أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

الكويكبات: ما مدى احتمال ارتطام أحدها بنا؟

لقد حدث ذلك من قبل، فما فرص حدوث تصادم كارثي آخر مع صخرة فضائية؟

لو أننا صدقنا بعض العناوين الرئيسية الأخيرة؛ لاعتقدنا أن كويكباً كان يهدد بالقضاء على النظام الديمقراطي عبر الارتطام بالأرض والانفجار عليها في 2 نوفمبر – وهو اليوم السابق للانتخابات الأمريكية. ففي الواقع، صخرة الفضاء، المسماة 2018 VP1، لديها فرصة بنسبة %0.41 (1 من 240) للارتطام بالأرض. وحتى إن حدث ذلك، فإن قطرها يبلغ نحو مترين فقط، وكانت ستتفكك في الغلاف الجوي قبل وقت طويل من حصولها على فرصة لإفساد أي تسريحات شعر رئاسية.

لقاءات قريبة
كما يوحي اسمه، اكتشف الكويكب 2018 VP1 في عام 2018، وهو مجرد واحد من نحو 23,500 من “الأجرام القريبة من الأرض”
Near-Earth objects (اختصاراً: الأجرام NEOs) يتتبعها مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض Center for NEO Studies
(اختصاراً: مركز (CNEOS التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
الأجرام القريبة من الأرض هي أجرام في النظام الشمسي لها مدارات تجعلها قريبة منا (تُعرَّف على أنها تقترب إلى نحو 200 مليون كيلومتر من الشمس). وتمثل المذنبات قسماً قليلاً من الأجرام القريبة من الأرض في حين أن أكثر من %99 منها عبارة عن كويكبات، وهي أجرام صخرية تشكل لبنات البناء المتبقية من تكوين النظام الشمسي.
لمعرفة مدى إمكانية اصطدام الأجرام القريبة من الأرض بكوكبنا، يحسب المركز CNEOS مدار الجرم حول الشمس باستخدام البيانات المقدمة من مراصد مختلفة حول العالم. فكلما زادت الأرصاد التي يحصل عليها المركز CNEOS عن الأجرام القريبة من الأرض، زادت قدرته على تحديد مسار الجرم مستقبلاً.
تُصنّف الكويكبات التي تطرح أكبر قدر من المخاطر على أنها “كويكبات كامنة المخاطر” Potentially hazardous asteroids (اختصاراً: الأجرام PHAs). وهي الأجرام التي حُسِبَ أنها ستصل إلى مسافة نحو 7.5 مليون كيلومتر من الأرض (نحو 20 ضعف المسافة من الأرض إلى القمر) ويزيد قطرها على 140 متراً. يوجد حالياً نحو 2,100 كويكب PHAs في سجلات ناسا.

الحجم مهم
يقول الدكتور بول تشوداس Paul Chodas، مدير المركز CNEOS، إن كويكباً يبلغ عرضه 140 متراً يمكن أن يدمر منطقة بمساحة المملكة المتحدة، “لكن حتى الكويكبات الصغيرة قد تسبب أضراراً كبيرة”. على سبيل المثال، نيزك تشيليابنسك Chelyabinsk، الذي فاجأ علماء الفلك عندما انفجر فوق روسيا في فبراير 2013، نتج من كويكب بعرض 20 متراً فقط. وكانت موجة الصدمة الناتجة من الانفجار قوية بما يكفي لإحداث 1500 إصابة غير مباشرة، معظمها بسبب الزجاج المتطاير من النوافذ المحطمة.
يقول تشوداس إن أصغر الكويكبات، مثل 2018 VP1، شائعة جداً. “يضرب جرم بطول مترين الأرض كل شهرين” لكنها ليست مصدر قلق، لأنها تحترق في الغلاف الجوي.
ويضيف تشوداس: “يتزايد الوقت بين الاصطدامات تزايدا أُسَّيَّا مع حجم الكويكبات”. ويُقدَّر أن تدخل كويكبات بحجم كوكب تشيليابنسك الغلاف الجوي للأرض، في المتوسط، مرة كل 80 عاماً. ويقول تشوداس: “ما إن تنتقل إلى حجم جرم
140- PHAs متراً – يمكنك توقع حدوث ارتطام، في المتوسط، مرة واحدة فقط كل 20,000 عام”. والكويكبات من الحجم الذي تسبب في قتل الديناصورات – بعرض نحو 10 كيلومترات – تحدث مرة واحدة كل 100 مليون سنة. ولكن تشوداس يقول إنه لا يمكن استخدام هذه الاحتمالات للتنبؤ بموعد حدوث الارتطام التالي. ويضيف: “إن الأمر ليس بمثل دقة الساعة”.
إذن، ما هي نسبة الأجرام القريبة من الأرض التي اكتشفناها؟ من خلال البحث عن الأجسام القريبة من الأرض في سماء الليل – المرئية للتلسكوبات كنقاط ضوئية متحركة – ومتابعة مراقبة تلك المكتشفة حديثاً والتي رُصدَت من قبل، يستطيع علماء المركز CNEOS تقدير إجمالي عدد هذه الأجرام. ويقول تشوداس إنهم عثروا إلى الوقت الحالي على نحو %95 من الكويكبات التي يبلغ عرضها كيلومتراً واحداً وأكبر، ونحو %40 من الكويكبات التي يبلغ عرضها 140 متراً وأكبر.
نجح جرم تشيليابنسك القريب من الأرض في التسلل دون أن ترصده التلسكوبات نظراً لصغر حجمه (كلما كان الجرم أصغر، كان أكثر خفوتاً)، ولأنه جاء من اتجاه الشمس، كان من المستحيل رؤيته بسبب الوهج. لكن، يقول تشوداس، إن الكويكبات الأكبر والأكثر تهديداً يمكن رؤيتها من مسافة أبعد، وهذا يعطينا فرصة أكبر لرصدها في سماء الليل، أملاً بأن يزودنا ذلك بـ“سنوات أو عقود” من التحذير المسبق. ويجب أن يمنح هذا العلماء وقتاً كافياً لإعداد ما يُعرف بمهمة “الانحراف” Deflection، والتي تهدف إلى دفع مسار الكويكب المقبل بحيث يخطئ الأرض – عن طريق صدمه بمركبة فضائية بالكويكب، على سبيل المثال.
لا يزال هناك احتمال، كما يقول تشوداس، بأن يفاجئنا كويكب كبير إذا كان في مدار يجعله بصورة نادرة جداً قريباً جداً من الأرض. ففي مثل هذه الحالة قد يكون الوقت المتبقي لدينا بضعة أشهر فقط – وهو زمن قليل جداً بالنسبة إلى مهمة الانحراف، ولكن ربما يكون وقتاً كافياً لمهمة “التفكيك” Disruption، فيفجر الكويكب باستهدافه بسلاح نووي، على سبيل المثال.
يقول تشوداس: “لكننا نعمل على تقليل فرص حدوث ذلك من خلال المسح المستمر للسماء، ومن خلال تحسين دقة تلسكوباتنا حتى تتمكن من رؤية الكويكبات البعيدة”.
في النهاية، يعود الأمر كله إلى ما نختار أن نقلق بشأنه. ويقول تشوداس إن احتمال ارتطام جرم كبير الحجم بنا على حين غرة ضئيل جداً، في حين يوجد الكثير من الحوادث السيئة الأخرى التي يُعد وقوعها أكثر ترجيحاً. ويضيف: “إنّ خطر ارتطام كويكب بنا لا يسبب لي الأرق”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى