هل حلّ العلماء لغز بناء أكبر الأهرام المصرية؟
اكتشف علماء الآثار مجاري مائية متفرعة يُعتقَد أنها ساعدت على بناء هذه الصروح القديمة الشاهقة
على مدى آلاف السنين، بهرت أهرام مصر العلماء وحيَّرتهم. وبذل الخبراء جهوداً كبيرة لفهم كيف أمكن لمجتمع قديم بناءُ مثل هذه الصروح الضخمة على حافة الصحراء الكبرى التي تلفحها الشمس الحارقة، بعيداً عن نهر النيل.
حالياً أماط علماء الآثار اللثام عن جزء أساسي من لغز بناء الأهرام وهو فرع من نهر النيل اندثر قبل فترة طويلة، ودُفن تحت رمال الصحراء منذ آلاف السنين. ربما يفسر النهر المُخفى أخيراً كيف نقل المصريون القدماء الأحجار الضخمة (بعضها يزن أكثر من 10 أطنان) لبناء هذه المدافن الملكية المَهيبة.
هذا الاكتشاف، وهو محور دراسة جديدة نُشرت في دورية نيتشر كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرونمنت (نيتشر مراسلات للأرض والبيئة) Nature Communications Earth & Environment، يُلقي الضوءَ على مواقع 31 هرماً، بما في ذلك أهرام الجيزة الثلاثة الشهيرة. وقالت البروفيسورة إيمان غنيم، المؤلفة الرئيسة للدراسة، لمجلة بي بي سي ساينس فوكس: ”كثير منا، من المهتمين بمصر القديمة، يدركون أن المصريين لا بد أنهم استخدموا مجرى مائياً لبناء صروحهم الضخمة، لكن لم يكن أحد متأكداً من موقع هذا المجرى المائي الضخم أو حجمه أو شكله أو مدى قربه من موقع الأهرام“.
للعثور على المجرى المائي المفقود، استخدم الفريق أولاً بيانات الأقمار الاصطناعية الرادارية Radar satellite، التي يمكنها الكشف عن تكوينات مُخفاة تحت سطح الأرض، مثل الأنهار المدفونة. وبعد ذلك تحققوا من وجود رواسب نهرية وقنوات قديمة باستخدام المسوح الجيوفيزيائية الأرضية وتحليل عينات الرواسب العميقة.
”كان الفرع المُخفَى لنهر النيل على الأرجح عبارة عن طريق سريع مزدحم يبلغ عرضه نحو 500 متر وعمقه 25 متراً“
في وقت بناء الأهرام كان الفرع المُخفَى لنهر النيل والذي أطلق عليه اسم ”الأهرام“، عبارة عن ممر ضخم مزدحم يبلغ طوله 64 كيلومتراً (40 ميلاً)، وعرضه نحو 500 متر وعمقه 25 متراً على الأقل. ووجد الباحثون أيضاً أن عديداً من الأهرام كانت تحتوي على ممرات مخصصة للاحتفالات يمكن الدخول إليها مباشرة من النهر.
ويشير عمل الفريق إلى أن المجرى المائي اختفى بعد فترة قصيرة من الجفاف الكبير الذي ضرب المنطقة قبل نحو 4,200 عام، مما ساهم في جفاف مياهه وتراكم الطمي فيه. يتزامن هذا تقريباً تماماً مع نهاية الأسرة السادسة (نحو 2,340 قبل الميلاد)، عندما توقف الفراعنة عن بناء الأهرام إلى حد كبير.
ولا تسلط النتائج الضوء على البراعة اللوجستية التي تمتع بها المصريون القدماء فحسب، بل تؤكد أيضاً على الدور الحيوي الذي يؤديه نهر النيل لكونه شرياناً ثقافياً واقتصادياً. إضافةً إلى ذلك كشف المؤلفون كيف تأثر المصريون، مثلهم كمثلنا، بالتغير البيئي في المنطقة التي كانت ذات يوم المركز الثقافي لحضارتهم.
وقالت غنيم: ”نأمل أن تساهم جهودنا البحثية هذه في الإجابة عن الأسئلة التي ما زالت بلا إجابات حول بناء الأهرام وطبيعة المنطقة القديمة“.