من خارج هذا العالم
تستضيف حاليّاً معظم البيئات المتطرفة المقامة على الأرض فرقاً من الفلكيين الذين يجربون الأدوات والمهارات والبروتوكولات التي سيحتاجون إليها للعيش على كوكب آخر. روب بانينو ROB BANINO
روب بانينو Rob Banino (@robertbanino) صحفي مستقل يعمل في بريستول
الحياة على المريخ
أعالي البحار، الجزيرة الكبيرة، هاواي،
الولايات المتحدة الأمريكية
بذلة الفضاء ليست أول ما يخطر في ذهن أي شخص يزور هاواي. هذا إلا إذا كان سيقضي ثمانية أشهر في موئل هاواي لاستكشاف الفضاء بالتناظر والمحاكاة Hawaii Space Exploration Analog and Simulation (اختصاراً: الموئل HI-SEAS) على بركان ماونا لوا.
ويتيح الموئل HI-SEAS للباحثين دراسة كيفية تعامل الناس مع الحجز والعزلة والضغوط النفسية لمهمات الفضاء طويلة المدة، مثل الرحلة إلى المريخ. وللاقتراب من الواقع، هناك تأخير في الاتصالات لمدة 20 دقيقة مع مركز التحكم المشرف على البعثة، وأي شخص يدخل بيئة ماونا لوا الشبيهة ببيئة كوكب المريخ، مثل د. مارثا لينيو Martha Lenio (التي نراها وهي تجمع عينات من الصخور في الصفحة السابقة) عليه أن يرتدي البذلة المناسبة.
لكن الواقعية أفسحت المجال للتصرف بصورة عملية في بعض الأحيان، مثلما حدث عندما فرض شح في الميزانية الاستعاضة عن بذلات الفضاء ببذلات الوقاية من المواد الكيميائية، واُستخدمت حاويات الشحن بدلاً من سفن الإمداد الروبوتية Robotic resupply ships (أدناه). وعلى الرغم من ذلك، فإن الدروس المستفادة خلال هذه المهام، التي قد تستمر لمدة تصل إلى عام، مفيدة للطامحين بأن يكونوا رواد فضاء، وتقول لينيو: «لقد علمتني أهمية امتلاك حس الدعابة ومهارات تواصل قوية وشخصية مرنة».
في أعماق المياه
نيمو، كي لارغو، فلوريدا، الولايات المتحدة الأمريكية
قد يكون من الصعب إعادة إنتاج بيئة الجاذبية المنخفضة وضغط عامل الزمن عند السير على سطح القمر أو أي كوكب آخر. إلا إن غطست في الماء مثل رواد البحر Aquanauts المشاركين في برنامج عمليات بعثة البيئة القصوى التابعة لناسا NASA Extreme Environment Mission Operations (اختصاراً: البرنامج نيمو NEEMO). وفي كل بعثة من بعثات نيمو يغطس على الأكثر ستة رواد فضاء متدربين إلى عمق 19 متراً من قاعدة أكواريوس Aquarius base – وهي موئل ضحل مساحته 37 متراً مربعاً في قاع البحر على بعد 5.6 كم (3.5 ميل) قبالة ساحل فلوريدا – لتجربة العيش والعمل في فضاء غريب.
تظهر في الصورة هنا بعثة نيمو 22 NEEMO 22، التي أنجزت خلال شهر يونيو 2017. ويختبر الفريق عربة نقل المعدات Modular Equipment Transporter System (اختصاراً: العربة METS)، وهي ذات أربع عجلات تحتوي على أدوات ومعدات قابلة للتبديل لمساعدة رواد الفضاء على حمل العدة عبر التضاريس الوعرة. وتُحتسب كل ثانية عندما تستكشف كوكباً آخر. وعلى هذا النحو، كلما زاد عدد المعدات التي يمكنك إحضارها إلى موقع أخذ العينات، زادت قدرتك على استغلال وقتك على أحسن وجه.
وإضافة إلى تجربة وتقييم عربة نقل المعدات، فقد أجرت البعثة التي استغرقت عشرة أيام أيضاً تحليلًا موضعيّاً للشعاب المرجانية واختبرت إجراءات الإخلاء.
منتجع مرِّيخي
المشروع C-SPACE، صحراء غوبي، الصين
إذا مضت الصين في خططها طويلة المدى لإرسال بعثة مأهولة إلى المريخ، فمن المحتمل أن يُدرّب بعض رواد الفضاء الصينيين هنا، في قاعدة تحاكي بيئة المريخ للمشروع سي سبيس C-Space Project. لكن من يشغل المكان في الوقت الحالي هم السياح وطلاب المدارس.
افتتحت المنشأة في أبريل 2019، وتقع في صحراء غوبي Gobi Desert على بعد نحو 40 كم (25 ميلاً) خارج مدينة جينتشانغ Jinchang في مقاطعة غانسو Gansu. وهي تضم تسع وحدات متصلة – بما في ذلك أماكن للمعيشة وغرفة التحكم وغرفة ضغط وهمية – وهي مصممة لمنح الزائرين فكرة عما يعنيه العمل في بيئة تكون فيها الموارد محدودة ويجب مراقبة كل جانب من جوانب الحياة والتحكم فيه.
وقد وضع تصور المشروع مسؤولو غانسو وشركة جينتشانغ ستار يونيفرس الاستثمارية للثقافة والسياحة Jinchang Star Universe Culture and Tourism Investment Company سعياً لتعزيز السياحة في واحدة من أفقر المناطق في الصين. وقد طُوِّرَ بالتعاون مع مركز رائد الفضاء الصيني Astronaut Center of China، ومع مزيد من الاستثمار والتوسع، يأمل القائمون عليه أن يجعلوه موقعاً رسميّاً لتدريب رواد الفضاء الصينيين.
الصخور الجيولوجية
بانغيا-إكس PANGAEA-X، لانزاروت، جزر الكناري
قبل أن تجد علامات الحياة، عليك أن تتعلم كيف تبحث عنها. وهذا أحد الأشياء الرئيسية التي يتعلمها رواد الفضاء في حملة اختبار بانغيا-إكس Pangaea-X التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، وهي في الأساس رحلة ميدانية جيولوجية.
وتعد لانزاروت Lanzarote، الواقعة قبالة الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا، موقعاً مثاليّاً لأن البازلت والمعادن الموجودة في الصخور تسمح لها بأن تمثل بديلاً لكل من القمر والمريخ. ويتعلم رواد الفضاء، أثناء وجودهم على الجزيرة، كيفية تحديد المواقع المناسبة لأخذ العينات واختبار تقنيات أخذ العينات والتعامل مع الجوانب العملية للاستكشاف خارج عالمنا، مثل تأخّر الاتصالات مع مركز التحكم على الأرض.
والمسبار الأبيض المستخدم في مقدمة هذه الصورة هو مِجْهرٌ ينقل الصور إلى الحاسوب اللوحي المثبت على صدر رائد الفضاء. ويوثق الحاسوب اللوحي، أو الكتاب الإلكتروني الميداني Electronic Field Book، الصور ويتيحها لفريق العمليات العلمية في القاعدة الذين يمكنهم عندها تقديم النصح لرائد الفضاء إذا كان مطلوباً منه جلب عينات أخرى.
لقد أثبت المشروع نجاحه بالفعل، فقد اكتشف رواد الفضاء في حملة بانغيا-إكس لعام 2017 معادن لم يُتعرف عليها من قبل ذات صلة بالمياه في صخور لانزاروت، والتي قد تحتوي على أدلة على قابلية العيش على الكواكب الأخرى في الماضي والمستقبل.
مرتفع وجاف
أرادس ARADS، صحراء أتاكاما، تشيلي
يصل ارتفاع صحراء أتاكاما إلى 4000 متر فوق سطح البحر. ويبلغ متوسط هطول الأمطار فيها أقل من 15 ملم في السنة، وتتعرض باستمرار لأشعة الشمس فوق البنفسجية القوية. إنها واحدة من أقسى الأماكن وأكثرها جفافاً على سطح الأرض، لكنها ليست خالية من الحياة. فهناك ميكروبات مخبأة في الصخور ومدفونة تحت الأرض، تماماً كما قد تكون الحال على سطح المريخ، ولهذا السبب تأتي ناسا هنا لاختبار طرق البحث عنها.
وبين عامي 2016 و 2019 جاء مشروع دراسات عربة
أتاكاما الجوالة للحفر البيولوجي الفضائي
Atacama Rover Astrobiology Drilling Studies إلى أتاكاما لاختبار عربة روفر الجوالة K-REX2 rover (أعلاه). وعلى عكس عربات المريخ الجوالة الحالية التي لا يمكنها سوى جمع عينات من السطح أو تحته مباشرة، فإن هذا النموذج الأولي أكثر تطوراً. إنه مزود بمثقاب ذكي يضبط الضغط اللازم لحفر أنواع مختلفة من طبقات الأرض ويجمع عينات من أعماق تصل إلى مترين.
الذهاب تحت الأرض
المشروع كيفز CAVES، ساردينيا، إيطاليا
يؤثر الإجهاد في الأداء. ومع وجود الكثير على المحك – مهمتك، ومركبتك الفضائية، وحياتك وحياة طاقمك – ربما يكون الفضاءُ البيئةَ الأكثر إجهاداً. وعلى هذا النحو، يحتاج أي رائد فضاء متدرب إلى أن يكون قادراً على الأداء تحت الضغط. وهو المكان الذي يوفره المشروع كيفز CAVES (كهوف) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
مشروع كيفز عبارة عن دورة سنوية مدتها أسبوعان يتعلم فيها رواد الفضاء من جميع أنحاء العالم كيفية العمل معاً عن طريق المغامرة في عمق الكهوف الواقعة أسفل سلوفينيا أو جزيرة سردينيا، والبقاء تحت الأرض لمدة ستة أيام متتالية.
والعيش والعمل في مثل هذه البيئة المحصورة يختبر صبر الجميع إلى الحد الأقصى، حيث يتعلمون التنقل واستخدام الأدوات وكيف يبقون متيقظين باستمرار حفاظاً على سلامة بعضهم بعضاً، وهي المهارات نفسها المطلوبة أثناء السير في الفضاء.
*عنوان المقالة الأصلي: Out of this World باللغة الإنجليزية مجاز يستخدم للتعبير عن الأمور المدهشة