هل تغيَّرَ سلوكنا خلال فترة الوباء؟
ليس هناك شك في أن فرض القواعد واللوائح الجديدة كان له تأثير في أفعالنا خلال العام الماضي. ولكن ما هي العوامل المؤثرة عندما يتعلق الأمر بجعل الناس يحمون بعضهم البعض؟
اختصاصي علم النفس الاجتماعي
البروفسور جون دروري John Drury
ما هي بعض الاحترازات الرئيسية التي أثرت في سلوك الجمهور؟
منذ البداية، كان هناك دليل ثابت على بعض العوامل المهمة. أحدها هو الإيمان بمدى فعالية احترازات فيروس كورونا. والآخر هو مدى حجم التهديد. فكلما زاد عدد التكاثر الأساسي الذي يُعرف بالعدد R (R number) [العدد R هو عدد الأشخاص الذين سينقل إليهم شخص مصاب العدوى]، زاد الالتزام بالإحترازات.
لكن أموراً مثل إحساسك بالتضامن مع الآخرين هي مهمة كذلك حقاً. ويفعل الناس ذلك من أجل الآخرين، وليس بالضرورة من أجل أنفسهم. إنه الشعور بالإنصاف أو العدالة. فقد اتضح ذلك أكثر مع بلوغ مستويات جديدة من انتشار الفيروس، لكنه في الحقيقة كان على الدوام أحد العوامل.
ومن ثم، فإن ما يربط بين هذه العوامل هو الثقة فيما تفعله الحكومة. إذ أجرت جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن
University College London دراسة استقصائية جيدة الإعداد، وقد وجدت أن الثقة في الحكومة كانت المؤشر الرئيسي للالتزام بالعديد من السلوكيات التي طُلب إلينا اتباعها.
ما هو دور الفائدة الشخصية؟
لا يحصل معظم الناس على جزاء لقاء ما يفعلون. فالمرض قد يؤدي إلى وفاة عدد قليل من الناس، 1 من كل 100. ونفعل ذلك للآخرين. وهذا نقاش يجب أن يتناول دور التضحية.
فقد نشر زميلاي البروفيسورة سوزان ميتشي Susan Michie والبروفيسور روبرت ويست Robert West دراسة جيدة نظرت فيما إذا كان هناك أي دليل على الشعور بالإنهاك النفسي بمرور الوقت، واستخلصا أنه غير شائع. انظر مثلا إلى المواقف الأخرى التي يقدم فيها الناس تضحيات، مثل سباق الماراثون والاحتفالات الدينية. فهذه أحداث تتطلب التحمل البدني. ويفعل الناس هذه الأمور من أجل قضية أكبر.
ما نوع تأثير عقوبة، مثل الغرامة، في السلوك باعتقادك؟
جرى النظر في مسألة العقوبة أو الإكراه بشكل عام في إجراءات الصحة العامة في سياقات أخرى. فقد شاركت في بعض الأبحاث التي نظرت في معالجة التلوث المجتمعي عند وقوع حادث كيميائي. وكان العلاج يتطلب التضحية مثل الاضطرار إلى خلع ملابسك والاستحمام في مكان عام. هو، إذاً، سلوك ذو تكلفة شخصية عالية. وعندما أُجبرَ الناس على ذلك، أو كانت هناك محاولة لإجبارهم على ذلك من خلال الصراخ والتهديد، انخفضت نسبة المشاركة.
لكن الناس تفاعلوا إيجابيا عندما كان هناك تواصل Communication، وعندما اهتمت الجهات المنظمة باحتياجات الناس. لذلك كانت العقوبة غير مجدية لأنها أدت إلى مقاومة الناس لما يُطلب إليهم فعله. فالمُحصِّلة العامة هي أن العقاب أو الإكراه يؤثران في العلاقة، لذا فإن العلاقة لا تعود تتعلق بالصحة العامة، بل بحقوقنا وبأننا نتعرض للتنمر.
وإذا نظرت إلى الأمر من منظور كوفيد19-، فقد وجدت إحدى الدراسات المبكرة التي أجريت في كلية لندن للاقتصاد London School of Economics أن التهديد بالعقاب كان هو أدنى مؤشر على التزام الناس بالقوانين، لأن القانون موجود واستُخدم منذ وقت مبكر جداً. فقد كان قيد الاستخدام منذ مارس. غير أن النتائج بيَّنت أنه كان مؤشراً ضعيفاً.
وإذا نظرت إلى أحد السلوكيات، مثل العزل الذاتي Self-isolation، ستجد أن مستويات الالتزام به ضعيفة جداً، إذ لا تتجاوز 10 أو %20، هذا ما نتوصل إليه من الأرقام. ففي المقابل هناك عقوبات لعدم الالتزام بالحجر الذاتي. ولكن إذا نظرت إلى البيانات المتعلقة بالعملية: لماذا لا يعزل الناس أنفسهم بما يكفي طيلة 14 يوماً؟ هناك عوامل نفسية تؤدي دوراً في هذا، فالأمر لا يحصل عن قصد، إنما بسبب أشياء مثل عدم معرفة القوانين، أو أشياء يفعلها زملاؤك، ثم يتعلق الأمر بمن هم هؤلاء الأفراد أنفسهم. فهناك بعض العوامل الديموغرافية [المتعلقة بالعمر وظروف المعيشة]. وربما لا يحصل بعض الأشخاص على دعم مالي أو دعم اجتماعي كافٍ. وهكذا أنىّ لك أن تطبق العقوبة عندما تعلم أن عدم الالتزام ليس متعمداً- فإن ذلك هو سوء فهم للوضع.
ما هو الدور المحتمل للقاح؟
اعتدت أن أقول عندما أتحدث إلى الناس عن دور علم النفس والسلوك خلال الجائحة أنه إلى أن يتوفر لقاح، فالأمر كله يتعلق بالسلوك. فالوقاية تتعلق بالحفاظ على مسافة بين شخص وآخر وغسل اليدين والعزل الذاتي.
وعندما يتوفر اللقاح يظل الأمر أيضا متعلقاً بسيكولوجية الناس لأنهم يجب أن يؤمنوا باللقاح. عليهم أن يتصرفوا على نحو يجعلهم يحصلون على اللقاح. والتردد في أخذ اللقاح مسألة كبيرة، أليس كذلك؟ تُظهر بعض بيانات الاستطلاعات التي أطلعتُ عليها مؤخراً أن الثقة باللقاح آخذة بالانخفاض بالفعل، تماماً في الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن ترتفع.
يجب أن تُبذل جهود لطمأنة الناس، لأن المترددين حيال اللقاح هم في الواقع غالبية صغيرة من الناس. إنها ليست الأقلية الملتزمة، ولكن عدد كبير جداً من الناس المترددين. فهناك حاجة إلى معلومات تجعل الناس يؤمنون بأن اللقاح آمن وفعال، لذا فهذه أمور سيكولوجية.
ما هي الآثار طويلة المدى التي يمكن أن يتركها الوباء في سيكولوجيتنا؟
يتعلق بحثي الحالي بمجموعات المساعدة المتبادلة، فرق من المتطوعين شُكّلت لمساعدة السكان في مناطق عيشهم أثناء الوباء. فقد تمكنت هذه المجموعات من تلبية الاحتياجات التي لم تتمكن السلطات من تلبيتها. كما قلنا، كان الحجر الذاتي مشكلة لأن الناس لا ينعزلون بدرجة كافية عندما يتطلب الأمر منهم ذلك. إنهم بحاجة إلى دعم مالي. إنهم بحاجة إلى دعم اجتماعي. وهذا يعني أن على أحد ما أن يشتري ما يحتاجون إليه، ويعني تأمين وصفاتهم الطبية، ويعني إخراج كلابهم في نزهة، ويعني منحهم الدعم العاطفي، والكثير من هذه الأشياء. أنشئت مجموعات المساعدة المتبادلة هذه للمساعدة على توفير ذلك.
ولكن، إذا نظرت إلى تطور هذه المجموعات سترى أنه بالتأكيد كانت هناك فورة في النشاط في الأشهر الأولى ثم تراجع ذلك. ولكنك تنظر إليها حالياً وتجد أن الكثير منها ما زال مستمراً، بل إن البعض الآخر يناقش كيف يجب المضي قدماً بعد كوفيد. هل ستبقى موجودة؟ إنها شبكات، لكنها أيضاً بنيات بديلة. إنها طرق بديلة لفعل أشياء، أو حتى طرق بديلة لممارسة السياسة. وهذه هي الطريقة التي ينظر بها البعض إليها حالياً. فالبعض منهم أشخاص شاركوا في مجموعات وتطوعوا من قبل، لكن الكثير منهم أشخاص جدد يرون الأشياء بطريقة جديدة. لذلك فهو عمل شاق بالنسبة إليهم، والمشاركون في تلك المجموعات معرضون للإصابة بالإجهاد والإنهاك النفسي. ولكنه أيضاً يفتح آفاقاً مهمة جداً للمستقبل.