2. الــــتـــعـــلـــم – جدد عقلك بالطريقة السهلة – والطريقة الصعبة
إن تعلّم شيء ما- سواء كان ذلك معرفة جديدة أم مهارة- هو عملية مادية تعيد بالفعل هيكلة بنية الدماغ. لفهم السبب، نحتاج إلى إلقاء نظرة على ما يحدث في الدماغ عندما نحفظ شيئاً ما في الذاكرة.
تنشأ جميع تجاربنا عن طريق إطلاق ملايين العصبونات لإشاراتها في وقت واحد في جميع أنحاء الدماغ. يمكنك أن تتخيل أنها لعبة خيوط معقدة مؤلفة من أضواء وامضة تشبه أضواء شجرة عيد الميلاد Fairy Lights، التي تضيء باستمرار في توليفات مختلفة. على عكس الأنوار الوامضة، عندما “تضيء” العصبونات معاً، فإنها تخضع لتغيرات ضئيلة تؤهبها لإطلاق إشاراتها معاً في المستقبل. تحدث معظم أنماط إطلاق الإشارات العصبية مرة واحدة فقط لأن هذه التغيرات تكون هشة جداً في البداية. ومع ذلك، يشفّر الحصين Hippocampus بعض الأنماط- وهو بنية صغيرة على شكل حدوة الحصان ويقع في عمق الدماغ، مما يشجع النشاط الدماغي المُرمَّز على التكرار. وفي نهاية المطاف، إذا تكرر نمط إطلاق الإشارات مراراً وتكراراً، فإن العصبونات بداخله تمد زوائد Tendrils تربطها معاً بحيث تشكل مسارات دائمة. لقد أصبحت الشبكة التي صنعتها الآن ذاكرة دائمة.
ترمّز الأحداث الجديدة، أو الصادمة، أو المهمة، أو المؤلمة بسهولة أكبر من الأحداث العادية لأن النشاط العصبي المعني يكون أكثر حدة. فمثلا، التعرض للهب والاكتواء بناره يعمل على إطلاق سريع ومحموم لإشارات العصبونات البصرية (البصر)، والعصبونات الحسية الجسدية Somatosensory (الشعور) والعصبونات الحوفية Limbic (الرعب). ستؤدي لمحة خاطفة للهب في المستقبل إلى تحفيز النشاط في كامل الشبكة، بما في ذلك العصبونات التي سجلت الحرق. وهذه الذكرى، حتى لو لم تكن واعية، توجه استجابتنا للموقف الجديد:
بدلا من لمس اللهب، ينتفض الجسد، فقد تعلّم الدرس. تتفكك شبكات العصبونات المرتبطة وتتكوّن بسهولة أكبر في أدمغة الشبان منها في المسنين، وهذا هو السبب في أن الأطفال يتعلمون وينسون الأشياء بسرعة كبيرة. كما أن بعض الأشياء أسهل في التعلم من غيرها. فمثلا، يظهر المشي والكلام دون مساعدة تذكر، بشرط أن يرى الأطفال حدوثهما من حولهم. تظهر المهارات الطبيعية مثل هذه عموما ضمن أطر زمنية محددة، عندما تكون أدمغة الأطفال مبرمجة وراثيا لتطويرها. ومع ذلك، يجب تعلم المهارات الجديدة مثل القراءة والحساب بصورة متعمدة، إلى جانب المعارف غير البديهية مثل قاعدة التسلل في كرة القدم أو قوانين الديناميكا الحرارية. في كل حالة، تؤدي الممارسة المتكررة والدراسة إلى تقوية الشبكات العصبية المرتبطة بهذه المعرفة، مما يساعد على ترسيخها في الذاكرة.
تيسّر بعض أنواع التعلم عبر ما يسمى «العصبونات المرآتية» Mirror neurons- وهي خلايا دماغية تنشط عندما يرى الشخص إنسانا آخر يؤدي عملا ما. إذا رأيت شخصاً يرفع ذراعه، مثلا، فإن بعض العصبونات في دماغك، والتي ستحفز لو رفعت ذراعك، ستشرع في العمل. تحرّض العصبونات المرآتية المحاكاة التلقائية- وهو أمر مفيد بشكل خاص لتعلم المهارات الحركية- مثل مجموعة من خطوات الرقص، مثلا، أو كيفية ضرب كرة تنس.
لا يحوّل الحصين الخبرات إلى معرفة فحسب، بل ويخزن هذه المعرفة أيضا إلى حد ما. وجدت دراسة شهيرة أجريت على سائقي سيارات الأجرة في لندن، الذين كونوا خريطة ذهنية تفصيلية لشوارع المدينة، أن الجزء الخلفي من الحصين لديهم كان أكبر بكثير من المعتاد. هناك منطقة أخرى مهمة من الدماغ، هي «منطقة الوجه المغزلي» Fusiform Face Area. تعمل هذه القطعة من القشرة المخية، التي تقع خلف كل من الأذنين، على تشفير الوجوه، وتمتلك اتصالات بمناطق الدماغ المعنية باللغة والعواطف التي تولّد الأسماء وتثير مشاعرك عندما ترى وجهاً مألوفاً.
اضبط تعلّمك
دوّن الملاحظات وأعد قراءتها بشكل متكرر. التكرار يمنع نسيان المعلومات لأنه يساعد على اعادة تفعيل و ترسيخ الشبكات العصبية التي تحمل الذكريات.
جرب طريقة كورنيل Cornell لتدوين الملاحظات:
1. سجّل معلومات المحاضرة كملاحظات
2. ضع أسئلة من نوع أسئلة الامتحان بناءً على ملاحظاتك
3. أجب عن أسئلتك بصوت عالٍ، دون الرجوع إلى ملاحظاتك
4. فكّر مليا في ملاحظاتك وإجاباتك
5. راجع ملاحظاتك القديمة بانتظام
راجع مواد اختبار بعينه في غرفة معطرة برائحة غير عادية، ثم ضع قليلاً من هذه الرائحة على معصمك قبل الامتحان وشمها إذا لم تُسعفك الذاكرة. تكون هذه الطريقة فعالة بشكل خاص إذا كانت المادة تحتوي على عنصر عاطفي: في دراسة أجريت في عام 2011 في جامعة أوتريخت Utrecht University، شاهد المتطوعون فيلماً مثيراً للانفعال في غرفة تنبعث منها رائحة الكاسي Cassis (مشروب له رائحة تشبه فاكهة الكشمش الأسود). أدت إعادة تعرض المشاركين لاحقاً للرائحة إلى استحضار ذكريات قوية لما شاهدوه.
قسّم المعلومات إلى أجزاء. مثلا، حوّل التسلسل 8، 3، 2، 4، 9، 0، 1، 9، 8 إلى 832-490-198. يجعل هذا من الأسهل الاحتفاظ بها في “الذاكرة العاملة” Working Memory – وهي النظام الدماغي الذي يحافظ على دوران المعلومات الجديدة في حلقة تكرارية عصبية حتى تُستخدم أو يجري تعلّمها أو استبدالها بمدخلات جديدة.
يمكن لمعظم الناس التعامل مع خمسة «عناصر» فقط أو نحوها في هذه الحلقة. في مثالنا، حَوّل التجميع عمليا العناصر التسعة إلى ثلاثة.