ما تعلمناه من أحدث تقرير مناخي عالمي أعدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ
التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة حول حالة مناخ كوكب الأرض مُقلق، لكن ليست كل الأخبار التي يتضمنها سيئة.
في العام 1988، شُكلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصاراً: الهيئة IPCC). وهي هيئة مكونة من علماء المناخ الرائدين على مستوى العالم، وتضم أعضاء من 195 دولة. أصدرت الهيئة في العام 1990 أول تقرير لها يحذِّر من المخاطر المحتملة لزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فيما يأتي النقاط الرئيسة من أحدث تقرير لها، صدر في أغسطس 2021.
النشاط البشري على مدى مئة العام الماضية هو المسؤول عن ارتفاع درجات الحرارة
غيَّرت الأنشطة البشرية المناخ، وأدت إلى زيادة كبيرة في موجات الحر والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات. يقدِّر الباحثون أن انبعاثات غازات الدفيئة من أنشطتنا مسؤولة عن رفع درجات حرارة سطح الأرض بنحو 1.1°س فوق مستوى الفترة 1850-1900، علماً أن السنوات الخمس الماضية هي الأكثر سخونة على الإطلاق. إذا سُمح باستمرار هذا التوجُّه فمن المتوقع أن تصل درجة الحرارة العالمية أو تتجاوز خلال العشرين عاماً المقبلة حد 1.5°س من الاحترار المنصوص عليه في اتفاقية باريس Paris Agreement (وهي معاهدة دولية مُلزمة قانونياً بشأن تغير المناخ). قالت الرئيسة المشاركة لمجموعة عمل IPCC د. فاليري ماسون-ديلموت Valérie Masson-Delmotte: ”هذا التقرير هو تقييم لما عليه الحال في الواقع… لدينا حالياً صورة أوضح بكثير عن المناخ في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو أمر ضروري لفهم إلى أين نتجه، وما الذي يمكن عمله، وكيف يمكننا الاستعداد”.
تغيُّر المناخ يؤثر في كل منطقة
إذا أمكن إبقاء الاحترار العالمي عند 1.5°س، فستتواصل الزيادة في موجات الحرارة، جنباً إلى جنب مع مواسم دافئة أطول مدى ومواسم باردة أقصر مدى. ولكن إذا وصلت الزيادة في الحرارة إلى درجتين سيليزيتين، فمن المتوقع أن تصل درجات الحرارة القصوى في أكثر الأحيان إلى عتبات حرجة يمكن أن تسبب عندها مشكلات لها تداعيات خطيرة على الزراعة والصحة.
”العَقدان المقبلان حَرِجان بصورة خاصة“
قال بانماو تشاي Panmao Zhai ، الرئيس المشارك لمجموعة عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن ”تغير المناخ يؤثر بالفعل في كل منطقة على وجه الأرض بطرق متباينة. إن التغ اُّيت التي نشهدها ستزداد مع زيادة الاحترار“.
الأمر يتعلق بأكثر من مجرد ارتفاع درجات الحرارة
على الرغم من أن التركيز ينصب على زيادة درجات الحرارة، فإن تغير المناخ له تأثير كبير في الأنماط العالمية للأمطار والرياح والثلوج، مما يؤدي إلى هطل مزيد من الأمطار الغزيرة والفيضانات فضلاً عن فترات من الجفاف الشديد.
من المرجح، وفقاً للتقرير، أن يزداد هطل الأمطار في خطوط العرض العليا وينخفض في مناطق واسعة من المناطق شبه الاستوائية. من المحتمل أيضاً أن تحدث تغيرات محلية في فترة الرياح الموسمية. وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع فقدان الغطاء الثلجي الموسمي وذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية وفقدان الجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي.
قال أحد معدي التقرير البروفسور ريتشارد آلان Richard Allan ، من جامعة ريدينغ University of Reading : ”وجد التقرير أدلةً قويةً على أن الاحترار المناخي الذي يسببه البشر يؤدي إلى تكثيف دورة المياه العالمية، بما في ذلك قابليتها للتغير وخطورة الطقس شديد الرطوبة وشديد الجفاف والظواهر المناخية التي تؤثر في معظم المناطق“.
ويشير التقرير إلى أن أحداث مستوى سطح البحر المتطرفة التي حدثت سابقاً مرة كل 100 عام يمكن أن تحدث كل عام بحلول نهاية هذا القرن.
التدابير الحالية ليست كافية
يخلص التقرير إلى أنه ما لم تكن هناك تخفيضات فورية وواسعة النطاق في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن الحد من الاحترار إلى ما يقرب من 1.5°س أو حتى درجتين سيليزيتين سيكون بعيد المنال.
قالت إحدى معدي التقرير البروفسورة كورين لو كيري Corinne Le Quéré ، من جامعة إيست أنغليا East Anglia : “إذا كانت لا تزال هناك حاجة إلى إثبات أن تغير المناخ ناجم عن الأنشطة البشرية، فهذا هو التقرير الذي يوفر ذلك. إن التقرير يذهب إلى ما هو أبعد من التقييم السابق للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ للعام 2013 ، ويعالج معظم أوجه عدم اليقين الرئيسة لتقديم أوضح صورةٍ حتى الوقت الحالي عن تأثير الأنشطة البشرية في المناخ وظواهر الطقس المتطرفة”.
وأضافت: “لا يمكن أن تكون الرسالة أكثر وضوحاً. فما دُمنا نستمر في إصدار ثاني أكسيد الكربون، سوف يستمر المناخ في الاحترار، وسيتواصل اشتداد ظواهر الطقس المتطرفة- التي نراها حالياً بأعيننا. لحسن الحظ، نحن نعرف ما يجب فعله: التوقف عن إصدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.
ما زال هناك وقت للتحرك
لا يقتصر التقرير على نقل الأخبار السيئة؛ إذْ يمكن أن تؤدي التخفيضات الكبيرة والمستمرة في الانبعاثات على مدى العقود المقبلة إلى الحد من تغير المناخ، بل حتى استقرار درجات الحرارة العالمية.
قال أحد المؤلفين شاين ماكغريغور Shayne McGregor ، الأستاذ المساعد في جامعة موناش Monash University : “إن العَقدَين المقبلين حاسمان بصورة خاصة. سيتطلب الأمر جهوداً عالمية مستمرة ومتضافرة تستهدف التخفيضات السريعة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وغازات الدفيئة الأخرى للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5°س بما يتوافق مع اتفاقية باريس”.