أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

هل يوشك نجم منكب الجوزاء على الانفجار؟

كان النجم العملاق يتصرف بغرابة في الأشهر الأخيرة. فهل هو على وشك التحوّل إلى سوبرنوفا؟

جيمس لويد James Lloyd
كاتب في بي بي سي ساينس فوكس BBC Science Focus.

ثمة شيء غريب يدور في كوكبة الجبار Orion constellation. ففي أكتوبر 2019 بدأ سطوع نجم منكب الجوزاء Betelgeuse الأحمر الذي يُعد كتف الجبار الأيمن (أو الأيسر عندما ننظر إليه) يخفت بشكل غير اعتيادي. وخلال يناير وفبراير 2020، وصل إلى مستوى قياسي منخفض؛ نحو %40 من سطوعه المعتاد. نحن نعلم أن منكب الجوزاء نجم ناضج، وأنه سينفجر ذات يوم ليشكل سوبرنوفا (مستعر أعظم) Supernova. لكن خفوته أدى إلى التكهن بأن السوبرنوفا قد يكون وشيكاً. هل يمكن أن تكون هذه لحظة هدوء قبل أن ينتهي الحال بالنجم إلى موت كوني بالانفجار؟
لم يكن خفوت منكب الجوزاء غير متوقع (يعود أصل اسم النجم إلى العربية ‘إبط الجوزاء’ Betelgeuse، ولا يوجد إجماع على كيفية نطق الاسم الأجنبي. ومع ذلك، فإن لفظ ‘بيتلجوس’ Beetlejuice شائع نوعاً ما)، إنه نجم ‘متغير’ variable star سطوعه متقلب. ويتبع تقلب منكب الجوزاء دورة مدتها 420 يوماً تقريباً، وتماشياً مع هذه الدورة، فهناك علامات على أن النجم عاد للسطوع ببطء اعتباراً من منتصف فبراير.
تقول الدكتورة إميلي ليفيسك Emily Levesque، عالمة الفلك التي تدرس فيزياء النجوم الضخمة في جامعة واشنطن University of Washington: “لكن، حتى و لو نشط منكب الجوزاء، فإنه لا يزال يثير لدينا الأسئلة…. لقد بهت أكثر من المعتاد؛ أكثر مما نتوقع”.
منكب الجوزاء هو عملاق أحمر فائق Red supergiant، وهي أكبر فئة من النجوم في الكون من حيث الحجم. ويبلغ نصف قطره نحو 600 مليون كيلومتر: إذا وضعتَ نجم منكب الجوزاء في منتصف النظام الشمسي، حيث هي الشمس، فسيصل تقريباً إلى المشتري، ويجتاح عطارد والزهرة والأرض والمريخ.
وتتكون النجوم العملاقة الفائقة الحمراء عندما ينفد قلب نجم ضخم من الهيدروجين ولا يعود بإمكانه تحويل الهيدروجين إلى هيليوم بالاندماج النووي. وعند هذه النقطة يبدأ القلب بالانكماش، مما يرفع الحرارة الداخلية للنجم وتشعل قشرة من اندماج الهيدروجين حول النواة، هذا بدوره يتسبب في تمدد الطبقات الخارجية للنجم وتبرُّدها.
إن درجة الحرارة داخل قلب منكب الجوزاء ساخنة جداً لدرجة أن نويات الهيليوم هناك بدأت بالاندماج لتشكل ذرات الكربون. وبمجرد استنفاد الهيليوم، سيجد اللب بسرعة طريقه للتحوّل إلى عناصر أثقل، وصولاً إلى الحديد. وعند هذه النقطة، لا يستطيع النجم توليد المزيد من الطاقة، ومن ثم سينهار اللب. بعد ذلك، ستتبعه الطبقات الخارجية، مرتدة عن القلب ومنفجرة على شكل سوبرنوفا.
فهل يمكن أن يكون خفوت سطوع النجم إشارة إلى سوبرنوفا وشيك؟ تعترف ليفيسك أننا ما زلنا لا نعرف سوى القليل جداً عما سيفعله النجم في الأيام والأسابيع الأخيرة قبل انفجاره. لكنها تقول إن أفضل تخمين لوقت موت منكب الجوزاء، وفقاً لدورة حياته، هو بعد 100,000 سنة. وتقول: “ليس مستحيلاً أن يصير سوبرنوفا في الغد، لكنه مستبعد”.
إذن، ما سبب اعتام النجم في الآونة الأخيرة؟ تقول ليفيسك: إن دورة نبض Pulsation cycle منكب الجوزاء المعتادة التي تبلغ 420 يوماً وتنتج عن الاختلافات في حجم النجم، لا يمكن أن تكون وحدها مسؤولة عن خبو تألقه، لذلك هناك آلية أخرى واحدة على الأقل تحدث هناك. وأحد الاحتمالات هو وجود نجم يحجبه فيجعله يبدو أكثر قتامة. وتقول: “نعلم أن نجوماً مثل منكب الجوزاء تطرح من سطحها بشكل دوري كتلة تتكثف على شكل غبار حول النجم…. هذا من شأنه أن يحجب عنا رؤيته”، وتضيف: “نحن نعلم أيضاً أن النجوم العملاقة الحمراء الفائقة لديها مناطق حمل حراري Convective zones كبيرة على أسطحها”، فيرتفع الغاز الساخن من أعماق النجم إلى السطح حيث يبرد ويغرق مرة أخرى. وقد تؤدي تغييرات في هذا الدوران إلى تغيير درجة حرارة سطح النجم، ومن ثم سطوعه، وهو تفسير آخر محتمل لما يحدث.
مهما كان ما يفعله منكب الجوزاء حالياً، فلا شك في أنه سينفجر في مرحلة ما. وتقول ليفيسك: “سيكون أمراً لا يمكن تفويته على الإطلاق…. النجم على بعد مجرد بضع مئات من السنين الضوئية، لذا فإن الضوء الظاهر من السوبرنوفا سيسطه سطوعاً مذهلا، ويمكن مقارنته بسطوع الزهرة أو القمر”.
سنراه في السماء ومضة مضيئة، حتى خلال النهار، وستكون تلسكوباتنا قادرة على رؤية “بقايا السوبرنوفا” السديمية في أوج تألقها. لكن لا تقلقوا: على الرغم من أن منكب الجوزاء قريب نسبياً منا، إلا أنه ما زال بعيداً بما يكفي بحيث لن يكون هناك خطر من إشعاع سوبرنوفا عالي الطاقة. أما بالنسبة إلى منكب الجوزاء، فمن المرجح أن يستحيل نجماً نيوترونياً شديد الكثافة.
وفي غضون ذلك، يعمل الفلكيون على جمع البيانات التي يمكنهم الحصول عليها. وتقول ليفيسك: “بينما ندرس المزيد من هذه العمالقة الحمراء الفائقة، نتوقع أن تتحسن قدرتنا على تحديد في أي مرحلة هي من تطورها، ومتى يُحتمل أن تخبو…. نحن نعلم أن نجوما مثل هذه تصنع معظم العناصر في الكون؛ سواء عندما تكون على قيد الحياة أم عندما تموت كسوبرنوفا. وفهم الكيفية التي يحدث بها هذا سيخبرنا المزيد عن كيفية تطور تشكّل الكون. هذه النجوم وضعت أسس الكيمياء التي جعلت الحياة ممكنة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى