أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافاتتعليق

كيف تصنع طفلاً افتراضياً

يستخدم علماء نفس الجريمة وعلماء الحاسوب شخصياتٍ افتراضية للتدريب على إجراء مقابلات مع الأطفال المعرضين للإساءة.

اطرحْ سؤالاً على طفل، وستعرف بسرعة أن عديداً من إجاباته بعيدة تماماً عن السؤال. تسأله كيف كان يومه، فيجيب بأن يروي لك قصة عن مدى حبه للسلاحف. حاول مرة أخرى، وكنْ ربما أكثر تحديداً هذه المرة، وقد تحصل على كلمة “نعم” مقتضبة. يجيب الأطفال عن الأسئلة بهذه الطرق الحرفية والجانبية بحيث يُخصص قسم كامل من أدبيات الأبوة والأمومة للتعامل مع تعليم الأطفال كيف يجيبون عن الأسئلة. لكن ماذا عن طرح الأسئلة الصحيحة؟

عندما تشعر بالقلق من حدوث شيء سيئ، تسبب تلك الإجابات التي يصعب الحصول عليها مزيداً من الإحباط. يمكن أن تصير مشكلة عندما يتطلب الأمر حماية الأطفال أو التحقيق في جريمة. الأطفال ليسوا بالغين صغاراً، وهذا يعني أن المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين والقضاة والشرطة وأطباء الأطفال وعلماء النفس يمكنهم جميعاً الاستفادة من التدريب على قواعد إجراء مقابلات مع الأطفال. المشكلة هي أن تدريب الناس على كيفية استجواب الأطفال المعرضين للإساءة Vulnerable children ليس بالمهمة السهلة. تدور مهارات إجراء المقابلات حول تعلم المبادئ التوجيهية القائمة على الأدلة، ثم الحصول على فرصة للممارسة والتغذية الراجعة Feedback. ولكن التدرب مع أطفال حقيقيين يخالف المبادئ الأخلاقية، ولهذا يتطلب الأمر الارتجال. بعض الدورات التدريبية توظف ممثلين للعب دور الأطفال. لكن أخرى تلتفت إلى نهج جديد.

فبدلاً من تظاهر شخص بالغ بأنه طفل عن حسن نية، يمكن أن تكون المحاكاة هي أفضل ما هو متاح. يستخدمها الأطباء للتدريب على العمليات الجراحية، ويستخدمها سائقو الفورمولا 1 عندما يكونون بعيدين عن مضمار السباق. حالياً أنشأ باحثون أطفالاً رقميين يُبرمَجون لتكون لديهم “ذكريات”، ويكونوا قادرين على الإجابة عن الأسئلة مثل الأطفال الحقيقيين. مهمة من يُجري المقابلة هي معرفة ما إذا تعرض الأطفال الافتراضيون لأمر سيئ.

ما يبدو عليه هؤلاء الأطفال الافتراضيون بالضبط يعتمد على الفريق. بعضهم واقعي ومُصمم ليظهر بهيئة طفل حقيقي ويتحرك مثله ويبدو أقرب ما يكون إليه باستخدام شخصيات لعبة واقعية أو التزييف العميق Deepfakes. لكن نجمت عن هذا مشكلات مع الظاهرة المعروفة بـ“الوادي الغريب” Uncanny valley، وهو عندما يجعلنا شيء نشعر بالفزع لأنه يبدو حقيقياً تقريباً ولكنه ليس قريباً بما يكفي مما هو حقيقي ليكون مقنعاً. وقد أدى ذلك ببعض الباحثين إلى إنشاء أطفال افتراضيين يشبهون شخصيات اللعبة ويتحدثون مثلها.

”الأطفال الأفاتار لديهم القدرة على إحداث ثورة في مجال التدريب على المقابلات الاستقصائية“

أجرى أشخاص مقابلات مع الأطفال الرقميين، وكان الهدف هو معرفة ما إذا كانت لديهم ”ذاكرة“ عن شيء سيئ. كما هي الحال في الحياة الواقعية، بُرمج بعض الأطفال الأفاتار لتكون لديهم ”تجربة“ مع أمر سيئ.

وضع الباحثون في الحسبان مدى قابلية الأطفال للإيحاء. على سبيل المثال، إذا سأل شخص ما أحدَ الأطفال الأفاتار السؤال الإيحائي نفسه ثلاث مرات، في المرة الثالثة سيغير الطفل إجابته من “لا” إلى “نعم”. هذا لتقليد ما يفعله الأطفال عندما يقولون شيئاً غير صحيح بسبب طريقة طرح السؤال عليهم.

وصار الأشخاص الذين تلقوا ملاحظات عن كيفية أدائهم بعد كل مقابلة أفضل في طرح الأسئلة المفتوحة Open questions خلال فترة زمنية قصيرة. كما توصلوا إلى استنتاجات أكثر دقة حول ما إذا كانت هناك مخاوف تتعلق بالحماية. دفعت هذه النتائج الواعدة فرقاً أخرى إلى محاولة تصميم أطفال افتراضيين خاصين بها. اضطلع فريق ألماني بإنشاء شخصيات رمزية خلال حصص الواقع الافتراضي. في سياق الواقع الافتراضي يشعر المحاور كأنه يجلس قبالة الطفل، بدلاً من النظر إليه على الشاشة، مما يجعل التفاعل أكثر واقعية. تستند “ذكريات” الأطفال الافتراضية أيضاً إلى حالات حقيقية.

يحتاج الأطفال إلى الوثوق بك. كما أنهم يحتاجون إلى الاطمئنان، وإلا فإنهم قد يُحجمون فجأة عن الكلام. هذا شيء أدرجه الباحثون الألمان ضمن عمليات المحاكاة الخاصة بهم. لكي يخبرك أطفال الواقع الافتراضي بما حدث، عليك أن تبدأ بأسئلة عن مواضيع محايدة أو إيجابية. هذه تقنية يعرفها معظم الذين يعملون مع الأطفال على أنها طريقة لبناء ارتباط نفسي. من المرجح أيضاً أن تحصل على تفاصيل مفيدة إذا قدمت تعليقات مطمئنة.

أحدث مشروع حتى تاريخه يعمل عليه فريق دولي من علماء الحاسوب وعلماء النفس. إنهم يريدون إنشاء طفل الذكاء الاصطناعي المستقل AI child. في يونيو 2022، أوضح الفريق أنهم صنعوا أفاتار طفل متحدث بالاستناد إلى محتوى 1,000 مقابلة وهمية باستخدام ممثلين مدربين على التصرف مثل الأطفال. هذا فقط من أجل الاختبار الأولي، إذ إنهم يخططون لتدريب الذكاء الاصطناعي على إجراء مقابلات مع أطفال حقيقيين قريباً. سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما يحدث عندما لا يعود المبرمجون في الصورة. هل سيتمكن طفل الذكاء الاصطناعي من محاكاةِ طفل حقيقي محاكاةً قريبة من الواقع بما يكفي؟

كل مشروعات البحث هذه حديثة جداً إلى درجة أن الأدوات غير متوافرة في الإعدادات السائدة. لكن النتائج واعدة. فالأطفال الأفاتار لديهم القدرة على إحداث ثورة في مجال التدريب على المقابلات الاستقصائية. وهذا بمجرد أن يكتشف الباحثون كيف يجعلون الأفاتار مقنعاً ولا يبعث على الخوف.

د. جوليا شو Dr. Julia Shaw
(drjuliashaw@)
جوليا عالمة نفسية من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، ومؤلفة عديد من الكتب الأكثر مبيعاً، والمضيفة المشاركة في البودكاست الناجح Bad People على
BBC Sounds.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى