تهديد وشيك بانقطاع المياه
قد تصير طوابير الانتظار أمام صنابير المياه العامة أمراً طبيعياً. ماذا يمكننا أن نفعل لتدارك ذلك؟
شهد صيف 2023 أعلى درجات حرارة مسجلة خلال هذه الفترة من السنة، مع زيادة انقطاع المياه واستهداف مرافق المياه في الحرب الروسية-الأوكرانية. مع ارتفاع حرارة الجو يتقلص حجم المياه الجوفية، والإعلان عن وجود إمدادات تكفي لمد لندن بالمياه مدة 90 يوماً يعني أن صنابير المدينة توشك أن تجف. سيكون ذلك هو ”اليوم صِفر“ Day Zero وهو يوم الجفاف، ومعيار اقتربت منه عديد من المدن حول العالم، أو وصلت إليه بالفعل في بعض الحالات خلال العَقد الماضي. تحدثنا إلى بريتي باريخ Priti Parikh، أستاذة هندسة البنية التحتية والتنمية الدولية في يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، حول اليوم صفر الذي يلوح في الأفق، وكيف يمكن لبعض السلوكيات تعديلُ طرق استخدام المياه في المنازل، والوسائل المبتكرة على المستوى الوطني أن تقدم حلولاً واعدة.
ما اليوم صِفر؟
اليوم صِفر أو يوم الجفاف هو العد التنازلي لنفاد المياه في مدينة أو موقع ما. صيغ المصطلح في البدء في كيْب تاون بجنوب إفريقيا التي عانت أزمة مياه في العام 2018. كانت المدينة التي يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة مهددة بانقطاع الماء، وقد أدى ذلك إلى سلسلة من الحملات وإلى تقنين استخدام المياه. في يناير 2018، مثلاً، أعلنت كيْب تاون تقنين المياه وخصصت 87 لتراً للفرد في اليوم، ثم خفضتها لاحقاً إلى 50 لتراً في اليوم. قُدر أن اليوم صفر الفعلي سيحدث في أبريل أو مايو، فحساب التاريخ المحدد كان مسألة معقدة لأن المدينة تعتمد على المياه من ستة سدود. لحسن الحظ هطل المطر ولم يأتِ اليوم صفر. إنه لأمر صادم أن تُترك مدينة تعدادها أربعة ملايين نسمة تحت رحمة الأمطار.
كيف سيبدو اليوم صِفر؟
تشيناي Chennai، سادسة أكبر مدينة في الهند، يبلغ عدد سكانها ما بين ستة وعشرة ملايين نسمة، ووصلت إلى اليوم صِفر في العام 2019. مع اقتراب اليوم صفر لجأت المدينة إلى تقنين إمدادات المياه إلى المنازل، وعنى ذلك أن يُضطر الناس إلى حمل دلاء والوقوف في طوابير للحصول على المياه. كما تعين عليهم شراء المياه من الباعة بتكاليف باهظة. كان لذلك تأثير كبير في الشركات والمستشفيات (لتوفير خدمات الرعاية الصحية الحيوية، فهي تحتاج إلى المياه). هنا أيضاً أنقذ المطر المدينة، لكنه كان وضعاً خطيراً جداً ترك تأثيراً في صحة السكان العقلية ورفاههم واقتصادات المدينة، وكذلك النسيج الاجتماعي في تشيناي.
ما الذي يؤدي إلى ذلك؟
أفرطنا نحن البشر في استغلال الموارد البيئية على كوكبنا. في الأماكن التي نعتمد فيها على المياه الجوفية، نستمر في ضخها واستخراجها، وهذا يحدث على مدى سنوات. تشيناي، مثلاً، كان لديها نحو ألف بحيرة صغيرة وأراضٍ رطبة ومسطحات مائية تمدها بالمياه، ولكن في السنوات الثلاثين الماضية أو نحو ذلك، مع التمدد العمراني، انخفض هذا العدد إلى 200. هذه العملية استغرقت بضعة عقود، لكننا نشهد تسارعاً بسبب تغير المناخ وازدياد الجفاف في فصل الصيف، وهذا لا يساعد في تجديد احتياطيات المياه.
ما مدى قُرب المملكة المتحدة من اليوم صِفر؟
لقد عانينا الجفاف خلال فصول الصيف القليلة الماضية، ومُنع استخدام خراطيم المياه لري الحدائق، ودارت نقاشات حول فرض قيود على غسل السيارات وكيف نستخدم المياه في الحديقة. لم يصل هذا النقاش إلى مياه الشرب حتى الآن، لكن الإطار الوطني لموارد المياه National framework for water resources الذي وضعته وكالة البيئة يقول إننا أمام خطر كبير بأن نواجه أزمة ندرة المياه، ويجدر بنا أن نتحرك الآن. ومن ثم علينا أن نعزز مواردنا المائية: نحن في حاجة إلى تقليل التسريب، ونحتاج إلى تقليل الطلب، وأن نضع خطة عمل لتعزيز مرونة إمدادات المياه، وجعل النظام أقدر على التعامل مع الحالات الطارئة. بخلاف ذلك نحن نواجه خطر نفاد المياه في إنجلترا. قد يفاجَأ الناس من هذا الأمر لأنها تمطر كثيراً في إنجلترا، لكن كمية الأمطار في الواقع غير كافية، وأظن أننا جميعاً نلاحظ أن فصل الصيف لدينا يزداد جفافاً.
ما الحلول والابتكارات التي يمكن أن تساعدنا على معالجة المشكلة؟
هناك عدة أمور يمكننا الاضطلاع بها، أحدها معالجة التسريبات في نظام البنية التحتية للمياه (في المملكة المتحدة يُفقد نحو 20% من المياه بسبب التسريب). ثم لدينا عدادات المياه التي يمكن للأسر أن تعرف من خلالها كمية المياه التي تستخدمها وترى إن كان في إمكانها تغيير سلوكها.
ثم هناك حصاد مياه الأمطار الذي يوفر، إذا تحقق على مستوى الحي أو المجتمع، إمكاناتٍ هائلة، إلى جانب الحلول المعتمدة على الطبيعة. مثلاً تتضمن أنظمة الصرف الحضرية المستدامة Sustainable urban drainage systems (اختصاراً: الأنظمة SUDS) إنشاء مصارف في المدن لتجميع مياه الأمطار والسماح لها بالتسرب إلى الأرض وإعادة تغذية المياه الجوفية. تُعَد البستنة أيضاً خياراً جيداً: فغرس الأشجار ليس مفيداً فقط لانبعاثات الكربون بل يساعد أيضاً على تقليل تسرب تدفق الأمطار، ويمكِّن الأرض من امتصاص مزيد من المياه.
يُنظر في أكثر الأحيان إلى تحلية [مياه البحر] على أنها حل، لكن المحلول الملحي الذي ينتج عن ذلك يسبب دمار بيئتنا لأنه يؤدي إلى تراكم رواسب الملح في محيطاتنا، ويدمر النظم الإيكولوجية البحرية.
ما الدور الذي يؤديه استهلاك المياه على المستوى الفردي؟
تغيير السلوك هو جزء كبير من كل هذا. لدينا بصمة مائية عالية وهي تشمل الاستهلاك الفعلي والافتراضي للمياه. مثلاً نحتاج إلى 15,000 لتر من الماء لإنتاج كيلوغرام من اللحم البقرياً. نحن في حاجة إلى إلقاء نظرة على أنماط الاستهلاك لدينا، لأنه في مدينة بحجم لندن، كل مساهمة صغيرة ستكون مهمة.
يتراوح متوسط البصمة المائية Water footprint في المملكة المتحدة بين 120 و150 لتراً في اليوم، وهو معدل مرتفع. إذا قارنا أنفسنا بالمناطق التي تعاني شح المياه، مثل الأردن، فالرقم لدينا أعلى بمرتين. ينخفض المعدل في الأردن إلى 50-70 لتراً، بحسب المواسم. لكن معدلنا ليس الأعلى؛ ففي الولايات المتحدة يبلغُ استهلاك المياه للفرد ضِعفَي نظيره في المملكة المتحدة. وهذا ليس نموذجاً مستداماً.
على هذا الكوكب يبدو أن لدينا كثيراً من الماء، لكن نسبة المياه التي يمكننا استخدامها حقاً تبلغ نحو واحد في المئة.