أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

هل تدمر وسائل التواصل الاجتماعي الطفولة؟

يقول البروفيسور بيت إيتشلز إننا قد نميل إلى الظن بأن حياتنا الرقمية على تيكتوك TikTok وإنستغرام Instagram وسناب تشات Snapchat بها مشكلة، ولكن ربما يحدث ذلك في الواقع أيضاً.

البروفيسور بيت إتشلز Prof Pete Etchells
الرسوم التوضيحية: سام بريستر

ما الذي نعرفه حقاً عن العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وصحة المراهقين العقلية Mental health؟ طرحتُ السؤال لأن ابنتي سألتني إذا كان في إمكانها الحصول على هاتفها الخاص. هي في الثالثة من عمرها، لهذا فوجئت بطلبها بعض الشيء. لم أكن أتوقع أن أجري مثل هذه المحادثة معها قبل أن تصير مراهقة.

قلت لها: ”أنت صغيرة جداً حتى تحصلي على هاتف. لماذا تريدين واحداً؟“.

لم يكن هناك سبب واضح يمكن أن أتوقعه، باستثناء تدفق جميل من الوعي بأن إحدى صديقاتها في الحضانة لديها صديقة في المدرسة تبلغ من العمر أربع سنوات ولديها هاتف، ولأن بلوغ سن الثالثة يجعلها قريبة من بلوغ سن الرابعة، فهي يمكن أن تحصل – ابنتي – على هاتف. شرحتُ لها بلطف أنه شيء يمكن أن نتحدث عنه عندما تكبرين قليلاً، وعلى الرغم من عدم رضاها بإجابة عنت في الأساس ”لا“، فإنها تركتني لتبدأ مغامرتها التالية في ذلك اليوم.

تركت تلك المحادثة لديَّ شعورين. أحدهما الشعور بنوع من الارتباك – ما نوع الهاتف الذي كنا نتحدث عنه؟ لقد افترضت أنه هاتف ذكي وانشغل تفكيري بالبحث عن السبب الذي يمكن معه أن يحتاج طفل في الرابعة من العمر إلى واحد. لكن ربما كنا نتحدث آنفاً عن لعبة، وفي هذه الحالة كان لدى ابنتي عديد من الهواتف في الواقع، إذا شمل ذلك أشياء مثل الموز والأقلام ورأس الدش في الحمام.

الشعور الآخر كان بعدم الارتياح. تُعَد التكنولوجيا الرقمية جزءاً ضرورياً من حياتنا، الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى ألعاب الفيديو هي الطرق الأساسية التي نتفاعل من خلالها مع الناس ونتواصل معهم. وعلى الرغم من أنه من المحتم أن ينضم أطفالنا إلى ذلك الفضاء الرقمي، فإن هذه التقنيات بالنسبة إلى كثيرين منا حافلةٌ بالأسرار وبالمجهول مثل صندوق باندورا الأسطوري؛ هناك شيء ما فيها يجعلنا نشعر بالسوء، ومن ثم فإن إتاحة الوصول إليها، مع أنها قد تعود ببعض الفوائد، تبدو مثل كارثة مُتوقعٍ حدوثُها في أي وقت.

ما يغذي هذه المخاوف جزئياً هو المقالات الإخبارية التي تنهال علينا من كل حدب وصوب لتسلط الضوء على الآثار الضارة التي تحدثها التقنيات الرقمية فينا. لكن مثل هذه المقالات تنسجم مع تجربتنا الخاصة، لأننا مررنا جميعاً بأيام سيئة على الإنترنت. من السهل – وهو مفهوم – أن نشعر بأن تقنيات الشاشات لا تضع رفاهنا Wellbeing في صميم غاياتها.

”على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، سُجلت زيادة ملحوظة في مشكلات الصحة العقلية لدى المراهقين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة“

وما يعزز هذا الشعور بعدم الارتياح هو أن هناك بعض الأسباب الحقيقية للقلق بشأن الصحة العقلية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأطفال والمراهقين. ومن خلال مجموعة من الدراسات العلمية الحديثة تبدو الاتجاهات واضحة: على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، سُجلت زيادة ملحوظة في مشكلات الصحة العقلية لدى المراهقين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

مثلاً أظهرت دراسةٌ أُجريت في العام 2021 على بيانات المرضى مما يقرب من 2.5 مليون مراهق في المملكة المتحدة أن معدلات القلق والاكتئاب تتزايد، في كل فئة عمرية تقريباً، مع زيادة ملحوظة بنحو خاص في معدلات اضطراب القلق لدى الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 13 و19 عاماً، وهي زيادة يبدو أنها بدأت نحو العام 2012. كما يشير مزيد من البيانات – من دراسة مسح سلوك الشباب Youth Risk Behaviour Survey (اختصاراً: المسح YRBS) في الولايات المتحدة – إلى مخاوف مماثلة: في المتوسط كانت هناك زيادات مطردة في كل من الاكتئاب وخطر الانتحار منذ العام 2011، مع زيادة ملحوظة في ذلك لدى الفتيات أكثر من الفتيان. يبدو أن شيئاً مقلقاً يؤثر في الصحة العقلية للمراهقين.

ما السبب وراء ذلك؟
إن محاولة تحديد السبب وراء هذه المشكلات بدقة ليس بالأمر السهل، ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية، ركز عدد من علماء النفس والصحافيين على التكنولوجيا الرقمية – وعلى وجه الخصوص، وسائل التواصل الاجتماعي – باعتبارها العامل الدافع وراء ذلك.

ولعل أبرز مثال على ذلك كان في العام 2017، عندما اقترحت عالمة النفس د. جين توينغ Jean Twenge، في مقال نُشر في مجلة ذ آتلانتيك The Atlantic، أن النقاط التي نبدأ نرى فيها ارتفاعاً حاداً في المقاييس المختلفة التي تؤشر إلى زيادة اضطرابات الصحة العقلية يبدو أنها تتزامن مع ظهور التليفون iPhone، نحو العام 2007. إنه تفسير مقنع: إذا وضعت رسماً بيانياً، مثلاً، يتضمن النسبة المئوية للمراهقين الأمريكيين الذين يوافقون على عبارة ”أشعر في أكثر الأحيان بأنني مستبعد أو مرفوض“، ثم رسمت خطاً عمودياً يتقاطع مع العام 2007، فإن البيانات تبدو ثابتة إلى حد ما قبل تلك النقطة، ثم تقفز بعد ذلك. وينطبق الشيء نفسه بوجه عام على عبارات أخرى مماثلة، وكذلك على درجات الاكتئاب العامة.

كانت المقالة التي تحمل عنوان ”هل دمرت الهواتف الذكية جيلاً بكامله؟“ Have smartphones destroyed a generation، واحدة من أكثر مقالات الرأي العلمية انتشاراً في ذلك العام وكان لها تأثير فاعل في النقاش الأوسع حول العلاقة بين التكنولوجيا الرقمية والصحة العقلية منذ ذلك الحين. كان تأثيرها قوياً إلى درجة أننا قرأنا رأياً مماثلاً في جريدة فاينانشيال تايمز Financial Times أخيراً على الرغم من أن العنوان كان أوضح هذه المرة (”الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي تدمر الصحة العقلية للأطفال“ Smartphones and social media are destroying children’s mental health)، وفيه قُسمت الرسوم البيانية لخطوط الاتجاه إلى ما قبل وما بعد العام 2010 الذي سُمي بنحو فضفاض بـ”حقبة الهواتف الذكية“ The smartphone era.

تصعيد التحيُّز
العناوين المخيفة مثل هذه غير مفيدة لسببين. الأول هو عدم الاتساق في نتائج الأبحاث، إذْ لا نعرف ما إذا كانت المخاوف التي تثيرها متناسبة أو موجهة بقدر مناسب. والثاني أنها تخاطر بتأجيج ما يسميه الباحثون ”تأثير التأثير المُفتَرض“ The influence of presumed influence (أي، لأننا نتعرض بنمط متكرر لقصص إخبارية تخبرنا أن الشاشات سيئة، يصير هذا الافتراض هو الذي يدفع سلوكياتنا ومواقفنا تجاهها وربما ردودنا في الدراسات التي تطلب إلينا الإبلاغ عن سلوكياتنا الرقمية، مقابل تجاربنا الفعلية).

لذلك، في حين أن البحث والنقاش العام المصاحب له يسيران بخطى حثيثة منذ ذلك الحين، فإننا لم نحرز للأسف تقدماً كبيراً فيما يتعلق بتعميق فهم العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية. فبعض الدراسات تجد روابط واضحة، والبعض الآخر لا يجد تلك الروابط. البعض يجد روابط ولكن في بعض المواقف فقط وفي بعض الأحيان، في حين تتوصل دراسات مختلفة إلى نتائج مختلفة على الرغم من أنها تستند إلى البيانات نفسها.

يكمن جزء من السبب وراء ذلك في أن معظم الدراسات في هذا المجال هي بالضرورة ذات طبيعة ارتباطية؛ فهي تأخذ قواعد بيانات كبيرة طويلة الأمد Big long-term datasets، مثل الدراسة YRBS، وتحاول معرفة ما إذا كانت هناك أي علاقات ذات دلالة إحصائية Statistically significant relationships بين ازدهار وسائل التواصل الاجتماعي، مثلاً، والمقاييس المختلفة للصحة العقلية. ولكن في حين أن هذه الأنواع من قواعد البيانات كيانات قوية جداً، فإنها لا تساعدنا على النظر فيما إذا كانت هذه العلاقات سببية Causal بطبيعتها. 

وبخصوص سبب توصُّلنا إلى مثل هذه النتائج المتباينة، أشار بحث نُشر في العام 2019 إلى أن العثور على ارتباطات في البيانات – أو لا – يتعلق بالكيفية التي تؤثر وفقها تحيزات الباحثين في تحليل البيانات، أكثر منه بما إذا كانت البيانات تتضمن إشارة فعلية إلى ذلك. وأظهرت الدراسة، من معهد أكسفورد للإنترنت Oxford Internet Institute، أنه في قواعد البيانات مثل الدراسة YRBS، هناك عدد كبير من الأسئلة التي يمكن أن تُطرح حول استخدام التكنولوجيا الرقمية والرفاه والعوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في كلتيهما. وهذا ما يجعل مثل هذه الاستطلاعات قوية جداً من منظور علمي: نظراً إلى الكم الهائل من البيانات التي تجمعها، ويمكن طرح أسئلة حول أي جانب من جوانب السلوك البشري تقريباً. 

ولكن هذا يعني أيضاً أن عدد الطرق المعقولة والمبررة من الناحية النظرية التي يمكنك من خلالها الجمع بين مقاييس استخدام التكنولوجيا والرفاه لطرح سؤال ذي مغزى حول كيفية ارتباطهما يمكن، في بعض الحالات، أن يصل إلى التريليونات. 

في غياب التأني والحرص الواجبين، قد يقع الباحثون عن غير قصد في فخ إجراء تحليلات متعددة حتى يجدوا الإجابة التي يعتقدون أنهم يبحثون عنها في الأساس. هذا يعني أنه من المهم جداً أن تكون لدينا قاعدة نظرية سليمة لطرح هذه الأسئلة في المقام الأول، وهو شيء لا نمتلكه حقاً في الوقت الحالي.

إنها حقيقة تفصح عن قضية أكثر جوهرية، وهي قضية يحتاج كل من الباحثين والصحافيين إلى معالجتها قبل أن نتمكن من إحراز أي تقدم في فهم الخطاب الذي يحدث في الصحة العقلية للمراهقين. أعتقد أن المشكلة هي أننا نطرح الأسئلة الخطأ حول الدور الذي يجب أن تؤديه التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.

الارتباط لا يعني السببية
من الصعب ألا تجذبنا الأرقام المنشورة في مقال ذ أتلانتيك في العام 2017، وفي فاينانشيال تايمز في وقت سابق من هذا العام، إذْ من الواضح أن تحولاً طرأ في قضايا الصحة العقلية في الفترة ما بين 2007-2010 من حيث إنه يجب أن تكون هناك علاقة سببية مرتبطة بظهور الهواتف الذكية. لكن علينا أن نكون حذرين من الأحداث العرضية.

فالعام 2007 شهد أيضاً بدء أزمة مالية عالمية، وإطلاق ألبوم فرقة فو فايترز Foo Fighters بعنوان أصداء وصمت وصبر وجلال Echoes, Silence, Patience & Grace. من المنطقي أخذ أحد هذين الحدثين في الاعتبار في سياق التأثيرات طويلة الأمد في الصحة العقلية؛ أما الآخر فلا. ولكن يمكننا أن نرسم خطاً يمر عبر العام 2007 على رسم بياني للصحة العقلية، ونسميه إما ”الأزمة المالية“ وإما ”ألبوم فو فايترز“ وأن نستنتج رابطاً.

نحن في حاجة إلى أن نكون مدركين، إذن، أن قضايا الصحة العقلية معقدة ودقيقة، ومن ثم لا يمكن تفسيرها بتاتاً بعامل واحد بسيط (أو عدة عوامل يشار إليها جميعاً على أساس أن أحدها يماثل الآخر؛ الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي أشياء مختلفة تماماً).

إلى جانب زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تشمل العوامل المحتملة الأخرى التي استُشهد بها في الأدبيات البحثية ما يلي: زيادة مشكلات الصحة العقلية لدى الوالدين؛ وتغير الموقف والسلوك من حيث النظر إلى اعتلال الصحة العقلية على أنه وصمة؛ وزيادة عامة في الوعي بهذه المشكلات؛ والتغييرات في معايير التشخيص؛ والصعوبات المالية؛ والضغوط التعليمية وغيرها. لذا فبدلاً من طرح السؤال: هل يسبب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في حدوث مشكلات في الصحة العقلية؟ ربما يكون الأجدى بنا أن نسأل: لماذا يزدهر البعض في إقامة العلاقات على الإنترنت في حين يواجه الآخرون صعوبات حقيقية؟

هناك أدلة بحثية متزايدة تشير إلى أن حياتنا على الإنترنت تعكس حياتنا خارج الإنترنت بطرق مهمة وأحياناً لا يمكن تمييزها، إنهما ليستا كيانين منفصلين. بعبارة أخرى، يمكن للأشياء التي تحدث في حياتنا أن تؤثر في عالمنا على الأونلاين وتتأثر به.

مثلاً أظهر عدد من الدراسات أن شبكات المراهقين الاجتماعية على الأونلاين وخارجه متشابهة جداً، فهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات المراسلة عبر الإنترنت بنحو أساسي للتواصل مع علاقاتهم القائمة، وليس لبناء علاقات جديدة. إضافةً إلى ذلك يشير خط بحثي جديد إلى أن أنواع المشكلات العقلية والجسدية والاجتماعية الموجودة في حياة الأطفال يمكن أن تتنبأ بأنواع المشكلات التي يواجهونها على الأونلاين. مثلاً أظهر بحث نُشر في العام 2018 أن الأطفال الذين يعانون إعاقات جسدية أو صعوبات في التواصل كانوا أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات تعرضهم للمخاطر (مثلاً زيارة مواقع الرهانات أو تحميل الموسيقى بطريق غير قانوني)، في حين أن المراهقين الذين لديهم مشكلات عائلية أو اجتماعية كانوا أكثر عرضة للسقوط ضحية لعمليات الاحتيال عبر الأونلاين.

”ما بدأنا نراه مع نضج الأعمال البحثية، هو أنه من غير المنطقي اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية سبباً أساسياً لمشكلات الصحة العقلية“

الفكرة التي بدأنا نراها مع نضج الأعمال البحثية، هي أنه من غير المنطقي اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية سبباً أساسياً لمشكلات الصحة العقلية. بدلاً من ذلك، من المفيد أكثر اعتبارها بمنزلة عدسة يحدث من خلالها تخفيف أو تكثيف المشكلات الموجودة مسبقاً وتعزيز أوجه عدم المساواة. إنها جزء من نظام إيكولوجي Ecosystem أشمل من العوامل المترابطة والمتبادلة التي تؤثر في قدرتنا على التحمل ومرونتنا وصحتنا العقلية.

الحاجة إلى رؤية الصورة الأكبر
الطريقة التي يستخدم بها المراهقون وسائل التواصل الاجتماعي، إذن، يمكن أن تؤثر في صحتهم العقلية، ولكن أن تتأثر بها كذلك، ومدى إشكالية ذلك التأثير الناتج يمكن أن يعتمد على مجموعة كبيرة من العوامل، أشياء مثل ما هي عليه شبكات الدعم الاجتماعي على الأونلاين وتلك الموجودة على أرض الواقع أو غير المتصلة بالإنترنت، ومدى قدرة الآباء ومن يتولون رعايتهم على توفير الدعم لتجاربهم على الأونلاين، وحتى العمر والحالة الاجتماعية والاقتصادية Socioeconomic status.

اقترحت أبحاث حديثة قادتها د. إيمي أوربن Amy Orben من جامعة كيمبريدج Cambridge University، مثلاً، أن هناك فترات حرجة يكون فيها المراهقون أكثر قابلية للتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي، وهي تختلف بحسب الجنس والعمر. بالنسبة إلى الفتيات، يبدو أن إحدى الفترات الحرجة الرئيسة هي في سن 11-13. ويبدو أن زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المُبلغ عنها ذاتياً ضمن هذه الفئة العمرية تتنبأ بنمط موثوق به بانخفاض الرضا عن الحياة بعد نحو عام، وهو ما جادلت أوربن وفريقها بأنه قد يكون مرتبطاً بالبلوغ المبكر للإناث. هناك فترة حرجة مماثلة حول عمر 19 عاماً لكلا الجنسين وتميل إلى التزامن مع الابتعاد عن المنزل وتفكك الشبكات الاجتماعية الموجودة مسبقاً.

ما من شك في أن الأجيال الشابة عانت اضطرابات على مستوى الصحة العقلية على مدار العقد الماضي وأكثر. وإذا كنا مهتمين حقاً بفهم سبب حدوث ذلك، وبأن نفعل شيئاً من شأنه أن يُحدث فرقاً ذا مغزى، فنحن في حاجة إلى الابتعاد عن الروايات المبسطة والمثيرة للخوف التي تلقي اللوم على مصدر واحد فقط؛ لأن ذلك يتركنا حتماً مع حل واحد غير واقعي: وهو تقييد استخدام الإنترنت.

ولكن التقنيات الرقمية ستبقى معنا، وإذا قيدنا الوصول إليها بالطريقة الخطأ، فإننا سنحرم الأطفال والمراهقين من إمكانية تطوير المهارات والكفاءات التي تشتد الحاجة إليها، جنباً إلى جنب مع مصدر مهم للتواصل الاجتماعي.

لم تكرر ابنتي طلب الحصول على هاتف منذ تلك المحادثة الأولى. ربما كانت مجرد فكرة عابرة؛ وربما كانت تتحدث عن هاتف لعبة. لكنني أدرك تماماً أنه موضوع نقاش سأخوضه معها مرة أخرى في المستقبل، كما أتوقع أن تكون عليه الحال لعديدٍ ممن هم في وضع مماثل. لذلك إذا أردنا تمكين الوالدين من إجراء محادثات أجدى حول أفضل السبل لتحقيق فائدة قصوى من التواصل على الأونلاين مع تقليل مخاطره، فعلينا أن نقارب النقاش العام حول استخدام الشاشات من وجهة مختلفة.

في هذا الصدد، على كل من الصحافيين والباحثين واجب البدء في تناول القضية بمستوى النضج والعقلانية والموضوعية التي هي في أمس الحاجة إليها.


البروفيسور بيت إيتشلز (@PeteEtchells)

بيت أستاذ علم النفس والتواصل العلمي من جامعة باث سبا Bath Spa University. يركز في أبحاثه على تأثيرات ألعاب الفيديو في سلوكياتنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى