أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقابلات

تاريخ الأفكار الخطيرة

أوضحت لنا سلسلة BBC Four تحسين النسل: فضيحة العلوم الكبرى Eugenics: Science’s Greatest Scandal، كيف أدى العلماء دوراً في فكرة مفادها أن التناسل الانتقائي قد يفضي إلى جنس بشري متفوق. تحدث آدم بيرسون، أحد الضيوف، إلى إيمي باريت عن الإعداد للفيلم الوثائقي استكشاف ما كانت عليه حياته كرجل من ذوي الإعاقة في بريطانيا في أوائل القرن العشرين.

ما هو تحسين النسل؟
تحسين النسل Eugenics هو فكرة مفادها أن بإمكانك جعل الجنس البشري أفضل وراثيّاً عن طريق الحفاظ على الجينات الجيدة المرغوب بها في مجموعة الجينات البشرية، وإخراج الجينات السيِّئة منها. بدأ الأمر مع فرانسيس غالتون Francis Galton، قريب تشارلز داروين Charles Darwin. لذلك، أعتقد أن الكثير من تفكيره في أساسه دارويني، لكن داروين توفي قبل اعتماد مصطلح «تحسين النسل» Eugenics.

ما الذي يحدد ما هو الجين «الجيد» وما هو الجين «السيِّئ»؟
حسناً، هذا هو الجوهر الحقيقي للأمر ليس بالنسبة إلى البرنامج، فحسب بل للقضية بكاملها. لا أعتقد أن أي شخص له الحق في أن يقول ما هي الجينات الجيدة وغير الجيدة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالإعاقة والوراثة. ما نعرف الآن أنه حقيقي، وما كان يُعتقد أنه صحيح في أوائل القرن العشرين، هما على بعد أميال كل منهما من الآخر. ربما بعد 50 سنة أخرى، ما نعرف أنه حقيقة الآن قد يصبح فولكلوراً مضحكاً للعلماء في المستقبل.

ما الذي كان المجتمع العلمي يقوله عن تحسين النسل في أوائل القرن العشرين؟
لقد كانوا مؤيدين لذلك كثيراً. كان لسان حالهم يقول ‘نحن نجعل الجنس البشري أفضل وهذا سيعود بالخير مستقبلاً على كل المعنيين’. كان هذا العلم يحظى بتقدير كبير. وتفيد الوثائق أن تشرشل Churchill كان من مؤيدي تحسين النسل. فيرجينيا وولف Virginia Woolf كانت مؤيدة كذلك… لم تكن نظرية محصورة بفئة معينة أو نشأت عن عالم الخيال.
وهناك تعليق مخيف للكاتبة فيرجينيا وولف بعد أن مرت بجماعة من «الحمقى» تقول فيه : «لقد كان الأمر فظيعاً، وسيكون من الأفضل بالتأكيد لو أعدموا جميعهم». كانت كتابة أو قول ما يشبه هذا أمراً عاديّاً في حين أنه إذا طرحت ذلك على تويتر حاليّاً؛ فلن أنجو…

لكننا نعرف الآن المزيد حول ما الذي تحدده ولا تحدده جيناتنا…
بالطبع. الأمثلة على الجينات الجيدة التي قال [علماء تحسين النسل] إنها كانت في عائلة ما، [نعلم الآن أنها] ليست مكونات وراثية. فكرة أنه نظراً لأنك من عائلة رياضية، فأنت إذاً رياضي سخيفة. لو أنني كنت ابن (بطل كرة السلة) ليبرون جيمس LeBron James ولكن كل ما فعلته هو الجلوس واللعب على إكس بوكس طوال اليوم؛ فلن أدخل في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين NBA بأي شكل أو صورة.
قضى العلماء سنوات في دراسة الإنجازات التعليمية، في محاولة لإيجاد نمط بين التحصيل العلمي والحمض النووي (دنا) DNA. وجدوا أن العلامات الجينية قد تفسر جزئياً إلى أي مدى يمكن لشخص أن يبرع في المدرسة، لكن بالطبع حدوث شيئين معاً لا يعني أن أحدهما يسبب الآخر. ربما لا تكون هذه العلامات مرتبطة بالذكاء، ولكنها أكثر شيوعاً في الأسر الميسورة التي يمكنها تحمل تكاليف تعليم أفضل.

قدم غالتون مساهمات أخرى في العلوم، على الرغم من ذلك. فقد كان إحصائياً كما كان من دعاة تحسين النسل.
لم يكن غالتون بأي حال من الأحوال أحمق. ولكن كما يحدث مع معظم العلماء، مثلما هي الحال مع معظم الأشخاص، فإن أعظم انتصاراتك تصبح باهتة أمام أكبر عيوبك أو هفواتك. لا أحد يتحدث عن الانحراف المعياري Standard deviation عندما يسمع لفرانسيس غالتون، على الرغم من أنه كان مفهومه. إنهم يقفزون دائماً إلى تحسين النسل وتلك الأشياء المظلمة.
أنا لا أقول فقط «فرانسيس غالتون، عليك اللعنة!» أنا أفهم ماذا قدم أيضاً للعلم وأن لديه مجموعة من الأعمال بعيداً عن تحسين النسل. على الرغم من أن علم تحسين النسل هو إرثه، لكنه حاشية طويلة جدّاً في نهاية مسيرة علمية مذهلة.

قد يمنح التحرير الجيني الآباء يوماً القدرة على اختيار بعض الصفات المميزة، مثل العيون الزرقاء، أو استبعاد بعض الصفات غير المرغوب فيها. هل يمكن أن يؤشر هذا للعودة إلى تحسين النسل كما عرف قديماً؟
لا أفكر في تحسين النسل كما عُرف من قبل وكما صممه فرانسيس غالتون. بالتأكيد ليس في المملكة المتحدة.
أعتقد أن الخطاب الذي يحيط بالتحرير الجيني gene editing وتقنية كريسبر CRISPR هو ما يسبب الكثير من الخوف والهستيريا. نسمع عبارة مثل «أطفال تحت الطلب»… هذا لن يحدث أبداً. والعلم لم يصل إلى هذا المستوى بعد. وهناك أيضاً جناح كامل من العلوم يسمى الأخلاقيات البيولوجية تتمثل مهمته الوحيدة في منع حدوث ذلك.
وفي بعض الأحيان، تصادف عالماً يخرج عن المسار المألوف، مثل ذلك الرجل في الصين الذي عدل المكونات الوراثية للأطفال لجعلهم مقاومين لفيروس نقص المناعة البشرية (HIV-resistant). ولكنه الآن قيد الإقامة الجبرية وهو في الأساس رجل مطلوب. ما عدا هذا، مثل هذه الأشياء يندر حدوثها.

حسناً، إن لم يكن «أطفال تحت الطلب» مسألة مقلقة، فما هي المشكلة مع فحوصات قبل الولادة بحثاً عن حالات مرضية؟
سأستخدم المثال الأكثر شيوعاً لمتلازمة داون Down’s syndrome. وقد عزل العلماء الجينين اللذين يتسببان في عيوب القلب التي تعد من أكثر المضاعفات خطورة التي تأتي مع متلازمة داون. وإذا كان بإمكانهم إصلاحهما، فلن يصلحوا متلازمة داون من الأساس. وإنما سيخففون ببساطة أحد أكثر المضاعفات التي قد تصاحبها خطورة، وهو ما أعتقد أنه شيء جيد حقّاً.
ومع ذلك، فإن معدلات إنهاء الحمل بعد الكشف عن وجود متلازمة داون قبل الولادة مرتفعة بالفعل. وعندما أقرأ المنشورات التي تُعطى للآباء الذين كانت نتيجة إصابة الجنين: لمتلازمة داون إيجابية… فإنها بالنسبة إلي ترسم صورة تقول إن إنجاب طفل يحمل متلازمة داون هي حكم بالإعدام. ليست فهي لا تشيع الدفء أو الرقة على الإطلاق، بل هي عبارة عن رواية لستيفن كينغ Stephen King. ماذا يقول هذا عن كيفية تعاملنا مع هذا النوع من الأشخاص؟ هل نحن بعيدون كما نعتقد عن الأيام الخوالي عندما كنا نضع الأفراد في مصحات أو نلجأ إلى التعقيم القسري forced sterilisation؟
بالنسبة إلى من هم مثلي ممن يعانون حالات وراثية، فلدينا القدرة على البحث عن خلل الأجنة. يمكنهم إزالة الأجنة السيِّئة، تلك التي تحمل الجين المسبب للحالة، لتترك فقط الأجنة الجيدة. إنه خيار، لكنه ليس خياراً يُجبر الأفراد على اتخاذه.
ولن يؤدي ذلك إلى القضاء على الإعاقة تماماً، لأن الوراثة أو الإعاقة لا تعمل بهذه الطريقة. ومع المكون الوراثي لحالة إعاقة، سيكون هناك دائماً أمثلة على طفرة عشوائية عفوية، وهناك أشياء خارج الوراثة تساهم في الإعاقة.
أقول دائماً إن هناك نوعين من الأشخاص في هذا العالم: هما الأشخاص المعاقون، والأشخاص الذين سيصابون بإعاقة. وهذا سيحدث لنا جميعاً. أنا آسف لأن هذه ليست أسعد ملاحظة في العالم، ولكن هذا صحيح تماماً.
لذلك، عندما نجري محادثات حول اختبارات ما قبل الولادة لتقصي الحالات الوراثية، فإننا نتحدث أيضاً عن الأشخاص في المجتمع الذين يعيشون مع هذه الحالات.

الكثير من هذا يرجع إلى الأسرة، لمناقشة محادثتهم الخاصة حول ما إذا كانوا يريدون نقل حالة وراثية. ليس على أي شخص آخر أن يتدخل.
لا.. لا. في النهاية، يجب أن أجلس مع السيدة P، السيدة بيرسون Lady Pearson المستقبلية، وأتحدث إليها. وهذا الأمر لا يؤرقني بالضرورة، لكنه شيء يجب أن أفكر به. هل سأخضع للاختبار؟ أم أنني لن أجري الاختبار؟
إضافة إلى ذلك، هناك خيارات أخرى. لدي صديق جيد يتبنى ويكفل أطفالاً. هذه بالتأكيد أمور سأدرسها.
إجمالاً، أنت تعرفين، سأنجح في ذلك، حتى ولو اخترنا السير في الطريق الطبيعي. فلا شيء يعني نهاية العالم. فقد سحقته وأطفالي سيسحقونه، وأطفالي سيكونون رائعين وراثيّاً، وسيكون كذلك في الغالب من جانب والدتهم.

أنت تشير إلى «الأجنة السيِّئة» التي ستحمل الحالة الوراثية. وهذه هي اللغة التي يستخدمها الناس في الوقت الراهن للحديث عن الأشخاص المعاقين.
أعرف، وأجد نفسي أستخدمها طوال الوقت. لكنني لا أريد أن أتحدث بلغة غير مفهومة، لا أريد أن أستخدم جملاً طويلة. كلانا يحاول تبسيط العلم وهذا قد يوجه رسالة غير مفهومة حقّاً.
نعتقد أن اللغة الآن معقدة، فقد كانت أسوأ من هذا في الماضي. ومن الأمور التي نتطرق إليها [في البرنامج] قانون الضعف العقلي لعام 1913، حين كان يمكن تصنيف الأفراد قانونيّاً على أنهم معتوهون ومتخلفون وبله. [ألغي القانون في عام 1959.] وهناك مكان زرناه في الحلقة الأولى اسمه مينوود بارك Meanwood Park. وكان هذا الأول بين العشرات من المصحات التي أوت أولئك الذين صنفوا على أنهم مصابون بضعف عقلي في المملكة المتحدة. كان ضخماً. كان مثل عملية عسكرية، تقريباً. فقد أبقوا الجنسين منفصلين لمنع تكاثر الأفراد. حُظر التعقيم القسري في المملكة المتحدة قبل ذلك. ففعلوه بتلك الطريقة.
لقد قابلنا هارفي ووترمان Harvey Waterman، الذي صنف على أنه ضعيف العقل بموجب القانون في سن الرابعة. حبس هارفي لمدة 29 عاماً في ملجأ آخر يدعى سانت لورانس، حيث جرى الفصل بين الرجال والنساء أيضاً. وقال هارفي إنه كان يسمح له بين الحين والآخر بالذهاب للرقص، حيث يوضعون تحت المراقبة من كثب.
لم يصدمني الكثير [خلال تسجيل الفيلم الوثائقي]، ولكن عندما التقينا بهارفي، كانت تلك المرة التي اضطررت فيها إلى التظاهر بأنني أريد الذهاب إلى الحمام، وكان عليَّ أن أستجمع قواي. وهذه هي المرة الأولى التي اضطررت فيها إلى الخروج من مقابلة، وإعادة التوازن إلى نفسي والعودة.

ما الذي كان مختلفاً من لقائه؟
قصته. ماذا حدث لهذا الرجل، هذا الإنسان. لقد خسر كل شيء؛ حريته وكرامته ومستقبله. لقد سمعنا للتو فتاة [الناشطة السويدية غريتا تونبرغ] تقول: «لقد سرقتم طفولتي وأحلامي». قارني ذلك بما حدث لهارفي، ثم عودي إلي.
أيضاً، الثقل الهائل الذي ألقى به ذلك على القسم الأول بكامله من البرنامج: كان يمكن أن يكون أنا. لا «كنت سأكون أنا»، وليس «ربما كنت سأكون أنا». كانو سيأتون إليّ، بلا شك.

التفكير حول ما كان سيحدث قبل نحو 100 عام تقريباً صادم جدا.
أوه! نعم. من المؤكد أنني كنت سأكون في حقل من نوع ما في وسط اللامكان مع من هم «مثلي» أمارس عملاً وضيعاً. وسيكون من السهل حقّاً التعالي على الأمر والقول، «أوه لا، كنت سأتمرد». لا. لم يتمرد أحد. كانت هذه هي أسرع طريقة للتعرض للركل في تلك الأجواء.
لذا، نعم، أعتقد أننا قطعنا شوطاً طويلاً. النقاش الذي أريده هو: هل وصلنا إلى الحد الذي نعتقد أننا وصلنا إليه، من ناحية مواقفنا تجاه الإعاقة؟ أم يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك؟
القول إنك لم تعد تحبس الأشخاص المعاقين، والقول إننا نتقبل الجميع على قدم المساواة في المجتمع، هما خطابان مختلفان تماماً.

هل نحن قريبون من ذلك؟
نحن نتحسن. صار الناس يفهمون الإعاقة الآن أكثر بكثير من قبل. ما دمنا نجري مناقشات ونبقى على النقاش دائراً ولا نغلقه، فسيستمر هذا التقدم.
خوفي الآن، حتى خارج مجال تحسين النسل بكامله، هو أننا نجعل الأمور حساسة جدا ونبدأ بانتقاد الأشخاص بسبب استخدام مفردات معينة، وهذا ربما يكون أقل أهمية في الصورة الكبيرة للأشياء. وهو أمر سيعيد وضع العوائق مجدداً. أنت بحاجة إلى إعطاء الناس مجالاً لأن يخطئوا في استخدام الكلمات وأن تصححيها بمحبة ولطف بدلاً من القفز إلى وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام كميات من الهاشتاغ # لتسجيل نقطة.

نظرا لأنها قد تضع حواجز بيننا، قد تعود الأمور إلى «هم ونحن».
تماماً. وعندها نكون قد عدنا إلى المربع الأول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى