أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Uncategorised

هل الكرياتين هو المُكمل الوحيد المفيد حقاً؟

تزعم كل المُكملات الغذائية أنها تحتوي على عناصر ومغذيات مفيدة للجسم. لكن الاختبارات تقترح أن الكرياتين مفيد بالفعل. وقد تكون له فوائد للدماغ أيضاً.

تذكَّر ضرورةَ استشارة طبيبك قبل إضافة أي مكملات إلى نظامك الغذائي
أو الشروع في برنامج جديد للتمارين الرياضية
جيمس ويتس James Witts

الكرياتين Creatine من المواد المفضلة عند مختلف الرياضيين، من لاعبي كمال الأجسام إلى لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز. حتى نجوم هوليوود، أمثال راين رينولدز Ryan Reynolds ومارك والبيرغ Mark Wahlberg، يُعرف أنهم يتناولونه قبل الظهور أمام الكاميرا كي يبدوا بجسم عضلي ممشوق. ونظراً إلى الفوائد التي يُقال إنها تساعد على تقوية العضلات، يُعد الكرياتين أحد المكملات الغذائية الأكثر استخداماً في السوق.

ولكن لماذا؟ ماذا يفعل الكرياتين في الواقع؟ كيف يعمل وما الذي يجعله أحد المُكملات الغذائية القليلة التي يبدو أنها تُحدث فرقاً حقيقياً، في حين أن عديداً من المكملات الأخرى لا توفر لنا أي شيء لا يمكن أن نحصل عليه من طعامنا؟ والسؤال الذي يطرح نفسه أيضاً لماذا قيل فجأةً إن هذا المكمل الغذائي، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحسين الوظائف الجسدية، له فوائد أيضاً للدماغ؟

ماذا يفعل الكرياتين؟
الكرياتين ليس عنصراً جديداً؛ فالرياضيون يستخدمونه منذ عشرات السنين. وصفه لاعب كرة القدم إيان رايت Ian Wright ذات يوم بأنه ”دواء عجيب“، كما أشاد به نجما سباقات السرعة والحواجز البريطانيان لينفورد كريستي Linford Christie وسالي غونيل Sally Gunnell.

تعود فوائد الكرياتين إلى أساسيات علم الفسيولوجيا الرياضية Exercise physiology، وهي دراسة كيف يستجيب الجسم للتدريب والتمارين الرياضية. والكرياتين مكوَّن طبيعي نجده في العضلات والدماغ، يزيد من مستويات الفسفوكرياتين Phosphocreatine الذي يساعد على إنتاج ثلاثي فوسفات الأدينوزين Adenosine Triphosphate (اختصاراً: الجزيء ATP). يوفر الجزيء ATP الطاقة التي تحتاج إليها العضلات للانقباض. يُنتَج الكرياتين في الجسم (ننتج منه نحو 1-2 غرام يومياً) ويُستهلك في نظامنا الغذائي، ولكن ليس بمستويات كبيرة.

يقول د. مارك فيل Marc Fell، أخصائي التغذية والمسؤول العلمي لفريق Ineos Grenadiers المحترف لسباق الدراجات: ”تدعم مخزونات الفوسفوكرياتين في العضلات أداء تمارين تتطلب أعلى مستوى من الجهد لنحو 5 إلى 10 ثوانٍ [أنشطة رياضية أو حركية تستغرق وقتاً قصيراً جداً، لكنها كثيفة وتتطلب كثيراً من الجهد، مثل رفع الأثقال أو الجري السريع لمسافة قصيرة]“. لذلك فإن زيادة كمية الكرياتين من خلال المكملات الغذائية، تعني أن يبدأ الجسمُ التمرينَ ولديه مخزون كامل من الفوسفوكرياتين، وأن يحافظ على هذا المخزون في أثناء التمرين.

”يوجد الكرياتين عادةً في اللحوم الحمراء والمحار، ولكن بكميات صغيرة فقط. ولهذا تحظى مكملات الكرياتين بشعبية كبيرة، فهي طريقة أسهل لزيادة مخزونات الكرياتين في العضلات في إطار زمني سريع نسبياً“.

كشفت مراجعة بحثية أجريت في العام 2003 أن 500 دراسة تناولت الكرياتين حتى ذاك التاريخ. وخرجت 70% من تلك الدراسات بنتائج ذات دلالة إحصائية Statistically significant، في حين خلصت الدراسات المتبقية إلى ”مكاسب غير ذات دلالة إحصائية في الأداء“. ولكن ما هذه ”المكاسب“ بالضبط؟

”نظراً إلى أن الكرياتين على صلة بنظام الطاقة الذي يوفر الطاقة للعضلات فوراً وعلى أسرع وجه، فهو مفيد خاصةً للرياضيين الذين يمارسون رياضة الجري السريع، ويتدربون على رفع الأثقال. إنه يساعدهم على زيادة كتلة العضلات وتقويتها“، يقول فيل.

ما مقدار هذه الزيادة؟ أظهرت دراسة أُجريت في العام 1999 زيادة بنسبة %32 في الوزن المرفوع مقارنة بمجموعة تناولت مركَّباً وهمياً (غفلاً) Placebo خلال فترة تدريب مدتها 12 أسبوعاً. وفي الوقت نفسه، أظهر بحث أُجري في العام 2017 زيادة في كتلة العضلات بنسبة 7.2% على مدى ثمانية أسابيع.

يبدو الأمر رائعاً، أليس كذلك؟ ولكن لا يمكن للجميع أن يتوقعوا الحصول على النتائج نفسها. يقول فيل: ”يحصل الرياضيون الذين يمارسون رياضات التحمل [يبذلون جهوداً أقل كثافة على فترات أطول]، على فوائد أقل لدى تناوُل مكملات الكرياتين، ولكن يمكنهم تحسين النتيجة إذا اتبعوا أيضاً تدريبات متكررة قصيرة وعالية الشدة“.

كيف يمكن للكرياتين أن يساعد دماغك؟
لكن ماذا لو لم يكن الهدف تسجيلَ أرقام قياسية جديدة في صالة الألعاب الرياضية أو مضمار ألعاب القوى؟ هل للكرياتين أي استخدامات للأشخاص ”العاديين“؟ الواقع أنه يمكن الحصول منه على فوائد. تقترح الأدلة المتراكمة أن مكملات الكرياتين يمكن أن تفيد الدماغ أيضاً. وبطريقة مماثلة للفوائد التي توفرها للجسم، من خلال تمكيننا من الحصول على مزيد من الطاقة عندما تشتد الحاجة إليها.

وهذا مهم لأن الدماغ عبارة عن آلة تستهلك كثيراً من الوقود، فهو يحرق 20% من الطاقة التي نحتاج إليها لعملياتنا الوظيفية في أثناء الراحة، على الرغم من أنه لا يمثل سوى نحو 2% من كتلة الجسم.

”يمكن أن تؤدي الجرعات العالية من مكملات الكرياتين اليومية إلى تحسين الوظائف الإدراكية، مثل الذاكرة“

يقول فيل: ”الأبحاث في هذا المجال ما زالت في مراحلها الأولى، لذا من الصعب الخروج منها باستنتاجات. ومع ذلك فإن تناوُل جرعات عالية من مكملات الكرياتين يومياً يمكن أن يحسِّن الوظائف Cognitive functions، مثل الذاكرة وسرعة الاستيعاب وتنفيذ المهارات التنفيذية والرياضية“.

”إضافةً إلى ذلك، تقترح البيانات الأولية أيضاً أن الكرياتين لديه بعض القدرة على تحسين التعافي بعد الإصابة بارتجاج عند الشباب“.

جوليا فابيان ساندكوهلر Julia Fabienne Sandkühler طالبة دكتوراه من جامعة بون University of Bonn، في ألمانيا شاركت في دراسة أُجريت في العام 2023 تتقصى تأثير مكملات الكرياتين في الأداء الإدراكي. وفي حين أنها قاست تحسنات صغيرة في الإدراك بوجه عام، تقترح أن فئات محددة يمكن أن تستفيد منها على نحو أكبر.

تقول: ”الأشخاص الذين يعانون متلازمات نقص الكرياتين في الدماغ يحصلون على فوائد معرفية كبيرة تدعمها الأبحاث نتيجة تأثير مكملات الكرياتين. الحالات المؤدية إلى نقص الكرياتين في الدماغ تنتج عنها إعاقة فكرية شديدة يمكن عكسُ مسارها من خلال مكملات الكرياتين“.

تضيف ساندكوهلر: ”هناك أيضاً أدلة على أن مستويات الكرياتين في الدماغ يمكن أن تنخفض مع التقدُّم في العمر. يحدث هذا لمستويات الكرياتين في العضلات، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا نتيجة للشيخوخة أو لأسباب أخرى، مثل الأنظمة الغذائية المتبعة أو قلة النشاط البدني“.

هل نحتاج إلى تناول الكرياتين؟
هناك مئات الدراسات التي تُظهِر أن الكرياتين يمكن أن يعزز القوة والطاقة، وتتوافر قاعدة من الأدلة المتراكمة التي تشير إلى أنه يمكن أن يفيد الدماغ، ولكن ما الكمية التي يتعين علينا تناولها؟ يقول فيل: ”توجد خيارات مختلفة [إذا كنا نبحث عن تحسين الأداء البدني] وستعتمد على السرعة أو الفترة التي نرغب خلالَها في زيادة مخزون الكرياتين لدينا“.

”أحد الخيارات هو البَدء بجرعة ’تحميل‘ Loading dose مقدارها 20 غراماً من الكرياتين يومياً (مقسمة إلى 4 جرعات كل منها 5 غرامات) لخمسة أيام، تليها جرعة صيانة يومية تتراوح من 3 إلى 5 غرامات. أو ببساطةٍ: تناوُل جرعة صيانة مطولة مقدارها 5 غرامات يومياً. والأساس هو الالتزام بتناوله يومياً“.

ترتفع الجرعة إلى نحو 10 غرامات يومياً للحصول على فوائد معرفية محتملة نظراً إلى صعوبة عبور حاجز الدم في الدماغ. إذا قررتَ أن تجرب ذلك، فاستخدِمْ أحادي هيدرات الكرياتين Creatine monohydrate، فهو الأكثر فعاليةً، وتناولْه مع الماء.

الكرياتين له فوائد عند استخدامه على نحو صحيح، ولكن ما عيوبُه؟ يقول فيل: ”إن لهذه المكملات بعض الآثار الجانبية، وأكثرها شيوعاً هو زيادة الوزن التي تحدث لأن الكرياتين يسبب احتباس الماء في العضلات الذي يمكن أن يصل إلى 1-2 كغم (2-4 رطل)، اعتماداً على الجرعة. يختلف هذا الأمر من شخص إلى آخر، ولا يحدث لدى الجميع، إضافةً إلى أن هذا الأمر يستقر في كثير من الأحيان بسرعة كبيرة“.

”ومع ذلك فإن احتباس الماء ليس التأثير السلبي الوحيد المرتبط بالكرياتين. فاستخدامه على نطاق واسع يعني أن صلةً أقيمت بينه وبين مجموعة من التأثيرات السلبية الأخرى“

ومع ذلك فإن احتباس الماء ليس التأثير السلبي الوحيد المرتبط بالكرياتين؛ إذ إن استخدامه على نطاق واسع يعني أن صلةً أقيمت بينه وبين مجموعة من التأثيرات الضارة الأخرى. لكنْ، بعدَ الكافيين، ربما يكون الكرياتين هو المكملَ الغذائي الذي شمله أكبر عدد من الدراسات على هذا الكوكب، وتناولت مراجعة أُجريت في العام 2021 الآراءَ الشائعة المحيطة بالآثار الجانبية المحتملة لمكملات الكرياتين.

مثلاً: الكرياتين يسبب تلف الكلى. وفقاً للمراجعة: ”عند تناوله

هناك أدلة متزايدة على أن الكرياتين يمكن أن يفيد وظائفنا الإدراكية مع تقدُّمنا في السن

بالجرعات الموصى بها، لا يسبب الكرياتين تلف الكلى“. الكرياتين يسبب تساقط الشعر: ”لا تشير الأدلة الحالية إلى أن مكملات الكرياتين تُسبب تساقطَ الشعر أو الصلعَ“. هل يسبب الكرياتين تقلصات عضلية؟ ”لا“. هل يزيد من كتلة الدهون؟ ”لا“. وهكذا دواليك، ولكن مع التذكير بأنه ليس ضاراً ”عند تناوله بالجرعة الموصَى بها“.

وللكرياتين بعضُ المزايا، خاصةً لدى من يسعَون إلى زيادة سرعتهم في الجري أو زيادة القدرة على رفع الأوزان الثقيلة. وعندما يتعلق الأمر بالدماغ تتزايد الأدلة على أنه قد يساعد على التفكير على نحو أوضح وسرعة تذكُّر الأشياء، وإن قل تأثيره عندما نتعرض لكثير من الضغوط العقلية أو مع التقدُّم في السن. ومع ذلك يأتي كل ذلك مع التشديد على عبارة ”عند تناوُلِه بالجرعة الموصى بها“، لأنه لا يمكن أن ننسى أن الكرياتين مكمل غذائي، وهو مادة سنحصل على ما يكفي منها على الأرجح إذا كنا نتمتع بصحة جيدة ونتبع نظاماً غذائياً متوازناً.


جيمس ويتس (@james_witts)
جيمس كاتب مستقل في مجال العلوم الرياضية، ورئيس تحرير مجلة 220 Triathlon سابقاً، ومؤلف كتاب رحلة مع رجال الصواريخ Riding with the Rocketmen (منشورات: Bloomsbury)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى