أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

بقُّ الفِرَاش في مواجهة العالم

عندما تصدرت حشرات بقِّ الفراش Bed bugs المتعطشة للدماء عناوين الأخبار وهي تغزو أسبوع الموضة في باريس Paris Fashion Week في العام 2023، سلطت الضوء على مشكلة تُحيِّر الخبراء منذ عقود: سباق التسلح الجاري بين بق الفراش والبشر. حالياً، مع دورة الألعاب الأولمبية الصيفية Summer Olympics للعام 2024، صارت المسألة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

صوفيا كواغليا SOFIA QUAGLIA

يُقال إن بقَّ الفراش Bed bugs موجود على هذه الأرض حتى قبل أن يسكنها البشر. عندما استخدم الباحثون الحمض النووي DNA لبقِّ الفراش لتكوين فكرة حول فترة ظهوره، وجدوا أن أسلاف بقِّ الفراش الذي نعرفه حالياً كانت حشرات ضارية صغيرة ولكن قوية، حتى قبل أكثر من 115 مليون سنة، وذلك في عهد الديناصورات.

يمنع المخدر الموجود في لعاب بقِّ الفراش من الشعور بلسعته في أثناء تناوله طعامه، لكن يستحيل ألا تراها بمجرد أن تستيقظ

لا نعرف ما الذي كانت تهاجمه في ذلك الوقت، ربما الطيور القديمة. ما نعرفه هو أنه عندما ظهرت الخفافيش الأولى، كان بقُّ الفراش موجوداً. حينها زحفت تلك الحشرة المغامِرة الجريئة منها إلى الكهوف التي تنام فيها الخفافيش لتستمتع بوجبة دسمة. ومن هناك تطورت عدة أنواع من بقِّ الفراش لتتغذى على دمائها، وفقاً لبحث أجراه البروفيسور كلاوس رينهارت Klaus Reinhardt، اختصاصي علم الأحياء التطوري من جامعة تيوبنغن University of Tübingen بألمانيا.

عندما لجأ البشر الأوائل إلى تلك الكهوف نفسها، اكتشف بقُّ الفراش فجأة أنه حظِي بحيوانٍ ثديي أكبر حجماً يمكن أن يحصل منه على غذاء وفير. وفي فترة تتراوح بين 900 ألف و100 ألف عام خلت (يقدر راينهارت أن ذلك حدث قبل 245 ألف عام) أضاف بقُّ الفراش البشرَ إلى قائمة ضحاياه، وهي خطوة فريدة من نوعها لطفيلي Parasite يعتمد في تكاثره عادة على تخصصه في مهاجمة مُضيِّف Host من نوع واحد.

أقدمُ دليل مسجل على بقِّ الفراش الذي اختلط بالبشر هو حشرات عمرها 11,000 عام عثر عليها علماءُ الآثار في كهوف في أمريكا الشمالية. هناك أيضاً أحافير تركها أسلاف بقِّ الفراش في أماكن معيشة العمال المصريين القدماء قبل 3,550 عاماً، إضافةً إلى نصوص كوميدية يونانية من العام 423 قبل الميلاد مع شخصيات تقول: ”أيُّ عذاب ستذيقني إياه حشراتُ البقِّ اليوم“.

يوجد حالياً نحو 100 نوع من بقِّ الفراش، تنتمي جميعها إلى عائلة الحشرات المعروفة باسم البقيات Cimicidae.

إنها عديمة الأجنحة، ولها ست أرجل، ولونها لون الصدأ، وهي بحجم بذرة التفاح وتُشبهها في الشكل. كما أنها تتغذى بنمط إلزامي على الدم، وهذا يعني أنها لا تستطيع أن تتغذى إلا على دماء الحيوانات ذات الدم الحار. ولكن ثلاثةً فقط من هذه الأنواع المِئة لديها ولع بالدم البشري: بق الفراش الشائع Cimex lectularius، وبق الفراش الاستوائي Cimex hemipterus، وبق الفراش الغرب إفريقي Leptocimex boueti. مع ذلك لا تزال هذه الأنواع الثلاثة تتغذى أيضاً على دماء الطيور والخفافيش، لأنها لم تتخصص على نحو كامل بالمطلق.

”بدأ بقُّ الفراش الاستوائي المستدير والمكتنز في الظهور في معظم أنحاء أوروبا“

في حين أن بقَّ الفراش الشائع هو الأكثر انتشاراً، فإن بقَّ الفراش الاستوائي المستدير والمكتنز بدأ يظهر أخيراً في معظم أنحاء نصف الكرة الشمالي، وفقاً للبروفيسور تشاو-يانغ لي Chow-Yang Lee، رئيس علم الحشرات الحضرية Urban entomology من جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد University of California, Riverside.

لقد زحفت هذه الكائنات ووصلت حتى إلى النرويج والسويد وفنلندا، فبعد أن كانت مناطق أوروبا الشمالية تُعَد باردة جداً للمخلوقات مصاصة الدماء، صارت حالياً مناسبة لها من جرّاء ارتفاع درجات الحرارة العالمية ووسائل الراحة الحديثة مثل التدفئة المنزلية التي يمكن التحكم فيها. يقول لي: ”بالطبع يساهم السفر العالمي بقدر كبير في انتشارها“.

قد يكون من الصعب التخلص من هذه الحشرات مصاصة الدماء بمجرد أن تجد طريقها إلى منزلك

في معظم أوقات النهار تختبئ الحشرات المتعطشة للدماء في الفجوات والزوايا في المنازل وغرف الفنادق، والمستشفيات، والمساكن الجامعية، بحثاً عن مأوى، بعيداً عن التفاعل مع البشر. ولكن عندما نستريح في الليل، تخرج من مخابئها، ويجذبها إلينا دفءُ أجسادنا وثاني أكسيد الكربون الذي نزفره. (لكن لا شيءَ يمنع بقَّ الفراش من العض في أثناء النهار إذا جاع). تزحف فوق أجسادنا وتثقب بشرتنا بمناقيرها Beaks التي تُشبه القش، ثم تمتص الدمَ وهي تحقن فينا موادَّ كيميائية مخدِّرة ومضادة للتخثر لتتمكن من التهام وجبتها من دون إزعاج.

في حين أن لدغات بقِّ الفراش لا تنقل أي أمراض – مثل تلك التي ينقلها القُراد مصاص الدماء Bloodsucking ticks أو البعوض – إلا أن الجلد يتورم مكان العضة ونشعر بالحكة التي لا يمكن معها للمصاب أن ينام، ويزداد ذلك صعوبة بمرور الوقت. يصف البعض لدغاتها بأنها ”كدمات صلبة بحجم كرة بينغ بونغ تُسبب الحكة أكثر من أسبوع“. وتشير الدراسات إلى أن الإصابة ببقِّ الفراش يمكن أن تصيب الضحايا بالاكتئاب Depression طويل المدى، أو الارتياب Paranoia، واليقظة المفرطة Hyper-vigilance، والوساوس Obsessive thoughts.

هناك شيء ما على صلة برائحتنا يجذب هذه الحشرات. عندما وضع باحثون من جامعة شيفيلد University of Sheffield بقَّ الفراش في غرفة بها كومة من الملابس القذرة، ظهرت الحشرات بحثاً عن الطعام أكثر مما فعلت عندما وضعوا ملابس نظيفة. (يقول الخبراء إن هذا قد يفسر انتقال بقِّ الفراش دولياً، من خلال الاختباء في ملابس المسافرين التي تحتاج إلى غسلها). لكن تجارب مماثلة تشير إلى أن الجزيئات الدهنية الموجودة في جلدنا تجعل بقَّ الفراش يغادرنا بمجرد تناول الطعام. بعد بضع دقائق، عندما تمتلئ الحشرة بثلاثة إلى أربعة أضعاف وزن جسمها من الدم، تذهب لتهضم وجبتها، بدلاً من أن تعيش على المضيِّف مثل القُراد أو البراغيث.

دورة حياتها

بمجرد تناوُل حشرة البق وجبتَها مباشرةً يكون هذا الوقت هو المفضَّلَ لديها للتزاوج، لأن الإناث تكون خاملةً بعد وليمتها ومن ثم أقلَّ ميلاً إلى التمرُّد على الذكور. وعلى الرغم من أن الإناث لديها ما يشبه المهبل، إلا أن الذكور تفضل وخز قضبانها مباشرةً في بطون الإناث وإطلاق حيواناتها المنوية فيها. للتعامل مع هذا الأمر طورت أنثى بقِّ الفراش الشائع Cimex عضواً خاصاً، يُعرف باسم ”عضو بيرليز“ Organ of Berlese، لإغلاق الجرح بسرعة والتعامل مع الحيوانات المنوية.

وعلى الرغم من طريقة التلقيح المؤلمة هذه، إلا أنها تتكاثر كل شهرين، وتضع ما يصل إلى 500 بيضة طَوالَ حياتها. يستغرق البيض ما يصل إلى 10 أيام حتى يفقس، ويتحول إلى حوريات Nymphs لونها بني فاتح تتخلص من جلدها خمس مرات في سبعة أسابيع قبل أن تصل إلى مرحلة البلوغ.

ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من أن زواج القربى يؤدي عادةً إلى طفرات وإنجاب ذرية غير صحية لدى معظم الحيوانات، إلا أنه لا يطرح مثل هذه المخاطر لدى بقِّ الفراش، وفق البروفيسور كوبي شال Coby Schal من جامعة نورث كارولاينا North Carolina State University. يقول شال: ”يمكن لأنثى واحدة متزاوجة أن تبدأ ببناء مجتمعٍ بكامله“. جعل العلماء حشرات البقِّ الإخوة والأخوات تتزاوج مدة تصل إلى 30 جيلاً من دون أن يؤثر ذلك في صحتها ورخائها. 

جنود أمريكيون يرشون المراتب بالمبيد DDT للتخلص من بقِّ الفراش

أما تهجين مجموعات مختلفة منها فيؤدي في الواقع إلى مضاعفة خصوبتها. عندما وضع الباحثون علامات على عدد قليل من الحشرات من مجموعات كبيرة من بقِّ الفراش في ست شقق موبوءة وتتبعوها، وجدوا أن هناك ما يتراوح بين 2,400 و 14,000 بقة في كل منزل. استغرق الأمر أسبوعين فقط لتنتشر المستعمرات في 24 شقة مجاورة في المبنى، وكان بق الفراش لا يزال موجوداً ونشطاً بعد أكثر من خمسة أشهر من هجر البشر للمبنى.

يسمح هذا التزاوج والاختلاط بانتشار بقِّ الفراش بسهولة. بحلول ستينات القرن الثامن عشر كان انتشار بقِّ الفراش في مستشفيات أوروبا كثيفاً جداً، حتى أن أحد الجراحين البريطانيين وصفها بأنها ”في كثير من الأحيان شر أعظم للمريض من المرض الذي جاء إلى المستشفى ليُعالَج منه“. واقترح أصحاب الفنادق على الضيوف أن يتناولوا شراباً يساعدهم على النوم لتحمُّل الحكة. حتى أن بعض المسافرين أخذوا معهم حيوانات المزرعة وكانوا يتركونها تستريح في الفراش قبلهم كل ليلة حتى تشبع الحشرات ومن ثم يستلقون للنوم. بحلول القرن العشرين، كان أكثر من 75% من المنازل في المملكة المتحدة قد غزاها بقُّ الفراش.

أحد عمال مكافحة الآفات الفرنسيين يعالج منزلاً باريسياً غزاه بق الفراش في العام 2023

لقد جرَّب الناس كل أنواع الحيل للقضاء عليها على مرّ العقود. حتى أنه ساد اعتقاد لدى البعض بأن تعليق أقدام الأرنب أو الأيل على السرير من شأنه أن يُبعد بقَّ الفراش، في حين لجأ آخرون إلى شمعة مضاءة في منتصف شريحة خبز عليها غراء لاصق. ودفع اليأس بالناس إلى رش الزرنيخ والزئبق، وهي مواد سامة للإنسان؛ حتى أن منازل حُرقت للتخلص من البق.

استغرق الأمر حتى ثلاثينات القرن العشرين حيث اكتشف العلماء المبيدات الحشرية الكيميائية القوية مثل ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان أو ما يُعرف باسم دي دي تي (اختصاراً: المبيد DDT) والفوسفات العضوي، مما أدى إلى قلب مجرى الأمور فيما كان حتى ذلك الحين معركة خاسرة إلى حدٍّ كبير.

كانت المادة المبيدة DDT قوية جداً وتبقى فترة طويلة إلى درجة أنها قللت من أعداد بقِّ الفراش في لمح البصر. وانخفضت أعدادها بقدر كبير إلى حد أنه منذ أوائل خمسينات حتى أواخر تسعينات القرن العشرين، اعتقد الناس في البلدان النامية أن مصاصة الدماء هذه لم تعد تمثل مشكلة. لكن بعض الحشرات بدأت تتكيف في مواجهة هذه المحنة الجديدة. لقد بدأت بالفعل في تطوير مقاومة للرش بالمبيدات الحشرية القوية منذ العام 1948؛ وهي مقاومة زادت قوتها خلال السنوات اللاحقة.

”عندما حُظر المبيد DDT في العام 1972 بسبب سُمِّيَّته على البشر، عاد بقُّ الفراش إلى الظهور“

عندما حُظر المبيد DDT في العام 1972 بسبب سُمِّيَّته للبشر، عاد بقُّ الفراش إلى الظهور، وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عادت أعداده تتكاثر بلا رادع.

تقول نينا جينكينز Nina Jenkins، أستاذة علم الحشرات من جامعة ولاية بنسلفانيا Penn State University: ”بحلول ذلك الوقت، عندما عثر فريق مكافحة الآفات على بقِّ الفراش، لم يكن لديهم أي تدريب [على التعامل معها]. لم يعرفوا شيئاً عن تركيبتها البيولوجية. لقد كانوا يجهلون الأمر مثل أي شخص آخر. فوجئوا بها“.

حرب كيميائية

منذ ذلك الحين تزايدت أعداد بق الفراش من دون توقف. وتقدر الوكالة الفرنسية للأغذية والصحة البيئية والمهنية والسلامة (اختصاراً: الوكالة ANSES)، أن 11% من المنازل في فرنسا غزاها بقُّ الفراش بين العامين 2017 و2022. ومن ثم كان الفشل الذريع لأسبوع الموضة في باريس في العام 2023 مجرد مثال على اتجاه حقيقي جداً يزداد اتساعاً استغرق تطوره مئات السنين. وقد سلطت زيادة أعداد المسافرين الوافدين إلى العاصمة الفرنسية لحضور الحدث، والجنونُ الإعلامي المحيط بالفضيحة، الضوء على مشكلة ظلت حرفياً متربصةً منذ فترة طويلة في الشقوق.

حالياً اكتسب بقُّ الفراش القدرة على مقاومة معظم المواد الكيميائية المُعدَّة لقتله، مثل الكاربامات Carbamates، والنيونيكوتينويدات Neonicotinoids، والبيرثرويدات Pyrethroids. يقول لي: ”إن مقاومة المبيدات الحشرية أمر حقيقي. لقد رأينا مجموعات من بقِّ الفراش تتمتع بمقاومة للمبيدات الحشرية تزيد 10,000 مرة على البقِّ غير المقاوم. الحشرات لا تموت حتى بعد تغطيسها عملياً في محلول المبيد الحشري“.

طور بقُّ الفراش الشائع دروعاً خارجية أكثر صلابة بحيث لا يمكن للمبيدات الحشرية أن تتغلغل بسهولة في أعضائها. كما طورت هذه الحشرات طفرات جينية تجعلها محصنة ضد السموم الموجودة في تلك المنتجات بالتحديد؛ وعززت الإنزيمات التي تفكك المبيدات الحشرية إذا دخلت إلى أجسادها، وفق ما تشرح ديني ميلر Dini Miller، البروفيسورة في إدارة الآفات الحضرية من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا Virginia Tech.

تقول ميلر: ”لقد اخترنا حشرات البقِّ التي لديها ما يكفي من الإنزيمات لتكسير المادة السمية وسميناها البقات اليقظة“. 

ونتيجةً لتطوير هذه المقاومة، هناك عدد قليل جداً من طرق مكافحة الآفات التي يمكنها التغلب على هذه الحشرات الفائقة، وما زال التوصل إلى طرق أفضل بعيداً عن متناولنا. تقول ميلر: ”يتعين علينا أن نضرب كل بقة بمطرقة للتخلص منها“.


أفضلُ النصائح لتجنُّب لسعات بقِّ الفراش

على الرغم من عدم وجود حل سحري لتجنُّب بقِّ الفراش في أثناء السفر، فإن المزج الصحيح بين عدد من الطرق يمكن أن يساعد على معالجة المشكلة بنحو مباشر…

● قبل أن تستلقي على السرير، تحقَّقْ من عدم وجود حشرات البقِّ أو بيضها أو برازها تحت الملاءات وفي زوايا المرتبة، كما تقول البروفيسورة نينا جينكينز من جامعة ولاية بنسلفانيا.

● مرِّرْ بكرة إزالة الوبر شديدة الالتصاق بعناية فوق ملابسك للتأكد من عدم وجود أي حشرات أو بيض عالقة فيها، كما تقول البروفيسورة ديني ميلر من جامعة فرجينيا للتكنولوجيا.

● تجنبْ استخدام أدراج الفندق، ولا تفرغ حقيبتك بالكامل واحتفظ بأمتعتك في حوض الاستحمام أو في الحمام، بدلاً من وضعها على حاملات الأمتعة في الفندق، كما يقول البروفيسور تشاو-يانغ لي من جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد. واحتفظ بملابسك المتسخة في كيس مغلق بحيث يمكنك وضعها مباشرة في الغسالة والمجفف بمجرد عودتك إلى المنزل.


ما زالت المبيدات الحشرية الكيميائية القوية التي تجمع بين أنواع مختلفة من مبيدات الحشرات صامدةً في السوق، ولكن من المحتمل أن بق الفراش الشائع يعمل على تطوير مقاومة لهذه الأنواع أيضاً. يجرِّب بعض العلماء شريطاً زلقاً اخترعوه للفه حول السرير حتى لا تتمكن الحشرات من الزحف إلى ملاءاتنا؛ ويحاول آخرون تجربة أرجُلِ سرير لزجة تلتصق الحشرات عليها. وصممت إحدى شركات التكنولوجيا أرجُلَ سرير فندقية ذكية تجمع بقَّ الفراش وترسل تنبيهاً برسالة نصية إلى موظفي الفندق. لكن هذه الأساليب ليست مفيدة للتعامل مع الغزوات الكبيرة.

ويعمل مختبر البروفيسور شال على تطوير فخاخ للبق يمكن وضعها في جميع أنحاء المنزل، مثل مصائد الفئران أو الصراصير. ولكن نظراً إلى أن الحشرات لا تنجذب إلى رائحة الجبن أو رائحة بقايا الحلوى، فقد ثبت أن إعادة تكوين المزيج المثالي الذي تنجذب إليه من رائحة الإنسان والحرارة والزفير مهمة صعبة. يقول شال: ”يكمن التحدي في تطوير إنسان اصطناعي“، جذاب بدرجة كافية لإغراء الحشرات بالخروج من مخابئها، ويغطيه غشاء يشبه الجلد لتغرس مناقيرها فيه، والنوع المناسب من السائل القاتل الذي يمكنها أن تمتصه ويكون بديلاً مقنعاً للدم. (يعتقد شال أن حمض البوريك قد يفي بالغرض، نظراً إلى أن محلول 1% منه يكفي لإحداث ثقوب في الجهاز الهضمي لبقِّ الفراش، وفقاً لتجاربه).

يمكننا أيضاً الانتقال من معالجة البيئة إلى معالجة المُضيِّف، تماماً مثلما انتقلنا من رش الأدوية المضادة للبراغيث إلى إعطاء حيواناتنا الأليفة حبوباً لتخليصها من الطفيليات. يقول شال: ”نحن نسميها أدوية، لكنها في الأساس مبيدات حشرية“. 

يُختبَر هذا النوع من الحلول الطبية للمشكلة في مزارع الدواجن الموبوءة ببقِّ الفراش، لكن الأمر سيستغرق 10 سنوات على الأقل قبل أن يتمكن العلماء من اختبار قرص فعال ضد بقِّ الفراش ولا يسبب التسمُّم للبشر ونَيل الموافقة عليه. يقول شال: ”ما زال أمامنا كثير لنتعلمه عن علم الأحياء الأساسي لبقِّ الفراش للعثور على نقاط ضعفها“.

تبقى بويضات بقِّ الفراش ملتصقةً بصفحات الكتاب بمادة لاصقة تفرزها الأنثى في أثناء وضع البيض

علاجات طبيعية

تتمثل أكثر الإجراءات الواعدة المضادة لبقِّ الفراش في الاستفادة من قوة الفطريات القاتلة للحشرات والتي تسمى بوفيريا باسيانا Beauveria bassiana. هذه الفطريات هي بمنزلة طفيليات لبقِّ الفراش؛ بمجرد أن تتلامس أبواغها مع رطوبة بق الفراش، تتسرب إلى شقوق قوقعتها وتقضي الأيام العشرة التالية وهي تنمو داخل جسمها. تقول جينكينز التي طورت المنتج: ”إنها تتبرعم وتستخدم جميع العناصر الغذائية الموجودة في دم بقِّ الفراش لتغذية نفسها. وهكذا يموت البق من الجوع والجفاف“.

وعلى الرغم من أن جينكينز قضت عدة سنوات في دراسة هذا الفطر الذي يُستخدَم بالفعل على نطاق واسع في الزراعة، فإنها فوجئت عندما وجدت أنه يعمل بسرعة كبيرة حينَ اختبرته على بقِّ الفراش. وتقول: ”لقد مات بقُّ الفراش أسرعَ من أي حشرة رأيناها تموت بسبب فطريات بوفيريا. شيء مذهل“.

صوّر بق الفراش الشائع (Cimex lectularius) باستخدام صورة مجهرية إلكترونية ماسحة

يمكن رش الأبواغ الفطرية حول السرير لرسم حدود زيتية رقيقة. عندما تعبر الحشرات الخط تُصاب بالفطريات وتحمل الأبواغ معها عائدة إلى أعشاشها وتنشر المرض في مستعمرتها بكاملها.

ولكن على الرغم من أن هذا يقتل الحشرات التي تزحف إلى سريرك كل ليلة، فإنه لا يمنعها من الركوب على شيء قد تأخذه معك إلى السرير. تقول جينكينز إنه بعد العلاج الناجح بأبواغ بوفيريا، أعاد الناس بقَّ الفراش إلى أسرَّتهم عن طريق إحضار الألعاب أو الكتب أو حتى الأسلحة الملوثة إلى السرير.

وما زالت بعض التقنيات القديمة تعمل أيضاً. الحرارة واحدة منها: تموت الحشرات البالغة والبويضات في درجة حرارة تتراوح بين 48 و54°س (118 و130°ف)، لذا فإن وضع الملابس والملاءات الموبوءة في المجفف على درجة الحرارة القصوى بضعَ دورات سوف يفي بالغرض. تضطلع بعض شركات إبادة الحشرات بتسخين المنازل بكاملها للقضاء على المستعمرات، ولكن ضمانَ وصول كل شق في المنزل إلى درجات حرارة عالية فترةً كافية لقتل بقِّ الفراش هو عمل شاق، فضلاً عن التكلفة الباهظة، كما تقول ميلر. ويُعَد التبخير الاحترافي فعالاً، ولكنه مكلف أيضاً، ولا يستطيع معظم الناس مغادرة منازلهم عدة أيام في أثناء تنفيذ هذا الإجراء. إضافةً إلى ذلك لا يكفي تبخير شقة واحدة؛ إذا كنت تعيش في مبنى سكني، فيجب تبخير المبنى بكامله.

“العقبات العملية والاقتصادية هي التي تُديم أزمات بقِّ الفراش”

على أي حال فإن إشراك المتخصصين هو أهم توصية للتعامل مع تفشي بقِّ الفراش. العقبات العملية والاقتصادية هي التي تُديم أزمات بقِّ الفراش، والتي، وفقاً للخبراء، تترك في أكثر الأحيان كبار السن وذوي الدخل المنخفض في وضع حرِج، لأنهم لا يملكون الوسائل اللازمة لمعالجة المشكلة.

بقُّ الفراش لا يميِّز بين دم الثري ودم الفقير. لكنه لا يمثل مشكلة كبيرة للأثرياء لأنهم قادرون على دفع المال لمكافحة الآفات للتخلص منها. وبما أن بقَّ الفراش لا ينقل الأمراض، كما تفعل الحشرات المتعطشة للدماء الأخرى، فإن الحكومات المحلية والوطنية لا تميل إلى بذل كثير من الجهد لتطوير استراتيجيات لمعالجة المشكلة لدى الذين لا يستطيعون فعل ذلك بمفردهم.

يقول لي: ”إن أسوأ الحالات هي عندما يصيب البقُّ أشخاصاً ضعفاء لا يستطيعون تحمل تكلفة مكافحته. هؤلاء الناس يُتركون ليُؤكلوا أحياءً“.

وهذا يعني أن بقَّ الفراش لا يباد تماماً، لأن هناك مجموعات من السكان تعاني أخطارَه على نحو مستمر ودائم، ومن تلك النقاط الساخنة، يمكن لبقِّ الفراش أن يغزو الأماكن التي قُضي عليه فيها من جديد. يقول لي إن معالجة بقِّ الفراش كمشكلة تتعلق بالصحة العامة هو السبيل الوحيد للتخلص منه.

ويضيف: ”ستظل هذه المشكلة قائمةً حتى يأتي يوم نعتبر فيه بقَّ الفراش مشكلة مجتمعية، لا مشكلة فردية“.


صوفيا كواغليا Sofia Quaglia
(@SofiaQuaglia)
صوفيا صحافية علمية مستقلة متخصصة في القصص المتعلقة بالعالم الطبيعي والحياة البرية والبيئة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى