هذه الجينات لا تكذب
في كتابه الجديد، كيف تجادل شخصاً عنصرياً HOW TO ARGUE WITH A RACIST، يدحض د. آدم راذرفورد «الدليلَ» الذي يستخدمه الناس لتبرير معتقداتهم العنصرية.
آدم راذرفورد (AdamRutherford@)
عالم الوراثيات وكاتب ومذيع.
يقدم مجلة BBC Radio 4 الأسبوعية الرائدة “داخل العلم” Inside Science، ويشارك في عرض الحالات الغريبة لراذرفورد وفراي Curious Cases Of Rutherford & Fry مع الدكتورة هانا فراي Hannah Fry.
أجرت المقابلة مساعدة تحرير BBC Science Focus إيمي باريت Amy Barrett.
ما الذي دفعك إلى كتابة هذا الكتاب؟
تلتقي في هذا الكتاب ثلاثة أمور مهمة في حياتي الشخصية والمهنية. الأول هو أنني اختصاصي بعلم الوراثة، لذلك أنا مهتم بالتنوع البشري، وهو الأساس الذي استمديت منه الأوصاف التاريخية للعِرق.
الأمر الثاني هو أنني قضيت حياتي المهنية بأكملها في جامعة يونسفيرسيتي كوليدج لندن (UCL) التي هي، من نواحٍ كثيرة، موطن علم الوراثيات البشرية. وعملت في مختبر غالتون Galton Laboratory الذي سُمِّي على اسم فرانسيس غالتون Francis Galton. وكان غالتون الأب المؤسس لكل من علم الوراثة البشرية و الوراثة الإحصائية، وكذلك لعلم تحسين النسل Eugenics أيضاً وبعض الأفكار الفظيعة الأخرى.
الأمر الثالث هو أنني مختلط العرق؛ فخط سلالتي من جهة الأم من أصل هندي، هاجر عبر عقد عمل مُلزِم – وهو شكل من أشكال العبودية – إلى غيانا. ولم يؤثر ذلك تأثيرا كبيراً من حياتي الشخصية، لكن حالياً، وفي هذا الوقت من القرن الحادي والعشرين حيث يبدو لي أن المناقشات حول العِرق وعلم الوراثة والقومية تأخذ حيزاً أكبر، أعتقد أنه يمكن القول إنّ هناك استقطاباً لعلم الوراثيات السكانية المعاصرة Contemporary population genetics.
كان من المحتم أن أكتب مثل هذا الكتاب، وأعتقد أن نشره مناسب الآن أكثر من أي وقت مضى.
ما الذي يشير إليه «الاختلاف البشري» وكيف يرتبط مع مصطلح العِرق؟
هذه منطقة معقدة، وتاريخياً، كنا مقتِّرين جدّاً في محاولة فهم الاختلاف البشري Human variation. ناقش الناس عبر العصور القديمة كيف نختلف في جميع أنحاء العالم، منذ أن وُجد البشر. ولا شك في أن الناس يختلفون في مظهرهم وتصرفاتهم عن بعضهم بعضاً.
في نحو القرن الخامس عشر انتقلت هذه المناقشات لتصير محاولات تطرح في المحافل الرسمية لتحديد الفروق بين مجموعات السكان التي قابلها الأوروبيون أثناء غزوهم القارات الأخرى. وفي حين أنه، من الناحية التاريخية، يمكننا تجميع الأشخاص حسب الميزات الظاهرية مثل لون البشرة أو الهيئة الخارجية الأساسية، يوضح علم الوراثيات أن الصورة أكثر تعقيداً بكثير.
ما أكبر المفاهيم العلمية الخاطئة حول العِرق؟
إن أحد المفاهيم الخاطئة الكبيرة فعلاً هو مفهوم النقاء العرقي Racial purity. نشهد في المملكة المتحدة عودةً إلى اليمين المتطرف. وفي جميع أنحاء العالم يُبدي النازيون الجدد ومؤيدو تفوق العرق الأبيض هوساً بعلم الوراثيات واختبارات النسب. وتفوق العرق الأبيض يعتمد على فكرة نقاء البيض أو سكان شمال أوروبا.
وبصرف النظر عن حقيقة أن علم الأحياء رفض فكرة العِرق كمصطلح علمي ذي معنى، فإن فكرة أنه قد يكون هناك نقاء عرقي هي مجرد فكرة منافية للتاريخ والعلم، إنها هراء مطلق.
لقد نشأت بصورة غريبة صناعة اختبار النسب هذه، وأعتقد أن هذه الفحوصات تضخم الإحساس بوجود نوع من الأصول الجينية التي قد ترتبط بالانتماء إلى أمة ما. وأن تكون قادراً على الادعاء بنوع من الانتماء الفضفاض إلى جماعة اضمحلت منذ زمن طويل مثل الفايكنغ هو أمر لا ضرر فيه، لكنه موقف لا معنى له من الناحية العلمية. وما يقلقني هو أنها عملياً المزاعمُ نفسها التي يستخدمها من يزعمون تفوق العرق الأبيض الذين يُجرون اختبار النَّسَب الجيني كدليل على الجوهرية البيولوجية Biological essentialism.
أنت تربط هذا بعالم الرياضة، وكيف غذّت «وقائع» من تاريخ الرياضة التحيّز.
ضمن حدود عالم الرياضة نرى اختلافات إقليمية في النجاحات. وقد أتطرق إلى مثالين هما: سباق 100 متر في الألعاب الأولمبية، والجري لمسافات طويلة. ولم يصل رجل أبيض إلى نهائيات المئة متر منذ عام 1980. وقد فاز الكينيون والإثيوبيون بكل سباقات الماراثون الطويل والمتوسط لعدة سنوات. وإذا تمعَّنت بهذه النتائج ستفكر في أنه لا بد أن يكون فيها شيء ما. فالرجال السود أفضل في العدو، وسكان شرق إفريقيا أفضل في الجري لمسافات طويلة. والمشكلة هي أن مجموعة البيانات ضئيلة جدّاً. فقد تنافس 58 رجلاً في نهائي 100 متر منذ عام 1980، وهي عينة صغيرة جداً.
الشيء الثاني هو أنَّ هؤلاء الرياضيين يمثلون نخبة ويعبرون عن أقصى ما وصلت إليه القدرات البشرية، ومن ثمَّ لا يمثلون السكان الذين نشؤوا منهم. ولو كان النجاح في بعض الألعاب الرياضية لا يُحدد في الأساس وفقاً للعوامل الثقافية؛ لتوقعت أن ترى هؤلاء الأشخاص أنفسهم المتفوقين في المسابقات الرياضية التي تتطلب طاقة متفجرة يفوزون في جميع الألعاب الرياضية، إذ سيؤهلهم هذا النوع البيولوجي لتحقيق النجاح. وبالمثل، لنأخذ السباحة القصيرة. في الفترة نفسها التي لم يكن فيها رجال بيض يخوضون مسابقة المئة متر، كم هو عدد السود الذين شاركوا في نهائيات السباحة الحرة لمسافة 50 متراً في الألعاب الأولمبية؟ واحد. حصل كولين جونز Cullen Jones على الميدالية الفضية في عام 2012 في أولمبياد لندن. لذلك، لا شيء من هذه الأرقام منطقي.
وكل هذا يتناسب مع صورة يشاهد فيها أشخاص غير عنصريين الألعاب الأولمبية ويعلقون قائلين: «لقد فاز يُوسَين ُبولت Usain Bolt مرة أخرى، إنه أسرع رجل خُلق على وجه الأرض»، وهذا صحيح على الأرجح، «لأن هذا في جيناته، لأنه وَرِثَه عن أسلافه». وإحدى العبارتين صحيحة جزئياً، والأخرى ليست كذلك. لذلك، عندما يقول شخص ما، «حسناً، كما تعلمون، السود أفضل في الركض» أريد [من خلال كتابي] أن يكون الناسُ مُهيئين للرد على ذلك بالقول: «حسناً… لا».
الكثير مما نستخدمه اليوم يأتي من العنصريين. هل يمكن أن يتخلص العلمُ من العنصرية؟
هذا سؤال رائع يأمل المرء أن يجيب عنه بكل ثقة بـ«نعم». أعتقد أنه من المعقول تماماً وضروري في الواقع أن نعرف تاريخنا وأن نكون صادقين تماماً بشأنه. وعلم الوراثة يدعم نوعاً ما جميع العلوم البيولوجية حالياً. وترتبط أسس مجال عملي ارتباطاً وثيقاً بالعنصرية والعرق. وإذا نسينا ذلك، فنحن في خطر تكرار تلك الأخطاء.
قال نيوتن: «إننا نقف على أكتاف العمالقة»، وهذا صحيح تماماً؛ لكننا نقف أيضاً على أكتاف أقراننا. وعلينا أن نتذكر أن بعض هؤلاء العمالقة عاشوا أيضاً في عصور كانت فيها الأعراف الاجتماعية مختلفة والعنصرية هي القاعدة. ومن المهم أن تتذكر أنه يمكن للعلماء أن يكونوا أناساً سيئين أيضاً.