أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
طب وصحة

كوفيد 19-: هل يجب أن نصيب الناس به؟

قد يتوفر لقاح في وقت مبكر إذا أصيب متطوعون به عن عمد. لكن، هل هذا تصرف أخلاقي؟

جيمس لويد James Lloyd
كاتب في هيئة التحرير بمجلة BBC Science Focus

يحتدم السباق لإنتاج لقاح لكوفيد19-. إذ يوجد حالياً أكثر من 150 لقاحاً تجريبياً قيد الإعداد في معظم أنحاء العالم، بدأ معدو نحو 30 منها التجاربَ على البشر.
ولكن بعض العلماء يرون أن التقدم ليس بالسرعة الكافية. وهناك دعوات متزايدة لإجراء ما يسمى ‘دراسات التحدي البشري’ Human challenge studie، التي يُعمد خلالها إلى إصابة المتطوعين بفيروس كورونا SARS-CoV-2، بهدف تسريع عملية تطوير اللقاح بعدة أشهر، وفقاً لإحدى الأوراق البحثية، الأمر الذي يعد بإنقاذ آلاف الأرواح.
ستكون هذه قفزة أخلاقية كبيرة أبعد من تجارب اللقاح الحالية. حالياً، يمر اللقاح المرشح للتحصين من كوفيد19- بتجارب تتألف من ثلاث مراحل. ففي التجربة النهائية (المرحلة الثالثة)، يُعطى ما يصل إلى 10,000 متطوع إما اللقاح المرشح أو دواء غفل (وهمي) Placebo. وبعد أن يواصل المتطوعون حياتهم اليومية، وينتظر العلماء ليروا من يصاب ومن لا يصاب منهم. فإذا كان اللقاح ناجحاً، يجب أن يرى العلماء عدداً أقل بكثير من الإصابات بكوفيد19- في المجموعة التي أعطيت اللقاح مقارنة بالمجموعة التي أعطيت مركَّباً غفلا.
الجانب السلبي لهذا النهج هو أن إصابة المتطوعين بالعدوى تستغرق وقتاً، خصوصاً في البلدان التي ينخفض فيها عدد الحالات. ويمكن لدراسات التحدي البشري أن تسرِّع العملية من خلال إعطاء اللقاح المرشح لمجموعة أصغر بكثير من المتطوعين، بعدها، وبمجرد أن يستحث اللقاح استجابة مناعية، يُعمد إلى إصابتهم مباشرة بالفيروس. وبعدها يراقب العلماء الكيفية التي يستجيب بها المتطوعون للفيروس، ويجمعون البيانات في الوقت الفعلي حول فعالية اللقاح.
إصابة شخص ما بعدوى كوفيد19- تنطوي بالطبع على مخاطر: الإصابة بأعراض خفيفة أو بأعراض شديدة أو حتى الموت. ومع ذلك، في وقت كتابة هذا التقرير، أبدى أكثر من 32,000 شخص اهتمامهم بالتطوع في دراسات تحدي كوفيد19-، عبر موقع منظمة وَن داي سونر (أسرع بيوم واحد) 1Day Sooner. ففي يوليو كشفت مجموعة مناصرة تجارب التحدي هذه (التي شارك في تأسيسها جوش موريسون Josh Morrison مؤسس مجموعة أخرى مناصرة لزراعة الكلى)، أنها تعمل مع معهد جينر Jenner Institute في جامعة أكسفورد البريطانية لإعداد الفيروس الجاهز لدراسات التحدي.
قال البروفيسور أدريان هيل Adrian Hill، مدير معهد جينر الذي يطور أيضاً أحد اللقاحات المرشحة الرائدة: “إننا نرى إمكانات كبيرة في استخدام دراسات التحدي البشري لتسريع تطوير لقاح لكوفيد19-، وتقليص قائمة اللقاحات المرشحة والمساعدة على التحقق من سلامة أفضل اللقاحات المرشحة، وتحسين أساليب التطعيم”. هيل هو أيضاً واحد من أكثر من 100 شخص وقّعوا على رسالة مفتوحة لدعم دراسات التحدي التي أرسلتها منظمة
1Day Sooner إلى الدكتور فرانسيس كولينز Francis Collins، مدير معاهد الصحة الوطنية الأمريكية National Institutes of Health.
توضح المنظمة 1Day Sooner أنها تدعم دراسات التحدي الملتزمة بالمعايير الأخلاقية. ففي مايو نشرت مجموعة عمل في منظمة الصحة العالمية (WHO) مبادئها التوجيهية الأخلاقية لمثل هذه الدراسات. لتقليل المخاطر، يجب أن يكون المتطوعون المختارون من البالغين الشباب نسبياً. (وفقاً لبيانات من الصين، فإن خطر الوفاة في حالة الإصابة بفيروس كوفيد19- يبلغ نحو واحد من بين 3,200 للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً، مقارنة بنحو واحد من كل 150 من مجموع السكان ككل). كما يجب أن لا يعاني المتطوعون أي مشكلة صحية مزمنة، وسيحتاجون إلى عزلهم طوال فترة الدراسة، ومراقبتهم بعناية أثناء وبعد ذلك.
تنحصر الحجة الأخلاقية لدراسات التحدي فيما إذا كانت الفوائد المحتملة للمجتمع قد تبرر المخاطر التي يتعرض لها الأفراد، كما تقول البروفيسورة سيما شاه Seema Shah، الخبيرة بالأخلاقيات الطبية من جامعة نورث وسترن Northwestern University في إلينوي، بالولايات المتحدة، وهي ضمن مجموعة عمل منظمة الصحة العالمية. فعلى سبيل المثال، تتساءل عما إذا كانت دراسات التحدي ستكون جاهزة في الوقت المناسب لتعزيز جهود تطوير أول لقاح لكوفيد19- إلى حد كبير، بالنظر إلى أن التجارب القياسية تتقدم بالفعل بسرعة كبيرة.
تقول شاه: “يستغرق الأمر وقتاً حتى تحصل دراسات التحدي على موافقة لجان أخلاقيات البحث…. وأنت تحتاج أيضاً إلى معرفة كيف تنقل العدوى إلى الأشخاص بالطريقة الصحيحة. وتحتاج إلى تطوير سلالات من الفيروس تصيب الجميع [في دراسة التحدي]، ولكن لن تصيب أي شخص بمرض شديد. وقد يستغرق ذلك عدة أشهر”.
تقول شاه إن دراسات التحدي قد تكون لها فائدة أكبر في تطوير لقاح محسَّن. وتوضح: “قد يكون هناك عيب في اللقاح الأول – ربما لا ينجح مع الجميع، على سبيل المثال، أو قد يكون مُكلفاً. وقد تكون دراسات التحدي وسيلة لاختبار فعالية لقاحات بديلة بسرعة”.
ويُطرح أيضاً سؤال حول ما إذا كان يتعين تأخير دراسات التحدي إلى حين توفير علاج آمن لكوفيد19-، أو حتى يتكوَّن لدى العلماء فهم أفضل لتأثير الفيروس على المدى الطويل. وتقول شاه: “لقد أجريت دراسات التحدي السابقة لأمراض أخرى إما عند توفر علاج متاح، أو عندما نعرف الكثير عن المرض…. [دراسات التحدي] فيروس كورونا المستجد ستتجاوز حد ما هو مسموح به في الوقت الحالي”.
تقول شاه إن الخبراء منقسمون حول الوقت الذي يجب أن نبدأ فيه بتنفيذ دراسات التحدي. ولكنها ترى أنه من المهم وضع الأساس الأخلاقي والعملي، حتى تكون هذه الدراسات جاهزة للمضي قدماً إذا قررت لجان الأخلاقيات أن الفوائد تفوق المخاطر.
تقول شاه: “نحتاج إلى إجراء نقاش عام حول هذا الموضوع، ويجب أن يتحلى الذين يخططون للدراسات بالشفافية… فدراسات التحدي أداة قوية ضمن مناهج البحث، ولكن يتعين استخدامها بحرص”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى