هـل يمـكنـك تغييرُ مهـنـتـك في الثلاثينات من عمرك؟
دفعت أحداث العام 2020 كثيرين إلى إعادة التفكير في حياتهم المهنية. تُقدم اختصاصية علم النفس المهني بعض النصائح حول كيفية تحقيق هذا الانتقال.
أظهر استطلاع حديث أجرته شركة أفيفا Aviva أن %60 من العاملين في المملكة المتحدة يخططون لإجراء تغييرات في حياتهم المهنية. يرغب البعض في العثور على عمل يساعد الآخرين، أو يحقق لهم دخلاً من هواية، أو يكون أكثر مرونة. وقال الأشخاص في الفئة العمرية من 25 إلى 34 عاماً إنهم يرغبون على الأرجح في الحصول على إعادة تدريب لمتابعة مسار وظيفي مختلف تماماً عن مسارهم الحالي. لقد ازدادت هذه الأرقام منذ بدء الجائحة.
كان مكان العمل يمر بالفعل بفترة من الاضطراب، إذ يشعر كثير من العاملين والمؤسسات بتأثير التكنولوجيا الجديدة والتغيرات الديموغرافية والقرارات السياسية وتغير المناخ. وجاءت الجائحة بمزيد من الزعزعة، وأثارت مزيداً من عدم اليقين، وفي الوقت نفسه وفرت فرصة لمراجعة الاتجاه الوظيفي.
تؤكد البروفِسورة هيرمينيا إيبارا Herminia Ibarra، من كلية لندن للأعمال London Business School، أن التغيير الذي يسعى إليه كثيرٌ من الناس هو تحول أساسي في هوية العمل، وهذا يتطلب اتباع نهج ”الاختبار والتعلم“ Test-and-learn بدلاً من نهج ”التخطيط والتنفيذ“ Plan-and-implement. يظهر بحثها أن الانتقال الوظيفي يستغرق في المتوسط ثلاث سنوات. ويكون أكثر نجاحاً عندما يكتسب الأشخاص خبرات جديدة يبنون عليها قراراتهم بدلاً من محاولة التفكير في الأمر من الناحية النظرية قبل الانتقال إلى الفعل. يتطلب هذا شجاعةً ويحتاج إلى دعمٍ لعبور فترة العتبة ”الحدية“ ”Liminal “period الصعبة لكن المجزية بين الماضي الذي لم يعد مناسباً والمستقبل الغامض. يمكن أن يكون الأمر على حد سواء مثيراً للحماسة ومخيفاً. إنه ليس بالأمر السهل.
بادر بالتغيير
أدت الولادات الصعبة إلى جعل سارة (وهي محاسبة قانونية تغير مهنتها لتعمل ممرضة مسجلة في سن 36 عاماً) على اتصال وثيق مع المهنيين الصحيين. تعلمت ما تنطوي عليه وظائفهم، وألهمها ذلك لإجراء تغيير أدى إلى توليها عملاً أثر مباشرةً في حياة الناس. على مدار العشرين عاماً التالية، تقدمت في عملها لتصير مدرِّسة لطلبة التمريض ولقيادة أبحاث تهدف إلى تحسين الرعاية الصحية للأشخاص المصابين بالخرف.
مارَس جون (وهو مهندس معماري صار مؤلفاً لكتب الأطفال في سن الـ 30 عاماً) الكتابةَ مدة خمس سنوات جنباً إلى جنب مع مهنته الأولى. عندما جرى تسريحه من العمل، قرر هو وعائلته أن يمنح نفسه سنة للتركيز على الكتابة بدوام كامل كتجربة جادة، ونجح الأمر. حالياً وهو في الخمسينات من عمره، يكسب رزقه من الكتابة منذ ذلك الحين.
من واقع خبرتي، بصفتي اختصاصية في علم النفس المهني تُوفر الدعم لمن يمرون بمثل هذا التغيير، أجد أن الدافع هو العنصر الأساسي الذي يتيح النجاح. يجد الناس طرقاً لفعل الأشياء التي يريدون حقاً فعلها، على الرغم من الخوف والحواجز المتصورة. ”العمل“ مهم. فالتغيير الوظيفي يمكن أن يتعثر عندما يَعْلَق الناس في تهيؤاتهم خلف مكتبهم، محاولين وضع استراتيجية آمنة تجنبهم الفشل قبل اكتساب أي خبرة في العالم الحقيقي.
قبل الانتقال إلى الوظيفة الجديدة، هناك تجارب يمكنك الاضطلاع بها، مثل الدورات المسائية والعمل التطوعي والعمل خلال العطلات وتتبُّع مهني خلال عملك. فكِّرْ فيمن تحتاج إلى مساعدته، وما أنت مستعد لأن تفعله، من أجل إجراء التغيير. ضع في اعتبارك ما يمكنك الاستغناء عنه، على الأقل فترة مؤقتة؛ وما العائد العاطفي لك ولعائلتك؟
تعرَّض آندي (وهو مهندس معتمد تحول للعمل كسبَّاك ومركب للأجهزة التي تعمل بالغاز في سن 35 عاماً) لحادث في أثناء التسلق وفقد البصر في إحدى عينيه. يقول: ”أدركت أنني لست منيعاً. وبدأت أفكر في كيفية قضاء أيامي المتبقية من حياتي. العمل في مكتب لم يكن مناسباً لي وربما لم يكن كذلك في الأساس. حان وقت المغادرة“. أعطت الجائحة كثيراً من الناس فرصة مماثلة للتفكير. يقول آندي إن إعادة تدريبه كانت ”قفزة في المجهول“ لكنه حصل على دعم زوجته بالكامل، وهو ليس نادماً.
غيرتْ جيل (من مديرة تنفيذية للتسويق إلى معلمة في مدرسة ابتدائية في سن 39 عاماً) اتجاهَها الوظيفي بعد إنجاب أطفالها. بمجرد أن اتخذت قرارها، كان تصميمها ودافعها في أعلى مستوى على الإطلاق، مما سمح لها بتحديد الأولويات بصورةٍ فعالةٍ في أي ساعات متاحة. إضافة إلى ذلك، منحتها خبرتُها في مجال الأعمال مهارات قيِّمة في إدارة المشروعات والاتصال.
لقد تعلمتْ من خلال العمل مع عدد كبير من الأشخاص أن لا شيء يضيع من ناحية الخبرة السابقة. كل ذلك يغذي الوظيفة الجديدة، وفي كثير من الأحيان بطرق مفاجئة. لم يمثل العمر عائقاً أمام أي شخص سألتْه أو عملَتْ معه. عادة، كانت تجربتهم ميزة أكثر من أن تكون نقصاً.
التغيير الوظيفي ممكن. لكنه أمر يتطلب الشجاعة والدعم والتجريب، ونادراً ما يحدث بين عشية وضحاها. ستكون هناك انتكاسات وكذلك إنجازات. لكن الجائحة أوضحت أن الحياة ثمينة وقصيرة، وأن هناك كثيراً مما يجب فعله في عالمنا غير المستقر. والوقت الحالي يمكن أن يكون الوقت المناسب لذلك.