أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

كيف سينتهي الكون

قد يساعدُنا المُصادم الفائق الضخم، وهو حالياً في المراحل الأولى من التطوير، في يوم من الأيام على التنبؤ بالمصير النهائي للكون. ومن خلاله سيحاول العلماء العثور على عدم الاستقرار الخفي المُدمج في نسيج الوجود... عدم الاستقرار الذي يمكن أن يدمر كل شيء

د. ألستر غون Dr Alastair Gunn

لدى معظم الثقافات حكاياتٌ وأفكار عن نهاية العالم، سواء تعلق ذلك بالمصير النهائي للبشر وبما سيحدث لعالمنا وأي عوالم أخرى في الكون Universe. 

ولكن ماذا يقول العلم الحديث عن نهاية العالم ونهاية الكون؟

نعلم أن الأرض ستحترق على الأرجح عندما تتوسع الشمس لتصير عملاقاً أحمر، إذا لم ندمرها نحن أو كويكب شارد. ولحسن الحظ من غير المرجح أن يحدث هذا قبل خمسة بلايين سنة أخرى على الأقل.

أما الكون ككل، فهل لدينا أي فهم أو تصور متى وكيف سينتهي؟

يمكننا أن نلقي نظرة على علم الكون Cosmology الحديث للحصول على بعض الإجابات المحتمَلة المثيرة للاهتمام. وبفضل المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية European Organisation for Nuclear Research، المعروفة أيضاً باسم المركز سيرن CERN سنقترب خطوةً أخرى من معرفة أي منها من المرجح أن يكون صحيحاً. فالمركز سيرن يعمل حالياً على تطوير المُصادِم الدائري المستقبلي Future Circular Collider (اختصاراً: المُصادِم FCC) – وهو ”محطم ذرات“ عملاق أكبر بثلاث مرات تقريباً من مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider (اختصاراً: المُصادم LHC).

تجمُّد أو انسحاق أو تمزُّق

لدى النظر إلى مختلف النظريات المطروحة، نجد أن كل شيء يتوقف على التوازن بين توسُّع الكون وقوة سحب الجاذبية. يتخيَّل أحد السيناريوهات أن الجاذبية ليست قوية بما يكفي لمنع الكون من التوسع، ما يعني أنه سيستمر في الاتساع إلى الأبد.

وبما أن كل الطاقة تُوزَّع في النهاية على نحو متماثل، فسيصير الكون أكثر قتامة وبرودة. حتى الثقوب السوداء ستتبخر عندما يصير الكون شبهَ فراغ من الجسيمات تحت (دون) الذرية والفوتونات؛ فراغ لا نهاية له بلا زمن حيث لا يحدث شيء على الإطلاق. وهذا ما يسمى ”التجمّد الكبير“ Big Freeze (أو ”الموت الحراري“ Heat Death).

لكن وفقاً لنظرية ثانية، إذا كانت الجاذبية قوية بما يكفي للتغلب على التوسع، فسيبدأ الكون يوماً ما في الانكماش مرةً أخرى. في نهاية الأمر سوف ينهار على نفسه ليصير في النهاية كرة نارية مُدمَجة، قبل أن يختفي في ”الحدث المُنْفَرد“ Singularity الذي جاء منه، أو حالة انعدام الزمن والمكان. سيبتلع ”الانسحاقُ الكبير“ Big Crunch، كما يُسمى، كلَّ المادة والطاقة، إضافةً إلى المكان والزمن. 

لتحديد أي من هذه الاحتمالات سيحدث، يحتاج علماء الفلك إلى معرفة معدل توسُّع الكون Expansion rate (وكيف يتغير مع مرور الوقت)، وكذلك محتواه الإجمالي من المادة والطاقة. وهذا يرقى إلى معرفة ”شكل“ Shape الكون الذي يمكن أن نستشفَّه من خلال إشعاع الخلفية الكونية الميكروية Cosmic Microwave Background (اختصاراً: الخلفية CMB) وهو بقايا التوهُّج الناتج عن الانفجار الكبير (العظيم) Big bang. مع انتقال الموجات الصوتية عبْر الكون المبكر، حدثت اختلافات صغيرة في درجة الحرارة، واعتمد حجم هذه البقع الساخنة والباردة على هندسة الفضاء. إنه شيء يشبه إجراء قياسات واسعة لعلم المثلثات عبر الكون بكامله. تظهر النتائج أن الكون ”مسطح“ بشكل شبه مؤكد، مما يعني أن كثافته تساوي الحد الأدنى المطلوب أو تكاد تكون كافية لوقف التوسع بعد فترة زمنية لا نهائية.

وهناك نظرية ثالثة تتعلق بأسرار ”الطاقة المعتمة“ Dark energy. وقد وجد علماء الفلك أن توسُّع الكون يتسارع بالفعل بسبب الطاقة المعتمة، وإذا استمر هذا التسارع فإن التوسع سوف يتغلب على كل قوى الطبيعة. وستكون النتيجة ”التمزق الكبير“ Big Rip حين تتمزق كل المادة، والزمكان نفسه وتُدمَّر. وتشير التقديرات إلى أن هذا قد يحدث خلال نحو 22 بليون سنة.

تُظهر خريطةٌ تخطيطية من المنظمة سيرن الموقعَ المحتمل للمصادم الدائري المستقبلي الذي سيتفوق على مصادم الهادرونات الكبير

جسيم بوزون هيغز

ومع ذلك هناك طريقة أخرى أكثر خطورة قد ينتهي بها الكون. وهو ما يسمى ”الالتهام الكبير“ Big Slurp، واحتمالُ حدوثه لا يعتمد على اتساع الكون، ولكن على أحد أصغر مكوناته وهو بوزون هيغز Higgs boson.

ولفهم ”الالتهام الكبير“ نحتاج إلى دخول عالم الكم Quantum world. تُظهر نظرية الكم أن جميع الجسيمات الموجودة في الكون هي عبارة عن استثارات أو تقلبات محلية للمجالات الكمّيّة (الكمومية) Quantum fields. وكل جسيم من 12 من جسيمات المادة المعروفة لديه مجال كمّيّ خاص به، وهناك أيضاً مجالات للقوى الأساسية الأربع في الطبيعة (وهي: الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة). لذلك، مثلاً، الفوتونات (جسيمات الضوء) هي تقلبات في المجال الكهرومغناطيسي.

بوزون هيغز، وهو السبب في أن المادة لها كتلة، هو الجسيم المرتبط بمجال هيغز. تحظى جميع الجسيمات الأولية (باستثناء الفوتونات والغلوونات) بكتلة من خلال تفاعلاتها مع مجال هيغز. الأجسام الصلبة، بما في ذلك نحن البشر، تتمتع بالصلابة بسببه.

تنبأ بوجود الجسيم بوزون هيغز الفيزيائي البروفيسور بيتر هيغز Prof Peter Higgs وزملاؤه في العام 1964، وفي يوليو من العام 2012 اكتشفه علماء في مصادم الذرات الحالي في المنظمة سيرن CERN، مصادم الهادرونات الكبير. بلغ وزن الجسيم الذي وجدوه 125,1 غيغا إلكترون فولت (GeV)، وهو أثقل بنحو 133 مرة من البروتون. لقد كان إنجازاً علمياً منح مصداقية جديدة لنظرياتنا حول الكون.

يقول البروفيسور كريستوف غروجيان Christophe Grojean، عالم الفيزياء البارز في مركز أبحاث السنكروترون الإلكتروني Deutsches Elektronen-Synchrotron (اختصاراً: المركز DESY) في ألمانيا، والمتخصص في بوزون هيغز: ”إن المصادمات هي أقوى المجاهر التي في حوزتنا لدراسة الطبيعة على أصغر المقاييس وخلال اللحظات الأولى للكون… لقد حددت خصائصُ الجسيمات والقوى في عالم الكم كيف تطور الكون ككل“.

”يبدو أن كتلة بوزون هيغز تبدو قريبة من قيمة تجعل الجسيم غير مستقر داخلياً“

ولكن بعد وقت قصير من اكتشافه، وجد العلماء أنفسَهم أمام مشكلة مثيرة للقلق مع بوزون هيغز. تكمن المشكلة في أن كتلة بوزون هيغز تبدو قريبة من قيمة تجعل الجسيم غير مستقر داخلياً. وعدم الاستقرار هذا قد يكون الشيء الذي ينذر بنهاية الكون.

رسم توضيحي لنتائج تصادمات الجسيمات داخل مصادم الهادرونات الكبير. نُشرت هذه الصورة في العام 2015، بعد أن حصل علماء المنظمة سيرن على القياس الأكثر دقة لكتلة بوزون هيغز حتى تاريخه.

