سباقات الأكل: هل هناك حد للكمية التي يمكنك استهلاكها دفعة واحدة؟
حُطم هذا الصيف الرقم القياسي العالمي ‘لرياضة’ تناول الهوت دوغ بسرعة للمرة الثالثة خلال خمس سنوات. هل نقترب من ذروة الأداء؟
من ستختاره كأفضل رياضي في العالم؟ يوسيْن بولت Usain Bolt، أم سيرينا ويليامز Serena Williams، أم محمد علي Muhammad Ali، أم تايغر وودز Tiger Woods، أم روجر فيدرر Roger Federer، أم مايكل فيلبس Michael Phelps؟ لا شك في أنهم تفوقوا جميعاً كل في مجاله الرياضي في أوقات مختلفة، ولكن ماذا عن جوي تشستنَت Joey Chestnut؟ ربما لم يسمع به معظم الناس من قبل، ولكن جوي ‘الفك المفترس’ تشستنَت هو أسطورة بحق في عيون مليوني مُشاهِد تابعوا أغرب حدث في التقويم الرياضي الأمريكي.
تشستنَت هو بطل سباقات الأكل بلا منازع وقد سيطر تماماً على مسابقة ‘نايثن الدولية الشهيرة للرابع من يوليو لأكل الهوت دوغ’ Nathan’s Famous Fourth of July International Hot Dog Eating Contest التي يبلغ عمرها 100 عام – وقد صار الحدث الذي لا يفوت مشاهدته مشجعو منظمة ميجور ليغ إيتنغ Major League Eating التي تنظم مثل هذه المسابقات لتناول الطعام في كل مكان (نعم. من دون مزاح). ففي كل صيفٍ تطير الأوزان الثقيلة التي تلتهم كميات كبيرة من النقانق من معظم أنحاء العالم لملء معدتهم بطريقة مضحكة خلال عَشر دقائق أمام حشد من 40 ألف متفرج يهتفون ويصرخون، فيما يأمل كل متسابق بالعودة إلى الوطن منتصراً بعد تقليده حزام الخردل Mustard Belt وساماً. تشستنَت، ملتهم الطعام الذي يبلغ وزنه 104 كغم (230 رطلاً)، لم يخسر سوى مرة واحدة منذ عام 2007. فقد حطّم أرقاماً قياسية عالمية أكثر من أي منافس آخر، وفي حدث هذا العام الخالي من الجمهور الصاخب في ظل التباعد الاجتماعي، حطم رقمه القياسي العالمي (مرة أخرى) بتناوله في 10 دقائق 75 قطعة من النقانق (بما في ذلك الخبز) التي قد تجعل معدتك تنفجر– فقد التهم 33 قطعة أكثر من أفضل منافسيه.
حشو المعدة للفوز
قد تسخر من فكرة أن هذا العرض المُنفِر الذي يفوز به متنافس واحد على الجميع يمكن اعتباره ‘الرياضة’ الأسرع نمواً في العالم، لكن هذه الصناعة المتضخمة بسرعة قد أفرزت للتو بعض الأبحاث العلمية الجادة والمحفزة على إعمال الفكر. فقد استُنتِج بحث نُشر مؤخراً في المجلة الأكاديمية التي تحظى بتقدير بيولوجي لترز Biology Letters، أن الرقم القياسي لمدة العشر دقائق لن يتجاوز مطلقاً 84 قطعة نقانق، باعتباره الحد المطلق الممكن بشرياً. ووفقاً لمؤلف الورقة البحثية، الدكتور جيمس سموليغا James Smoliga، فلن يتمكن حتى تشستنَت من أن يأكل أكثر من ذلك.
هذا بلا شك هو العلم القائم على الإثارة إلى أقصى حد؛ الذي يتصدر عناوين الصحف الشعبية وتفوح منه رائحة تمويل صناعة الوجبات السريعة. ولكن، لا داعي للقلق، فلا أساس للصحة لما قد يقال إن شركة بيغ هوت دوغ Big Hotdog ستأخذ قضمة من البحث العلمي المستقل.
أثناء محادثة قصيرة مع سموليغا نحيل البنية في إحدى المرات وقت الغداء، أوضح لي أن المسابقة السنوية لتناول الهوت دوغ كانت ‘متعة يغلفها شعور بالذنب’ منذ تسعينات القرن العشرين. أخبرني بأن هذا البحث كان تطوراً طبيعياً انطلاقاً من بحثه السابق عن الأداء في سباقات المضمار والميدان: “لقد خطر لي الأمر: أراهن أن مسابقة الهوت دوغ تتبع النمط نفسه [من الأداء الذي نشاهده في الرياضات الأخرى]”. فقد استلم العصا من العلماء الآخرين الذين استخدموا الإحصاء والرياضيات عالية المستوى للتنبؤ بحدود القدرات الجسدية للإنسان – مثل النظرية القائلة إن الماراثون لن يُقْطع مطلقاً في أقل من 1:58:05 – ولقم النمذجات الرياضية المتطورة بيانات 39 عاماً من مسابقة أكل الهوت دوغ
Hotdog Eating Contest. وبعد أن حصل على النتيجة على شكل رسم بياني، بات واضحاً، يقول سموليغا، أن قدرات التسابق على الأكل تحسنت على مسار يحاكي تماماً تقريباً مسارات الرياضات الأخرى. وخلال الثمانينات تحسنت الأرقام القياسية لأكل الهوت دوغ على نحو طفيف سنة بعد أخرى، على نحو مماثل للألعاب الرياضية التقليدية قبل أن تكون احترافية. وكان معظم الفائزين في هذا الحدث المزدهر، على حد تعبير سموليغا: “مجموعة من الرجال الذين يعانون السمنة المفرطة”، والقادرين على التهام عددٍ من نقانق في الدقيقة تقريباً. ففي عام 2001 تغير كل هذا عندما نزل فجأة إلى الساحة أكلة يابانيون مدربون تدريباً عالياً، وسرعان ما سيطروا على المسابقة. وكان تاكيرو كوباياشي Takeru Kobayashi على رأس المجموعة، وقد استخف بالمنافسة عندما ضاعف الرقم القياسي العالمي آنذاك من 25 إلى 50 قطعة نقانق في أول ظهور له.
لقد شهدت معارك العمالقة الصاخبة بين كوباياشي وأفضل الأكولين في أمريكا تدفق أموال الرعاية وسرعان ما تحولت المنافسة الغريبة إلى حدث احترافي. ومع زيادة الحوافز اتسعت المشاركة وتحسنت تقنيات واستراتيجيات التدريب. وكانت مكاسب مسابقات الأكل خلال أولى سنوات العقد الأول من القرن الحالي موازية للمكاسب الهائلة التي تحققت في ألعاب القوى في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
الجيل التالي
يتدرب الجيل الجديد من المشاركين في منافسات الأكل بكل جدِية. وإدراكاً منهم أن الدهون الزائدة تخنق المعدة وتمنعها من الاتساع بسرعة، يحافظ المنافسون على رشاقتهم، ويدربون أجسامهم على تحمل التهام كميات متزايدة من الطعام دون أن يشعروا بالرغبة في التقيؤ. ومن خلال التهام كميات كبيرة من الحساء بصورة متكررة، يمكن للمتنافس أن يمدد معدته على نحو تدريجي، تماماً كما يحصل لدى شد شحمة الأذن لتصل إلى أطوال غير عادية مع تعليق أقراط بها يُزاد حجمها باطراد.
استنتج تحليل سموليغا أن الحد الأقصى المطلق لما يُسمى ‘معدل الاستهلاك النشط’ Active consumption rate، وهي كمية المادة الطازجة التي يمكن استهلاكها في وقت معين، هو 832 غراماً في الدقيقة.
لم يرضَ سموليغا بما أنجزه ومضى في مقارنة قدراتنا على التهام الطعام بمهارات التقاف الطعام لدى الحيوانات الأخرى. ويقول سموليغا: “فكرت في أنه سيكون موضوعاً مثيراً حقاً للاهتمام للكتابة عنه وتقصي الأساس العلمي وراءه”. وفي قائمة رابطة الملتهمين العمالقة يتساوى إنسان هومو سابيان Homo sapiens مع الدببة الرمادية، ويتفوق على ذئب القيّوط الأمريكي، ولكنه أبطأ من الذئاب الأخرى (التي قد تلتهم أكثر من كيلوغرام من اللحم في الدقيقة).
قدرات الأكل لدى أبطال المسابقة الكبار مدهشة، فقد ابتلع تشستنَت ما يقرب من 7.5 كيلوغرامات من الطعام (22 ألف سعرة حرارية – تكفي لعشرة أيام) في عَشر دقائق عندما فاز في عام 2020. وعلى الرغم من أن العِلم قد يُظهر أن مسابقات الأكل يمكن التعامل معها على أنها تجربة فكرية مثيرة للفضول لفهم قدرات الإنسان، إلا أنها لا توفر إجابة سهلة عما إذا كان يمكن اعتبار هذا الاختصاص الذي لا يخلو من المخاطر رياضة حقيقية. قال لي سموليغا: “لست متأكداً من أنني أريد أن أدلي برأي في كلتا الحالتين، ولكن إذا كان عليّ الاختيار، فسأطلق عليها رياضة – إذا كان صيد سمك القاروس رياضة، فهذه رياضة – على الرغم من أنني لا أنصح بها”.