من وبر الإبل إلى تقنية تبريد جديدة باستخدام الهلام
يسهل على الإبل ذات الوبر الحفاظ على برودة أجسامها. وقد مكّن هذا الاكتشاف غير المتوقع علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) من تطوير مادة تبريد جديدة يمكنها الحفاظ على أشياء مثل الأطعمة والأدوية مبرّدةً، من دون الحاجة إلى مصدر للطاقة.
تبرد الإبل (والحيوانات الأخرى، بما في ذلك البشر) جسمها عن طريق التعرُّق. وعندما ترتفع درجة حرارة جسمها الداخلية، تبدأ الغدد العرقية في الجلد بإفراز العرق. ويتموضع هذا الإفراز المالح فوق الجلد، ويؤدي اختلاف الرطوبة بينه وبين الهواء الصحراوي الجاف إلى التبخر؛ فيتحول العرق إلى بخار ماء يطرد الحرارة بعيداً عن الجسم ويبقي الجمل بارداً.
هذا، وقد مكنت دراسات سابقة لهذه العملية العلماءَ من تطوير مادة تبريد تحاكي الغدد العرقية. ويُستخدم في هذه المادة هلام مائي أو هَيدروجيل Hydrogel، وهو مادة هلامية مصممة لاحتواء كميات كبيرة من الماء. فقد مكنت طبقة واحدة من هذا الهيدروجيل من الحفاظ على برودة مادة أخرى عن طريق تحرير الماء بداخل الهلام على مدى نحو 40 ساعة. وبعد ذلك كان لا بد من إعادة ملئه بمزيد من “العرق”.
وقد توصل العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى طريقة لزيادة الوقت الذي يمكن للهيدروجيل أن يحافظ فيه على شيء ما بارداً من خلال محاكاة طريقة أخرى تستخدمها الإبل.
قال البروفيسور جيفري غروسمان Jeffrey Grossman، أحد كبار مؤلفي الدراسة: “أفاد علماء الحيوان أن الجمل مجزوز الوبر يحتاج إلى زيادة كمية الماء المستخدمة للتعرق بنسبة %50 في النهار مقارنةً بجمل يحتفظ بمعطفه الصوفي الطبيعي”.
وهذا يعني أن الجمل الذي فقد جزءاً من وبره كان عليه أن يتعرق أكثر ليحافظ على برودة جسمه. وبالمثل، فإن الهيدروجيل الذي لا تغطيه طبقة عازلة في الأعلى يفقد الماء أسرع من الهلام المغطى بطبقة تقوم بوظيفة “الوبر”.
ومن ثم، قرّر علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تصميم طبقة من “الوبر الاصطناعي” باستخدام هلام هوائي، أيروجيل Aerogel، يوضع فوق الهيدروجيل ويسمح لبخار الماء بالمرور عبره. وأوضح غروسمان: “من خلال محاكاة نظام الوبر/الغدد المزدوج لدى الإبل، صممنا طبقة ثنائية تتيح التبخر والعزل وتسمح، كما هي الحال في الإبل، بتمديد وقت التبريد بالتبخر السلبي مقابل مقدار ثابت من المياه المستهلكة”.
كان سمك طبقة الهيدروجيل/الأيروجيل الثنائية التي صممها فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أقل من 1.5 سم وكانت قادرة على الحفاظ على درجة حرارة أقل بمقدار °7س من محيطها لمدة 200 ساعة قبل أن تحتاج إلى “إعادة شحنها” بالماء. وهذه فترة زمنية أطول بخمس مرات مما توفره طبقة الهيدروجيل بمفردها.
وعلى عكس أنظمة التبريد التي تعتمد على مكيفات الهواء والتبريد، لا تستخدم الطبقة الثنائية [ص 23] هيدروجيل/أيروجيل الكهرباء، وهذا يجعلها أفضل لملايين الأشخاص حول العالم الذين لا يتوفر لديهم مصدر للطاقة.
قال المؤلف الرئيسي للدراسة د. جينغماو لو Zhengmao Lu: “نريدها تقنية صديقة للبيئة… بمجرد أن يجف الهيدروجيل تماماً، يمكن غمره بالماء – وليس بالضرورة في الماء النظيف – ليستعيد رطوبته ويمكن استعماله من جديد، للعديد من دورات التبريد”.
تكلفة تصنيع الطبقة الثنائية هي العقبة حالياً أمام قابلية إنتاجها على نطاق واسع. ولكن مع الأخبار التي تفيد بأن لقاح فيروس كورونا المستجد الذي أنتجته شركتا فايزر/بايونتِيك Pfizer/BioNTech يحتاج إلى حفظه في °70س تحت الصفر، صار الحصول على تقنية تبريد محمولة منخفضة التكلفة أمرا مطلوبا.
قال لو: “أحد أهم ما تعلمناه خلال هذا الدراسة هو فائدة إضافة العزل المسامي الذي أعتقد أنه يمكن أن يكون مفيداً لضبط درجة حرارة اللقاح أيضاً”. وأضاف: “من المُسلَّم به أنه، مع مجموعة المواد المتوفرة حاليا، لا يزال تبخر الماء هو الآلية الرئيسية للتخلص من الحرارة، ومن غير المرجح الوصول إلى درجات الحرارة المنخفضة هذه”.
قال لو إن حل المشكلة قد يكمن في الجمع بين الثلج الجاف والعزل المسامي، إذ “يفعل الناس ذلك إلى حد ما باستخدام حزم الثلج الجاف المتوفرة. وللوصول إلى درجات حرارة أقل من تلك التي نحتاج إليها لتحسين تصميم مادة العزل… قد يستغرق ذلك بضع سنوات من العمل”.