العيش في فراغ زائف

اتضح أن مجال هيغز له دائماً بعض القيمة المرتبطة به، حتى في حالة عدم وجود جسيمات هيغز. هناك خلفية، ”طاقة فراغية“ Vacuum energy غير صفرية Non-zero. تتطلب الفيزياء أن تكون طاقة الفراغ عند الحد الأدنى في ظل غياب الجسيمات، لكن المشكلة هي أنه لا يوجد حد أدنى واحد لطاقة مجال هيغز.

تخيل كرة تتدحرج في وادٍ، وفي الطريق، تُحتجز في أخدود Gully. في حين أن الكرة قد تكون مستقرة في الأخدود، فإنها لم تصل إلى الحد الأدنى من الطاقة عن طريق الوصول إلى قاع الوادي.

يمكن أن يُحتجز مجال هيغز فيما يشبه أخدود الطاقة هذا، بدلاً من أدنى حالة طاقة ممكنة. يشير الفيزيائيون إلى هذه الحالة على أنها حالة ”شبه مستقرة“ Metastable، ويصفون الطاقة الخلفية الناتجة بأنها ’فراغ زائف’ False vacuum.

في لحظة الانفجار الكبير تماماً، كان الكون شديدَ الحرارة والكثافة إلى درجة أن مجال هيغز لم يكن نشطاً ولم يكن له أي تأثير. كانت قيمته صفراً في كل مكان، ولم تكن لأي جسيم كتلة. ثم، وعلى الفور تقريباً، بدأ مجال هيغز فجأةً يعمل، مما أعطى المادةَ كتلتها وبدأ العملياتِ التي نراها تحكم الطبيعة حالياً، مما سمح بوجودنا ووجود كل شيء آخر.

والسؤال هو ما إذا كان مجال هيغز قد انتقل إلى حالته ذات الطاقة الأدنى أو أنه كان محصوراً في حالة شبه مستقرة. أفضل القياسات التي حصلنا عليها حتى الوقت الحالي تشير إلى الاحتمال الثاني، مما يعني أننا نعيش في كون في حالة فراغ زائف False vacuum. 

وهذا يستدعي سؤالاً آخر: ماذا لو انقلب مجال هيغز فجأة إلى حالة أدنى من الطاقة؟ يقول غروجيان: ”يحدد مجال هيغز حجم الذرات، ويضمن أن البروتون أخف من النيوترون، ويضمن استقرار المادة… لذا فإن الاضمحلال الفراغي سيكون وبالاً على الكون“.

قد تكون الثوابت الأساسية للطبيعة مختلفة تماماً، مما يؤدي إلى أن تعمل قوانين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا بطرق مختلفة تماماً، هذا إن عملت. قد ينهار الكون إلى حالة جديدة تماماً، ويدمر نفسه ويعيد تكوينها في نفحة Puff من الطاقة. ليست لدينا أي وسيلة نعرف من خلالها الشكل الذي قد يبدو عليه هذا الكون الجديد، وبالطبع لن نكون موجودين لنكتشف ذلك. هذا هو المصير الذي سيحل بنا في سيناريو الالتهام الكبير.

قد تحفِّز الاضمحلالَ الفراغي كميةٌ كافية من الطاقة المركزة في حجم صغير بدرجة كافية. لكن الحسابات تشير إلى عدم وجود عملية معروفة لتحقيق ذلك. يقول البروفيسور جون إليس John Ellis من جامعة كينغز كوليدج في لندن King’s College London والخبير المخضرم في قسم الفيزياء النظرية في المنظمة سيرن: ”ربما كان معدل الانحلال أسرع بكثير في الكون المبكر… لذا فما يحيِّرنا أن الفراغ لم يضمحل قبلَ وقت طويل“.

ومع ذلك هناك عنصر إضافي أخير. يخضع مجال هيغز لقوانين فيزياء الكم، وهناك عملية تسمى ”النفق الكمّي“ Tunnelling تسمح لمجال هيغز بالقفز تلقائياً إلى حالة مختلفة من الطاقة. يبدو الأمر كأن تلك الكرة المحاصَرة في الأخدود تحفر ببساطة نفقاً عبر الأرض لتنفذ منه.

في حين نعجِز عن التنبؤ بحفر النفق الكمي لأنه عملية عشوائية، فإنه يمكننا حساب احتمال حدوثه. ولحسن الحظ تبيَّن أن هذا الأمر غير مرجح إلى حد كبير، وربما يحدث مرة واحدة كل 10100 عام (1 يتبعه 100 صفر). يبدو عمر الكون غير ذي أهمية عندما يُقارن بهذه الاحتمالات الضئيلة جداً.

هل هذا يعني أننا في مأمن؟ حسناً، إن مجرد كون شيءٍ ما نادرَ الحدوث، لا يعني أنه لا يمكن أن يحدث. وغني عن القول أنّ الفيزيائيين يرغبون في معرفة ما إذا كان مجال هيغز في حالة شبه مستقرة بالفعل، ومن ثمّ ما سيكون عليه المصير النهائي للكون.

نال عالم الفيزياء النظرية البريطاني البروفيسور بيتر هيغز جائزة نوبل عن عمله على الجسيم الذي يحمل اسمَه ورُصد لأول مرة في العام 2012

تطلَّعْ إلى المستقبل

للوصول إلى أصل هذه المشكلة، يحتاج العلماء إلى قياس كتلة هيغز، وكتلة كوارك العلوي Top quark mass، و”ثابت الاقتران القوي“ Strong coupling constant بدقة كافية. ويصف الأخير قوة القوة النووية القوية التي تربط النوى الذرية (والكواركات) معاً. تحدد هذه القيم شكل وادي طاقة هيغز Higgs’ energy valley.

حددت التجارب التي أُجريت في مصادم الهادرونات الكبير كتلة بوزون هيغز بدقة تبلغ نحو 0.1%. تُعرف كتلة كوارك العلوي بدقة نحو 0.2%، في حين أن ثابت الاقتران القوي معروف بنسبة أفضل من 1%. لكن لإجراء استقصاء كامل، يحتاج العلماء إلى تحسين كبير في حساسية مصادم الذرات ودقته. وهنا يأتي دور المصادم الدائري المستقبلي أو المُصادِم FCC.

وتأمُل المنظمة سيرن أن يحل المصادم الدائري المستقبلي الذي سيكون أكبر وأقوى مصادم فائق بناه البشر على الإطلاق محل مصادم الهادرونات الكبير في السعي إلى فهم عالم الكم. ومثلَ سابقه سيولِّد المصادمُ الدائري المستقبلي تصادماتٍ مباشرة بين الجسيمات. وستُرسَل حزمتان من الجسيمات في اتجاهين متعاكسين عبر حلقات في حالة فراغ فائق Ultra-high-vacuum rings ويكون الضغط بداخلها قريباً من الصفر المطلق. وستُسَرَّع الجسيمات إلى سرعة تقارب سرعة الضوء باستخدام مغناطيسات كهربائية قوية فائقة التوصيل. ثم تصطدم حزمتا الجسيمات في إحدى أدوات الكشف، مما يؤدي إلى إنشاء سلسلة من الجسيمات الأخرى التي ستقاس وتخضع للتحليل.

سيشغل المصادم الدائري المستقبلي نفقاً دائرياً جديداً يبلغ محيطه 90 كيلومتراً (56 ميلاً)، ويمتد على الحدود الفرنسية السويسرية ويبلغ متوسط عمقه 200 متر (650 قدماً). تحتوي المنشأة على ثمانية مواقع سطحية بها أربع أدوات لدراسة سرب الجسيمات الأولية عالية السرعة التي تُسرَّع حول الحلقة. عندما يبدأ المصادم الدائري المستقبلي في مصادمة الجسيمات وهو ما سيحدث، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، في منتصف أربعينات القرن الحالي، سيحتوي النفق على مصادم إلكترون-بوزيترون. ستُركب أداة ثانية، وهي مصادم هادرون-هادرون، في النفق نفسه بحلول سبعينات القرن الحالي.

بما أن الطاقة والكتلة مرتبطتان من خلال معادلة ألبرت أينشتاين الشهيرة E = mc2، كلما زادت طاقة الجسيمات المُسرَّعة التي تُدفع للتصادم داخل المُصادم، زادت كتلة الجسيمات الناتجة عن الاصطدام أو ”نواتجه“ Products. عديد من التحديات في فيزياء الجسيمات الحديثة تتعلق بالجسيمات الثقيلة (مثل بوزون هيغز)، لذلك يحرص الفيزيائيون على بناء مصادمات أكبر وأقوى.

تبلغ طاقة الاصطدام القصوى الحالية لمصادم الهادرونات الكبير نحو 13.6 تيرا إلكترون فولت (TeV). ستكون لدى مصادم الهادرونات في المصادم الدائري المستقبلي FCC طاقة تصادم قصوى تبلغ نحو 100 TeV. على الرغم من ذلك لا يوجد خطر من أن يؤدي المصادم الدائري المستقبلي إلى الاضمحلال الفراغي لأن طاقته لا تتجاوز جزءاً من بليون مما سيكون مطلوباً لذلك.

تقنيون يعملون على تحسين أجهزة مصادم الهادرونات الكبير في أثناء إحدى عمليات إيقافه بين فترات التشغيل التجريبية

يقول غروجيان الذي يشارك على نحو مباشر في تطوير الأداة: ”إن التحقق من فرضية عدم الاستقرار في الفراغ ليس من بين الدوافع الرئيسة للمصادم الدائري المستقبلي… لكنه سيحسِّن معرفتنا بالبنية الدقيقة للمادة، ويساعد على فك رموز طبيعة الزمكان عند أصغر المقاييس“.

والمصادم الدائري المستقبلي هو أفضل وسيلة لدينا لمعرفة كل الأمور المجهولة المحيطة بمجال هيغز؛ يعتقد بعض العلماء أنه لا بد من وجود خطأ ما في حساباتنا، وأنه ليس في حالة شبه مستقرة على الإطلاق، في حين يعتقد آخرون أنه يجب أن تكون هناك قوانين فيزيائية غير مكتشفة من شأنها إزالة عدم الاستقرار. 

الموت داخلَ فقاعة

حسناً، في حين يجري العمل على بناء المصادم الدائري المستقبلي، ما زلنا نبحث عن إجابة عن سؤال: ما الذي يمكن أن يحدث بالفعل إذا تغير مجال هيغز فجأة، وتسبَّب في اضمحلال الفراغ؟ يقول البروفيسور إليس إن ”قوانين الفيزياء وعلم الكون ستختلف تماماً، مما سيجعل الحياة مستحيلة. سوف ينهار الكون على نفسه. وجميع الأجسام في الكون ستختفي من الوجود“.

تفترض النظرية تشكُّلَ فقاعة تنهار بداخلها قوانين الطبيعة الحالية، وتنشأ قوانين جديدة. تتحول المادة والطاقة أو تختفيان. تختلف القوى الأساسية للطبيعة، أو تكف عن أن توجد. تتوسع الفقاعة، وتتسابق عبر الكون بسرعة الضوء، وتدمر كل شيء في طريقها.

”إعادة تنظيم الكون ربما تكون قد بدأت بالفعل في الخروج من موقع الانهيار“

وهناك دائماً احتمال أن يكون مثل هذا الاضمحلال الفراغي الكارثي قد حدث بالفعل في مكان ما في الكون. ربما تكون عملية إعادة تنظيم الكون قد بدأت بالفعل في الخروج من موقع الانهيار. نحن فقط ننتظر وصوله ولن نراه آتياً.

في كوميديا الخيال العلمي الكلاسيكية التي صدرت في العام 1978 بعنوان دليل المسافر إلى المجرة The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy، كتب المؤلف دوغلاس آدامز Douglas Adams: ”هناك نظرية تقول إنه إذا اكتشف أي كائن تفسير الكون بالضبط وكيفية نشوئه، فسوف يختفي على الفور ويحل محله شيء أكثر غرابة ولا يمكن تفسيره. وهناك نظرية أخرى تقول إن هذا الأمر قد حدث بالفعل“. ويبدو أن آدامز قد يكون محقاً في الحالتين.

على الرغم من أن ذلك قد يبدو مرعباً، فإنه ما من داعٍ حقاً لأن يؤرقنا الاضمحلال الفراغي الوشيك للكون، وينغص علينا حياتنا. هذا اعتماداً على الأقل على الإطار الزمني الذي طرحه إليس: ”قد يحدث الاضمحلال الفراغي التلقائي في المستقبل البعيد، بعد فترة طويلة من ابتلاع الشمس المحتضرة للأرض“.

ومع ذلك تُستحسَن معرفة ما إذا كان الكون في حالة مستقرة أو شبه مستقرة. ونأمل أنه بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى منتصف الطريق في هذا القرن، سيكون المصادم الدائري المستقبلي قادراً على توفير بعض الإجابات.


د. ألستر غون (@AlastairGGunn)
ألستر هو عالم فلك راديوي من مركز جودريل بانك للفيزياء الفلكية Jodrell Bank Centre for Astrophysics في جامعة مانشستر University of Manchester

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى