70,000 عينة من أكثر من 700 نوع، بما في ذلك خلايا جلدية من 12 وحيد قرن أبيض شمالي مختلفة؛ هي ثمانية أفراد لا تربطها صلة قربى وأربعة من ذريتها.

في العام 2011، أظهرت عالمة بيولوجيا الخلية د. جان لورينغ Jeanne Loring من معهد أبحاث سكريبس Scripps Research Institute بكاليفورنيا أنه يمكن ’إعادة برمجة’ Reprogrammed خلايا الجلد هذه لتصير خلايا جذعية. الخلايا الجذعية هي خلايا متعددة الاستخدامات متغيرة الشكل، لديها القدرة على توليد عديد من أنواع الخلايا الأخرى. بعد ذلك، في ديسمبر 2022، أظهرت مجموعة مختلفة من الباحثين، هذه المرة من اليابان، أنه يمكن حث هذه الخلايا الجذعية لتصير سلائف Precursors بويضات أو حيوانات منوية.

ببساطة، يقترح البحث أن بويضات وحيد القرن والحيوانات المنوية يمكن زراعتها في المختبر باستخدام خلايا جلد مجمدة عمرها عقود كنقطة انطلاق. 

هذا يعني أنه عندما تتقاعد فاتو كمتبرعة للبويضات، سيكون لديهم مصادر أخرى للبويضات. هناك حاجة إلى مزيد من البحث لحث الخلايا البيضية والحيوانات المنوية المبكرة هذه على التحول إلى أشكالها الناضجة، ولكن هذا قد يحدث اًإنجازاً علمياً خارقاً حقاً.

تشير لورينغ إلى أن هناك تنوعاً جينياً في 12 عينة من وحيد القرن الأبيض الشمالي المجمدة المحفوظة، أكثر مما هو موجود في المجموعة الحية بكاملها من وحيد القرن الأبيض الجنوبي والتي، كما تقول: «إنها بالكاد بخير». لدى العلماء الخلايا اللازمة لتوليد مجموعة من حيوانات وحيد القرن الأبيض الشمالي القابلة للبقاء، ويستمر تطور الأساليب المطلوبة لتحقيق ذلك.

«الهدف هو إعادة تقديم مجموعات قادرة على البقاء من وحيد القرن الأبيض الشمالي إلى البرية، حيث يمكنها أن تعمل على هندسة النظام الإيكولوجي»

الهدف طويل المدى هو إعادة تقديم مجموعات قادرة على البقاء من وحيد القرن الأبيض الشمالي إلى البرية، حيث يمكنها أن تعمل على هندسة النظام الإيكولوجي. من خلال أكل العشب، إذ يهيئ وحيد القرن الإفريقي ’مروج الرعي‘ Grazing lawns التي تعتمد عليها أنواع مثل ظباء الإمبالا وأنواع برية أخرى. عندما تندلع الحرائق، تعمل هذه البقع التي جُز عشبُها بمنزلة حواجز أو فواصل طبيعية للحرائق، فتوفر ملاذات آمنة للنباتات التي لا تتحمل الحرائق والحيوانات بطيئة الحركة. كما يعيد روث وحيد القرن العناصر الغذائية إلى الأرض. وتوفر القرادات التي تعيش عليها طعاماً للطيور، مثل نقار الثيران Oxpeckers. وهي عندما تتمرغ، تشكل بقعاً لتجميع المياه وتحافظ عليها. وحيدات القرن حيوانات رائعة تبني أنظمة إيكولوجية بكاملها. هذا أمر لا جدال فيه، ومع ذلك لا يؤيد الجميع عودة وحيد القرن الأبيض الشمالي.

وحيدات القرن حيوانات رائعة تبني أنظمة إيكولوجية بكاملها. هذا أمر لا جدال فيه

دعوها تنقرض؟
يتمثل أحد الانتقادات الرئيسة لبرنامج الإنقاذ البيولوجي BioRescue في أنه مكلف جداً، وأنه يُستحسن إنفاق التمويل المخصص له لحماية أنواع وحيد القرن الأخرى، مثل وحيد القرن الأسود في إفريقيا أو وحيد القرن الهندي في آسيا. هذه الأنواع مهددة، وأعدادها مستنفدة، ولكن ليس إلى الحد الذي تتطلب استخدام تقنيات الإنجاب المساعِدة لإنقاذها. برنامج BioRescue باهظ الثمن. تموله أساساً وزارة العلوم الألمانية، بمنحة مدتها ست سنوات تقترب من 6 ملايين يورو (5.25 مليون جنيه إسترليني تقريباً)، لكن هيلديبرانت يشير إلى أن البرنامج لا ينافس برامج الحفظ الأخرى، أو يستحوذ على الأموال.

اكتشف الباحثون أنه يمكن إعادة برمجة خلايا الجلد لتصير خلايا جذعية يمكن بعد ذلك تحويلها إلى خلايا حيوانات منوية أو بيضية غير ناضجة

كيف يمكن توليد حيوان وحيد القرن

1. تؤخذ خَزعة من وحيد القرن. تحتوي الخزعة على خلايا نسيج ضام تسمى الخلايا الليفية Fibroblasts. ثم تُنمَّى في المزرعة الخلوية

2. تؤدي إضافة الجينات الرئيسة إلى إعادة برمجة خلايا الجلد لتصير ’خلايا جذعية مستحَثة متعددة القدرات‘ Induced pluripotent stem cells. هذه الخلايا لديها القدرة على توليد عديد من أنواع الخلايا الأخرى

3. تتحول الخلايا الجذعية المستنبتة إلى سلائف من البويضات والحيوانات المنوية. ما زالت هذه الخلايا الصغيرة غير الناضجة تحتوي على مجموعة مزدوجة من الكروموسومات (تحتوي البويضات الناضجة والحيوانات المنوية على مجموعة واحدة فقط من الكروموسومات)

4. عندما تنضج ستصير البويضات والحيوانات المنوية خلايا جنسية Sex cells وظيفية كاملة يمكن استخدامها في عمليات التلقيح الاصطناعي وغيرها من تقنيات الإنجاب المساعدة

تحتاج هذه الخلايا الأولية إلى أن تنضج وأن تمر بنوع خاص من الانقسام الخلوي، يسمى الانقسام الاختزالي Meiosis، من أجل فقدان مجموعة واحدة من الكروموسومات. الظروف الدقيقة اللازمة للخطوة الأخيرة غير معروفة حالياً، ولكن يُعتقَد أن الخلايا ستحتاج إلى زرعها جنباً إلى جنب مع أنسجة تناسلية أخرى.

«يشعر آخرون بأن الوقت قد حان للسماح للطبيعة بأن تأخذ مجراها، وترك وحيد القرن الأبيض الشمالي يختفي. ويقولون إن الاضطلاع بخلاف ذلك سيكون مخالفاً للطبيعة»

وتقول حجة أخرى إن المشروع يطرح سابقة خطيرة، وإنه لا ضير من ترك أنواع تتضاءل حتى تصير على شفا الانقراض، لأنه يمكننا دائماً إعادتها لاحقاً. لكن «هذا ليس مقبولاً»، يقول هيلديبرانت. ويضيف: «لا يمكن لأحد أن يؤيد ذلك. نحن في حاجة إلى أن ندرك أن هذا شيء لا يمكننا فعله بصورة روتينية لكل نوع، وذلك على وجه التحديد لأنه مكلف جداً». ويشعر آخرون بأن الوقت قد حان للسماح للطبيعة بأن تأخذ مجراها، وترك وحيد القرن الأبيض الشمالي يختفي. ويقولون إن الاضطلاع بخلاف ذلك سيكون مخالفاً للطبيعة.

يقول عالم الأخلاق البروفيسور رونالد ساندلر Ronald Sandler من جامعة نورث إيسترن Northeastern University في بوسطن: «إنها حجة مثيرة للاهتمام. إنها تقترح أنه مجال ليس لنا أن نقرر بشأنه، وتتطرق إلى مسألة أوسع حول دورنا في سياق الحفاظ على الطبيعة».

ويجادل ساندلر بأن طرق الحفظ التقليدية، مثل التوليد في الأسر، وإنشاء محميات ومنع الصيد الجائر، تتعلق بإصلاح ما أفسدته أنشطة البشر. هذا العمل لا يختلف كثيراً عنها. قد تكون الأساليب جديدة، لكنها ما زالت  تدور حول إصلاح الضرر الذي أحدثه نوعنا البشري عندما بدأ في صيد وحيد القرن الأبيض الشمالي وقتله.

نجحت عالمة الخلايا الجذعية د. فيرا زييتزا Vera Zywitza في إنتاج خلايا جذعية من خلايا جلد وحيد القرن

بدء العد التنازلي النهائي
ومع ذلك، هناك حجة أخيرة تصعب مواجهتُها. وحيد القرن الأبيض الشمالي هو Ceratotherium simum cottoni. ووحيد القرن الأبيض الجنوبي هو Ceratotherium simum simum. هما ليسا نوعين منفصلين. إنهما نوعان فرعيان Subspecies منفصلان، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى مجموعات متشابهة جينياً ولكنها متميزة جغرافياً. لقد ذهب كل منهما في طريقه المنفصل قبل نحو 80,000 عام عندما توجه أحدهما شمالاً، والآخر إلى الجنوب. إنهما يبدوان متشابهين ’إلى حد ما’، ويتصرفان على نحو مماثل ’إلى حد ما‘، ومن الناحية الجينية، فإنهما متماثلان ’إلى حد ما’. قد تكون الاختلافات الصغيرة الموجودة مهمة، ولكن في غياب أي بيانات علمية تدعم هذه الفكرة، لماذا، كما يجادل البعض، تُهدر موارد لإنقاذ وحيد القرن الأبيض الشمالي عندما لا يمكن تمييزه تقريباً عن نظيره الجنوبي؟

البروفيسور توماس هيلديبرانت وزملاؤه يجمعون خلايا بيضية غير ناضجة من فاتو

يأخذ عالم  الإيكولوجيا د. جيسون غيلكريست Jason Gilchrist من جامعة إدنبرة نابير Edinburgh Napier University هذه الفكرة إلى ما هو أبعد من ذلك. لقد عمل في إفريقيا، وساعد على نقل حيوانات وحيد القرن من مناطق خطرة إلى مناطق آمنة. يقول: «نظراً إلى الجهود والتكلفة اللازمة لإعادة وحيد القرن الأبيض الشمالي إلى الوجود، أعتقد أنه سيكون من العملي نقل وحيد القرن الأبيض الجنوبي إلى المناطق التي نرغب في توطين وحيد القرن الأبيض الشمالي فيها، ثم ترك الانتخاب (الانتقاء) الطبيعي Natural selection يؤدي وظيفته». ويوضح أنه بمرور الوقت، يمكن للتطور أن ينحت بدقة وحيد القرن الأبيض الجنوبي ليصير أشبه على نحو كبير بقريبه الشمالي. إنه خيار، ولكن إذا كان الحفظ يتعلق بإنقاذ الأنواع، أفلا يجب أن يكون معنياً بحفظ الأنواع الفرعية أيضاً؟

هناك سبب مهم آخر يضفي قيمة كبيرة جداً على عمل هيلديبرانت وزملائه. من خلال إتقان أساليبهم في العمل على إنقاذ أحد الأنواع المهددة بالانقراض، سيمهدون الطريق لإمكان فعل ذلك لإنقاذ أنواع أخرى. يجري بالفعل استخدام أساليب هيلديبرانت لجمع عينات من السائل المنوي من ثدييات أخرى مهددة بالانقراض، بما في ذلك النمور والباندا. إنه يعمل على إتقان استخراج بويضات وزرع أجنة في الأفيال، في حين أعادت لورينغ برمجة خلايا جلد من فصيلة نسانيس إفريقية مهددة بالانقراض تسمى الميمون الرمادي الفاتح Drill.

في غضون ذلك تتقدم ناجين وفاتو في العمر. يوجد في البرية أقل من 76 من وحيد القرن في جاوة و50 في سومطرة. ويعتقد هيلديبرانت أن هذه الأساليب يمكن أن تساعدها وهناك أنواع أخرى مهددة بالانقراض. يقول: «بالطبع، كنا نفضل ألا تحتاج إلى هذا النوع من التدخل في الأصل، ومع ذلك، هذا ما وصلنا إليه».


د. هيلين بيلتشر
هيلين كاتبة ومقدمة علوم مستقلة، لديها خلفية في بيولوجيا الخلية. أحدث كتبها هو كتاب تغيير الحياة: كيف يغير البشر الحياة على الأرض Life Changing: How Humans Gutable Life on Earth  (منشورات: Bloomsbury Sigma)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى