أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافاتتعليق

هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الرسامين؟

الصور التي ترسم بمساعدة الذكاء الاصطناعي ومستقبل الفن

على مدار سنوات أراد الفنان ستيف كولسون Steve Coulson إصدار قصة مصورة. عن ذلك يقول: ”كانت المشكلة دائماً أنني لا أستطيع الرسم“. لكن في العام 2022 نشر كولسون قصة مصورة رائعة بعنوان جزيرة الصيف Summer Island. تزدان قصة الرعب الشعبية المكونة من 40 صفحة عن مهرجان إله البحر برسوم توضيحية مفصلة بأسلوب بصري متناغم مع القصة. وقد أمكن رسم الصور بمساعدة الذكاء الاصطناعي. مع انتشار برمجيات الذكاء الاصطناعي لرسم الصور، توقع البعض موت الأشكال الفنية البشرية. لكن يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل وضع الرسوم التوضيحية أسهل، مما يفسح المجال لمزيد من المبدعين وينشط الفن المرئي.

شهد العام الماضي ظهور عدد وفير من نمذجات تعلم الآلة Machine learning التي تولد صوراً رقمية من المحفزات اللغوية الطبيعية. تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه طريقةً تسمى ”الانتشار“ Diffusion تنشئ نقاطاً عشوائية ثم تشكلها في صورة وفقاً للمعلومات الدلالية التي تتلقاها. اكتب وصفاً مثل “لوح التزلج الملكي في إنجلترا المعروض بين جواهر التاج في برج لندن”، وسيضطلع نظام الذكاء الاصطناعي بإنتاج عدة صور لذلك… تقريباً.

أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست مثالية، ولكن دقتها وجودتها تحبسان الأنفاس في أكثر الأحيان. وهي تعني أيضاً أن الرسامين وغيرهم يمكنهم أتمتة النماذج الأولية الأساسية أو حتى إنشاء منتج نهائي لمهام الرسم التوضيحي. وهو ما يطرح السؤال: هل سنبقى نقدِّر المهارة البشرية والإبداع في الفن المرئي؟ الإجابة المختصرة هي نعم.

الإبداع البشري مختلف. تقلد الآلات الأعمال الفنية وتعيد مزجها وتولدها عن طريق المصادفة، وهي تفتقر إلى القصد البشري. قد يحتج البعض ويدعي أن الفن البشري هو أيضاً تقليد وإعادة دمج، لكن العملية مختلفة تماماً. المبدعون البشر قادرون على أن يكونوا أحراراً على نحو أكبر أو أن يتمتعوا بديناميكية أكبر في رؤيتهم، وأن يتبعوا مساراً للأفكار والاستكشاف بنحو مختلف عن نظام الذكاء الاصطناعي. حتى لو كان الناتج مشابهاً، سيستمر المجتمع في تقدير الفن الذي يصنعه الإنسان لهذه الأسباب. (إضافة إلى أسباب أخرى، مثل هوسنا بالسلع ”الأصيل“، لا سيما في عالم الفن).

إضافةً إلى ذلك تحتاج الصور التي جرى أُنشِئت بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى توجيه بشري وإدخال واختيار وتحرير في بعض الأحيان. يقول كولسون عن تأليف كتابه المصوَّر: ”في حين عدَّلت بعض الأشياء في برنامج الفوتوشوب، فإن ما تراه هو أساساً ما تحصل عليه، إذا طلبت ذلك بلطف“. هذا مثير للإعجاب، ولكن لا تزال المحفزات والاختيار والأفكار هي أكثر أجزاء العمل التي لها مغزى.

عندما اختُرعت الكاميرات، أعلن النقاد أن التصوير الفوتوغرافي يعني موت الفن البصري. بعد عقود من ذلك، أدركنا أن التصوير الفوتوغرافي هو فن، وأن الكاميرا هي أكثر من مجرد مولِّد صور آلية؛ إنها وسيلة يعبِّر الناس من خلالها عن إبداعهم.

سيتمكن الرسامون وفنانو المرئيات من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي هذه لتوليد الأفكار والحصول على الإلهام وتجربة النماذج الأولية لتعديلها إلى منتج نهائي. على الرغم من أن هذا لن يقتل الفن، فإنه قد يعني حدوث خلل في صناعات إنشاء المحتوى. لن يؤدي تعيين فنان إلى توليد الحجم نفسه من الصور بالسرعة نفسها، لذلك يمكن أن تصير هذه الأنظمة بديلاً جزئياً أو كاملاً للرسامين أو المصورين المتعاقدين.

سواء كان ذلك للإعلان أو تصميم المنتجات أو بطاقات أعياد الميلاد، وحيثما كان الحجم أكثر أهمية من الجودة الفنية، فقد لا يتمحور اهتمام الشركات حول الاحتفاظ بالفنانين البشر أو إعادة تدريبهم، خاصةً إذا كانوا في الغالب متعاقدين. عندما استخدم الصحافي في مجلة Atlantic تشارلي وارزل Charlie Warzel صورة أُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي لتوضيح قصة، تعرض لرد فعل عنيف على تويتر من قِبل المبدعين. هذه المخاوف لها ما يبررها، وليس من المرجح أن توقف الشكاوى حماسة الشركات.

لكن الحل المجتمعي المثالي لا يكمن في إيقاف هذه التكنولوجيا، بل في توفير الدعم للناس خلال فترة الاضطراب في العمل الذي ستسببه. في القرن التاسع عشر، عندما دمر أنصار الحركة اللاضية Luddites الآلات الصناعية، لم يكونوا يعارضون التقدم التكنولوجي. لقد عارضوا استخدام أصحاب العمل للتكنولوجيا الجديدة كذريعة لتقويض حقوق العمال، وهو قلق ما زال مشروعاً حالياً. مع توفير دعم سياسي واقتصادي أفضل للعاملين، سيكون من الأسهل تقبُّل التغييرات الناجمة عن أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة، سواء في توليد الصور وفي أي مجال آخر.

من المتوقع أن نشهد مزيداً من الاختراعات والاختراقات في الأفق. خلال إعداد كولسون كتابَه المصور، كانت مسودته الأولى عبارة عن مقال مصور أُنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي بأسلوب فيلم الفزاعة The Wicker Man الصادر في العام 1973. من المحتمل أن يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على إنشاء أفلام في المستقبل القريب، مما يجعل من الممكن لأي شخص أن يصير منتج أفلام من خلال توفير المحفزات النصية المناسبة. لقد مر الفيلم بصفته شكلاً فنياً بعديد من التغييرات، من كاميرا الفيديو المحمولة إلى برمجيات التحرير وتيكتوك TikTok. ستكون هذه هي التخومَ اللاحقة، وهي تخوم شاسعة.

وسط الاضطرابات التي تجلبها هذه التطورات إلى القطاعات الإبداعية، فإن الجزء المثير للحماسة هو أن التكنولوجيا تخلق بالفعل فنانين جدداً وتسمح بوصول أوسع إلى الرسوم التوضيحية. وبهذا المعنى لا يمكن أن تكون الصور التي تنشئها الآلة أبعد من أن تحل محل الإبداع البشري. مثل الوسائط الأخرى التي سبقته، يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي مزيداً من الفرص للأشخاص لنفح الحياة في رؤاهم الفنية.


د. كيْت دارلينغ (_@grok)

كيْت باحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT في مجال التكنولوجيا والمجتمع، وهي تدرس التفاعل بين الإنسان والروبوت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى