أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافاتالسعادة

هل سنعملُ في المستقبل؟

يمثل العمل جزءاً مهماً من الكيفية التي نحصل وفقها على السعادة في حياتنا (حتى إن كنا لا نستمتع دائماً بهذا العمل). ولكن ماذا لو بدأت الآلات في فعل كل شيء من أجلنا؟ تستعرض هيلين راسل HELEN RUSSELL ما إذا كانت أيام عملنا قد صارت معدودة.

في العام 1930، توقع الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز John Maynard Keynes أنه مع التغيير التكنولوجي والتحسينات في الإنتاجية، سنعمل فقط 15 ساعة في الأسبوع بحلول وقتنا الحالي. ولكن فيما انخفضت ساعات العمل بنسبة 26%، لا يزال متوسط ساعات العمل التي يؤديها معظمنا يصل إلى 42.5 ساعة في الأسبوع وفقاً لأرقام يوروستات Eurostat.

ولكن أحد الأمور التي لم يقدِّرها كينز حق قدرها هو الرغبة البشرية في التنافس مع أقراننا، وهي الدافع الذي يجعل معظمنا يعمل أكثر مما نحتاج أن نفعل. يقول أليكس سوجونغ-كيم بانغ Alex Soojung-Kim Pang، الباحث الزائر في جامعة ستانفورد Stanford University ومؤلف كتاب استرح: لماذا تنجز أكثر عندما تعمل أقل

Rest: Why You Get More Done When You Work Less:

”لم نعُدْ نقيس الإنتاجية من خلال عدد الأفدنة التي حصدناها، ومن ثم صار مقدار الوقت الذي نقضيه في العمل بمنزلة بديل من ذلك… العمل الزائد Overwork كخيار، بدلاً من الكدح للحصول على أجور تغطي أبسط الاحتياجات، صار جزءاً من سمات المجتمع الغربي منذ الثورة الصناعية عندما توقع البعض أن الأتمتة ستخلق ‘فائضاً’ من وقت الفراغ، وغني عن القول أن هذا لم يحدث“.

بفضل الحوسبة والعولمة في ثمانينات القرن العشرين، أمكن لمديري الشركات أن يطلبوا إلى الموظفين العمل ساعات أطول تحت التهديد بالاستغناء عنهم لمصلحة أشخاص آخرين. هكذا تراكمت الضغوط. وتحملنا ذلك، وعلى رغم معاناتنا، وأذعنا للضغوط. تكتب عالمة النفس باربرا كيلينغر Barbara Killinger في المدمنون على العمل: المدمنون المحترمون Workaholics: The Respectable Addicts كيف أننا نضحي عن طيب خاطر برفاهيتنا من خلال إرهاق أنفسنا في العمل من أجل تسجيل نجاحات منتظمة. ولكن بعيداً عن تحقيق إنتاجية أو قيمة رضا شخصي، فقد ثبت أن العمل الزائد يؤدي إلى الإرهاق والإجهاد وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وحتى الموت المبكر. ومع ذلك، فقد واصلنا فعل ذلك إلى أن ظهر كوفيد19-.

أولئك الذين يعملون من المنزل في أثناء الجائحة يؤدون في المتوسط ست ساعات من العمل الإضافي غير مدفوع الأجر في الأسبوع، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني Office of National Statistics في المملكة المتحدة، في حين عمل أولئك الذين ذهبوا إلى المكتب في المتوسط 3.6 ساعات إضافية. إضافةً إلى دفعنا إلى مزيد من العمل، سرَّع كوفيد19- أيضاً التقدم نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعي (AI)، خاصة بالنسبة إلى الوظائف التي يوجد خلالها عدد كبير من الموظفين في مكان واحد، ومن ثم طورت أمازون Amazon طائرات من دون طيار وسيارات أجرة ذاتية القيادة. وبحلول العام 2050، يتوقع الخبير الاقتصادي د. كارل فراي Carl Frey ومايكل أوزبورن Michael Osborne، أستاذ تعلم الآلة Machine learning، وكلاهما من جامعة أكسفورد University of Oxford، أن 40% على الأقل من الوظائف الحالية ستختفي بسبب الأتمتة، في حين تشير توقعات شركة الاستشارات الإدارية ماكينزي McKinsey إلى أن تلك النسبة ستصل إلى 50%.

أولئك الذين عملوا من المنزل في أثناء الجائحة أدوا في المتوسط ست ساعات من العمل الإضافي غير مدفوع الأجر في الأسبوع

 

وظائف للآلات

هناك استثناءات؛ فالوظائف التي تنطوي على تفاعلات اجتماعية معقدة تتجاوز مهارات الروبوتات الحالية: لذا من المرجح أن ينجو التدريس والرعاية الاجتماعية والتمريض والدعم النفسي من ثورة الذكاء الاصطناعي (AI). وكذلك الوظائف التي تعتمد على الإبداع، لأسباب واضحة. ينطبق الأمر نفسه أيضاً على وظائف التنظيف، وفقاً لفراي وأوزبورن، نظراً إلى تعدد الأشياء المختلفة التي يواجهها عمال النظافة وتنوع الطرق التي يجب التعامل وفقها معها.

من المثير للاهتمام أن مجالات العمل التي تهيمن عليها النساء تقليدياً لن يُعتمد فيها بسهولة على الذكاء الاصطناعي (AI). كما لن تتمكن الروبوتات من تولي نوبة ‘العمل الثانية’، إذ ما زالت النساء يتحملن ثلاثة أرباع مجمل أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وينجزن قدراً أكبر بنسبة 40% من الأعمال المنزلية وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني. من غير المحتمل أن تساعد الروبوتات في ‘وظيفة’ تربية الأطفال، وإعداد وجبات الطعام وغسل الملابس.

أولئك الذين يقع عملهم خارج مجالات الرعاية/ التنظيف/ الإبداع سيواصلون العمل في المستقبل، ولكن على نحو مختلف تماماً. في نحو 60% من المهن، وفقاً لماكينزي، يُقدَّر أن ثلث المهام يمكن أن تُجرى آلياً، مما يعني حدوث تغييرات جوهرية في طريقة عملنا، والحاجة إلى إعادة التدريب. توقعت دراسة واسعة النطاق أعدتها شركة PricewaterhouseCoopers للمحاسبة أنه خلال العشرين عاماً المقبلة، وعلى الرغم من فقدان 7 ملايين وظيفة بسبب الذكاء الاصطناعي (AI)، ستُستحدث 7.2 مليون وظيفة جديدة نتيجة لذلك. ومن ثم سنعمل في المستقبل، لكننا لا نعرف بعد ما نوع العمل الذي سنؤديه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى