أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

المملكة الحيوانية المتباهية

بينما تتكيف العديد من المخلوقات لتندمج في بيئتها، فإن بعضها لا يلقي بالا لهذا العرف. فيما يلي بعض الاستعراضات المفضلة لدينا من المملكة الحيوانية...

بقلم بن هواري BEN HOARE

رقصة خطرة
العنكبوت الطاووسي PEACOCK SPIDER
العناكب النطاطة هي مفترسات رياضية جدّاً- يمكن لبعضها أن يقفز لأكثر من 20 ضعف طول جسمه. يوجد في أستراليا بعض الأنواع المتباهية بشكل خاص، التي تسمى العناكب الطاووسية، والتي تنشر أرجلها الأنيقة لجذب الزوج. وتتمتع هذه العناكب البالغ طولها 5 مم بجاذبية محببة، لدرجة تعرف بـ «القطيطات ذات الأرجل» من قبل العلماء الذين يدرسون استعراضاتها للغزل. وعندما يرى ذكر العنكبوت الطاووس زوجا محتملا، فهو يستعرض أمامها ويرفع الزوج الثالث من أرجله. ويُظهر هذا امتداداً على شكل مروحة على بطنه؛ مما يكشف عن نمط متلألئ ينتج من حراشف قزحية الألوان. وبعدها يتقافز الذكر جانبيّاً ويقفز إلى أعلى وإلى أسفل لإظهار ردائه الفني المخملي. وهو يلوح أيضاً بالتناوب بأرجله ذات الأطراف البيضاء، فيما يشبه برج الإشارات العنكبوتي. ومع ذلك، فإنه استعراض خطير، لأن الراقص الأب المحتمل يخاطر بأن يصبح وجبة تلتهمها الأنثى بعد التزاوج.

تبهجني مقابلتك
السحلية المزركشة FRILLED LIZARD
لهذه الزواحف التي تشبه التنين، والتي تعيش في الأصقاع النائية الأسترالية واحد من أكبر الاستعراضات البصرية (مقارنة بحجم الجسم) في المملكة الحيوانية. وقد يصل طول السحلية المزركشة المكتملة النمو إلى متر واحد من الذقن إلى طرف الذيل. وعند تهديدها تنشر السحلية طوقا برتقالي اللون يشبه رداء دراكولا، قد يصل عرضه إلى 30 سم، والذي عادة ما يوجد مرتخياً حول كتفيها. يمتد هذا الجلد على عدة عظام على شكل قضبان متصلة بالعظم اللامي Hyoid أو اللساني، وإذا فتحت السحلية فكيها فجأة، فإن هذه العظام تندفع إلى الخارج، فتسحب الجلد وتنشر الأهداب؛ كلما اتسعت الفجوة، زاد حجم الطوق. وكذلك يصدر الحيوان هسهسة بصوت عالٍ، لسبب وجيه. ولكن الأمر كله خداع: فالسحلية المزركشة هي في الحقيقة آكلة حشرات خجولة تقضي معظم وقتها مختفية في أعلى أشجار الأوكالبتوس. وفي حالة فشل وسيلة الردع هذه، تلجأ السحلية إلى الهرب، معتمدة على ساقيها الخلفيتين القويتين في الركض على قدمين فيما يشبه ديناصور فيلوسيرابتور مصغرا.
تُعرَف الاستعراضات الدفاعية التي تعتمد على إفزاع أو إرباك المفترس باسم «السلوك الخداعي» Deimatic، لكن ذكور السحلية المزركشة تستخدم أيضاً قلنسواتها الغريبة في المواجهات العدوانية مع الأفراد من نفس نوعها. وفي عام 2013 أفاد الباحثون أن الذكور الذين يتمتعون بألمع النقوش البرتقالية كانوا أكثر هيمنة على المنافسين ذوي الألوان الباهتة، إذ انتصروا عليهم في %90 من المعارك.

قعقعة و نشاز
حيوان تنْريق الأراضي المنخفضة المخطط LOWLAND STREAKED TENREC
يحقق التطور عجائب في الجزر، وهي واحدة من حقائق الحياة التي أثبتتها حيوانات التنريق في مدغشقر. وبعد أن وصلت إلى تلك الجنة التي كانت خالية من الثدييات منذ عدة آلاف من السنين، فعلت أسلافها القديمة كما فعلت الجرابيات في أستراليا، فتطورت لتكون مجموعة رائعة من الحيوانات الغريبة التي تذكرنا بحيوانات الزبّابة (العرسة) Shrews والخُلد والفئران والجرذان والقنافذ. يمثل التنريق المخطط العضو الانبساطي في العائلة، فهو يتجول حول الغابات المطيرة في الأراضي المنخفضة بخطمه المرن الشبيه بالزبّابة والذي يشم به ديدان الأرض، وجرأته الدفاعية الشبيهة بالقنافذ- فتلك الأشواك (وهي شعرات معدلة في الواقع) تنفصل عند النقر عليها، فتنغرس في جسد المهاجم. ولكن هذا التنريق لديه موهبة خفية ترفعه إلى مصاف الدوري الممتاز لاستعراضات الحياة البرية. وعن طريق هز ريشاته العنقية، يُصدر الحيوان موجات فوق صوتية عالية النبرة. وهذا «الصرير» Stridulation شائع بين الصراصير والجنادب والخنافس، ولكن لا توجد ثدييات أخرى تتواصل بهذه الطريقة. ويشبه نيك غاربوت Nick Garbutt خبير الثدييات في مدغشقر الصوت بأنه «أعشاب جافة تُفرك معاً»، وهو وصف لا يرتقي إلى إعطاء واحدة من أغرب صيحات الطبيعة حقها.

تغيّر بحري
الحبّار المبهرج FLAMBOYANT CUTTLEFISH
مثل الأخطبوطات، يمكن للحبار تبديل لونه وشكله وملمسه حسب رغبته. وتتمتع هذه المخلوقات ببصر ثاقب لدرجة مذهلة وقد تمتلك حتى شعوراً بالذات، كما زعم البروفيسور بيتر غودفري- سميث Peter Godfrey-Smith في كتاب حديث له عن رأسيات الأرجل (فئة الرخويات البحرية التي ينتمي إليها الحبار والأخطبوط). ونظراً لأن جلدها ممتلىء بخلايا صبغية Chromatophores – وهي خلايا مرنة وغنية بالصبغة وتتصل بجهازها العصبي- فبوسعها تغيير لونها ونمطها بسرعة، كما يمكنها إرسال موجات متكررة من الألوان النابضة الشديدة على أجسادها، مثل عرض ضوئي في أحد المتنزهات. ربما طوّر الحبار هذه القدرة المغيرة للجسم كتمويه في البداية، ثم بدأ يستخدمها لاحقا لإفزاع أو إرباك المفترسات ريثما يتمكن من الهرب. وكذلك تنشر أنواع مثل «الحبار المبهرج» Flamboyant cuttlefish المداري الذي يعيش في المحيطين الهندي والهادي، والذي يظهر هنا، تأثيرات مدهشة خلال فترة التزاوج. إنه أحد أكثر أشكال التواصل المرئي روعة وغموضاً في المملكة الحيوانية.

عمل من أجل الحب
طائر التعريشة الملتهب FLAME BOWERBIRD
هل يمكن للحيوانات إنتاج الفنون؟
على الرغم من أن مهارته الحرفية غريزية، فإن طائر التعريشة الذي يستوطن غينيا الجديدة وأستراليا يوشك على الإبداع. تكرس ذكور طائر التعريشة البالغة معظم وقتها وجهدها لبناء منشآت معقدة من العصي والأوراق على أرضية الغابات المطيرة، التي كثيراً ما تتسم بتماثل متقن وبحيل منظورية. وتعمل هذه التعريشات كساحات لاجتذاب الإناث المارة. وعند الانتهاء منها، يزين المهندسون الطيور إبداعاتهم بجوائز لافتة للنظر تَمَّ جمعها من الغابة- من التوت والزهور الملونة، وقطع من أجنحة الخنافس المتلألئة، وأصداف فارغة أو قطع من العظام المبيّضة. ومع ذلك، فإن المهمة لا تنتهي أبداً: يحتاج طائر التعريشة إلى ساعات من الصيانة اليومية، لضمان إعادة أي غصين أو ورقة طائشة إلى مكانها الصحيح. ويتضمن كل من أنواع طيور التعريشة خصائص تصميمية مميزة له: طائر التعريشة الملتهب، مثلاً، يضيف طبقة جديدة من «الطلاء» الطيني كل يوم. ويُعد هذا الجهد المبذول مؤشراً جيداً إلى حد ما على لياقة الطائر الذي بناه. وبما أن الإناث تتجول عبر العديد من التعريشات، فيبدو أنها يوازنّ المزايا النسبية للذكور- هل هن الناقدات الفنيات في عالم الطيور؟

حشرة العصى
أكريوبتيرا مارولوكو ACHRIOPTERA MAROLOKO
لقد أتقنت الأنواع الثلاثة من الحشرات العصى Stick insect في العالم، التي يعيش معظمها في الغابات الاستوائية، فن التخفي، لدرجة أن بعضها يدمج في تمويهه تقليداً لبراعم أوراق الشجر، أو يحاكي الأغصان المقطوعة وأوراق الشجر التالفة. كما يحدث في الطبيعة في كثير من الأحيان، تضم المجموعة قليلاً من الأفراد الشاذين. واحتفظ نوعان من الحشرات القلمية العملاقة المكتشفة مؤخراً من مدغشقر بالصورة الظلية المغزلية، لكنهما استبدلا التلوين الخفي بالبهرجة. ومن المثير للاهتمام أن ألوانها تكون باهتة في صغرها، ولا تطور ألوانها الجذابة سوى عند النضج الجنسي. ويتكهن العلماء بأن مظهر الحشرات البالغة ذا الألوان الصارخة قد يساعد على اجتذاب زوج، أو ربما تمتص السموم من أوراق الأشجار أثناء تناول طعامها وتخزنها، ومن ثم تُعلن طعمها كريها للطيور الجائعة. وفي كلتا الحالتين، فإن هذه الحشرات العصى هي من رواد الاستعراضات التي تُظهر خلاف ما تُبطن تماماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى