أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقابلات

مُصلح عـــنـــيـــد

يتوجه كريس باكهام Chris Packham إلى المكسيك هذا الشهر لتقديم برنامج «الكوكب الأزرق على الهواء» Blue Planet Live لهيئة الإذاعة البريطانية. وفي هذه المقابلة يخبر هيلين غليني Helen Glenny عن معركته لإصلاح الكوكب، وعن قرابته بآلان تورينغ، وتحليله لدونالد ترامب

أنت تقدم برنامج «الكوكب الأزرق على الهواء» مع ليز بونين Liz Bonnin وستيف باكشال Steve Backshall هذا الشهر. فما خطتكم لذلك؟
هناك هدفان: نود إشراك الجمهور، ونحتاج إلى الاقتراب من الحيوانات وأن نتمكن من سرد قصصها. وكذلك سنلقي نظرة عامة على صحة المحيطات. فمثلا، أعلن اليابانيون أنهم سيستأنفون صيد الحيتان التجاري في مياههم الإقليمية. فقد ظننت أن اليابان جزيرة صغيرة نسبيّاً، ومن ثمَّ فإن المياه التي تتحكم فيها ستكون صغيرة نسبيّاً. لكنني كنت مخطئا، فهي تغطي مساحة بحجم الهند، وبداخل تلك المنطقة يوجد تنوع غير عادي من الحيتان. وهذه المشكلات، سواء كانت تتعلق بالرفاهية، أم الاستغلال، أم الصيد الجائر للأسماك، أم التلوث والبلاستيك، ستكون جميعها على جدول أعمالنا.

من أين ستقدم برنامجك؟
سأتوجه إلى باها كاليفورنيا في المكسيك، وهي مكان بعيد تماماً. ونظراً لطبيعته الاستوائية، فهناك تنوع كبير وإنتاجية- أي كثير من التغير. وفي آخر مرة كنت هناك، خرجنا في إحدى الليالي بحثاً عن الحبار، ومرَّ بنا سرب من الحيتان المرشدة Pilot whales وبعد نصف ساعة، كانت لا تزال تمر أمامنا. ولم نتمكن من تصديق ذلك. وكانت هناك الآلاف من هذه الحيوانات في هذا السرب.
هل تفكر في الموازنة بين المشكلات البيئية والمواقف الإيجابية حول الطبيعة؟
لا يمكن أن يكون الأمر بمثل هذه الكآبة. أولاً، يجب أن يهتم الأفراد، ومن ثم يتعين عليك تحفيزهم لاتخاذ إجراء ما، وسيهتمون فقط إذا فتنهم الأمر. أحاول أن أغادر هذا الكوكب وهو في حالة أفضل قليلاً مما كان عليه عندما ولدت، لكنني في الوقت الحالي أتأخر بشدة في هذا الصدد، لذلك أحاول بجهد أكبر أن أحقق هذا الهدف.

هل تعتقد أن هذا شيء سيمكننا تحقيقه؟
أعتقد أننا سنعاني بعضَ الخسائر المؤسفة جدا، وسنستمرفي ارتكاب بعض الأخطاء الفادحة. ولكن في نهاية المطاف، نحن نوع واسع الحيلة وقادر على التكيف وذكي، وعندما يتعلق الأمر بالأزمة، أعتقد أن لدينا الأدوات والأشخاص اللازمين للتغلب عليها.

ما الذي يحتاج إلى تغيير؟
بالنسبة إليّ، ليس هناك أي لبس حول حقيقة أن استمرار النمو الاقتصادي هو أسرع طريق إلى كارثة عالمية. لا يمكننا مواصلة هذا الشكل من النمو؛ لأنه يعتمد على استهلاك موارد الأرض. إن نموذج التفكير هذا الذي يرى أن كل شيء يجب أن يمثل تقدماً في النمو خاطئ تماماً، وقد وصل الأمر إلى النقطة التي صار فيها خطيراً جدّاً. هذا يقلقني حقّاً.
يحتاج [السياسيون] إلى وعي أكبر بالخطر البيئي المحدق بالكوكب. وأنا أقول «كوكب» لأننا نوع واحد يعيش على كوكب واحد يعاني مشكلةً واحدةً. نحن نفصل بين أنفسنا بواسطة أعلام وخطوط على الأرض، ولكن لم يعد هناك وقت لذلك.

لا يبدو أن دونالد ترامب يقدّر مدى سوء حالة كوكبنا. ما الذي ستقوله له، إذا سنحت لك الفرصة؟
أود معرفة حقيقة ما يحفزه. هل يؤمن حقّاً بما يقوله، أم أن لديه دوافع أخرى؟ أحتاج إلى إجراء تحليل علمي لدونالد ترامب. وأودَّ أن أعرف سبب تفكيره بهذه الطريقة. كيف وصل إلى هذه النقطة حيث يريد بناء جدار؟ كيف وصل إلى النقطة التي يقوم فيها بتفكيك التشريعات البيئية في جميع أنحاء أمريكا، مع نتائج كارثية؟ الأمر الآخر هو أن المصابين بمرض أسبرغر Asperger’s عادة ما يكونون بالغي الدهاء. وليس بطريقة سيئة، لكننا نرى الأشياء بالتفصيل، نشاهد الأفراد بالتفصيل، ونتعلم الكثير عنهم، ثم نستخدم تلك المعرفة لحملهم على فعل ما نريد. وهذا هو النهج الذي سأتبعه. لن أقضي عشر دقائق في الصراخ في دونالد ترامب. وهذا ما يفعله كل شخص آخر، ومن الواضح أن ذلك لا يفيد. سأقضي عشر دقائق في محاولة فهم ما يحفزه.

في ضوء كل هذه الأمور الجارية، ما الذي تحلم به ليلاً؟
أعظم المخاوف جميعها هو النمو السكاني، حسب رأيي. إن التغير المناخي سيحيل الحياة إلى جهنم، وستكون له عواقب وخيمة، لكنني أعتقد أننا كنوع، قادرون على التكيُّف والابتكار ونتمتع بالذكاء إلى حد أننا سنواجه هذا الأمر. لن يكون ذلك مريحاً، ولا أقول إنه سيكون رائعاً. ما لا يمكننا مواجهته هو أن يوجد منا أعداد كبيرة جدّاً. لأنه إذا نفدت الموارد، فلا يهم مدى جودة تكيفك: إذا تضورت جوعاً وعطشاً؛ فستموت. لذلك علينا أن نبدأ الحديث عن هذا.

كيف ستتناول هذه المشكلة؟
أول شيء سأفعله هو تحرير وتعليم النساء على المستوى العالمي. ففي كل حالة حدث فيها ذلك، نرى النساء يتزوجن في سن أكبر، ولديهن عدد أقل من الأطفال. فكر في جميع البلدان حول العالم التي لا تستطيع فيها النساء الحصول على التعليم والعمل والمساواة. من شأن ذلك أن يحدث فرقاً عميقاً. وفيما يتعلق بتصوير البرنامج، توجهت إلى أحد الأحياء الفقيرة في نيجيريا، حيث يحصل %10 فقط من الأطفال على أي شكل من أشكال التعليم، كما أنّ التعليم كان بدائيّاً وفقاً لمعاييرنا. والتقينا بثلاث شابات أتين من أشد البيئات التي يمكنك تخيلها فقراً، وهن يدرسن في الجامعة. سألتهن، هل أنتن متزوجات؟ كلاً. وضحكن جميعاً. هذا جنون. وسألتهن عن عدد الأطفال الذين قد يكون لديهن لو تزوجن؟ فأجبن: اثنين أو ثلاثة. قارن ذلك بالأطفال العشرة الذين تنجبهم بعض النساء هناك. وكان التحدث إلى هؤلاء الشابات رائعاً. فقد كافحن ضد كره النساء والمغالاة لكي يحصلن على التعليم، وكان ذلك لمصلحتهن. وفي جميع أنحاء الكوكب هناك نساء يمكنهن فعل ذلك إذا منحتهن الفرصة.

في الشهر الماضي، ألقيت خطاباً حول ألان تورينغ في برنامج رموز بي بي سي. لماذا أردت التحدث عنه؟
أولاً، كان عالماً، وأعتقد أن العلم جرى تجاهله مؤخراً. فهناك أشخاص يقولون إن لديهم ما يكفي من الخبراء، ولكن لدي اعتقاد راسخ أننا يجب أن نستمع إلى العلماء. كان أبي مؤرخاً عسكريّاً متحمساً، لذلك عرفني بألان تورينغ في صغري. لا يمكننا التوصل إلى تشخيص بأثر رجعي، ولكن من المحتمل جدّاً أن يكون تورينغ مصاباً بمرض أسبرغر، لذلك هناك نوع من القرابة بيننا. قرأت بعض الكتب عن حياته قبل أن ننفذ البرنامج، وكانت هناك أوجه للشبه بينه وبيني. فقد تعرض للتنمر في المدرسة، وللنبذ، كما وجد صعوبة في التكيّف مع المجتمع. ومع ذلك، فقد أظهر عبقرية غير عادية، لكن المأساة هي أن المجتمع عامَلَهُ بوحشية وخذله. وهناك شعور بالذنب حيال ذلك، وأعتقد أنه أمر مبرر. وما يميز أشخاصاً مثلي، أي المصابين بمرض أسبرغر، هو أننا نكره الظلم. نحن نكره الظلم الشخصي بشكل خاص. لذلك شعرت حقّاً بالظلم الذي وقع على تورينغ. فقد أغضبني هذا الأمر وأثارني وأشعرني بالعار.

كثير من الأفراد المشخَّصين بطيف التوحد يقدمون مساهمات قيمة في العلوم…
نعم، وافقت على تقديم برنامج «مرض أسبرغر وأنا» Asperger’s And Me على سبيل الاحتفاء بالنوع الذي أصابني من التوحد. وهناك العديد من المصابين بهذه الحالة، الذين يمكنهم إنجاز أشياء عظيمة. وأحد الجوانب الأخرى للحالة هو أننا لا نهتم بالقدر نفسه بما يفكر فيه الآخرون، لذا فنحن نتحمل المخاطر. نحن نقول ما نفكر فيه، أي نقول الحقيقة، حتى لو كان من الصعب على الآخرين سماعها. وأعتقد أنه بالنسبة إلى المصابين بمرض أسبرغر، لا يوجد إطار مقيّد. نحن لا نرى أي حدود. ولم يرَ تورينغ أن هناك أي مشكلة حول كسر شيفرة «إنيغما»- لقد كان السؤال متعلقاً بكيفية فعل ذلك فحسب. وأعتقد أن هذا شيء له قيمة كبيرة في العالم الحديث.
وكنت حريصاً حقّاً في كل من هذين البرنامجين [مرض أسبرغر وأنا، وأيقونات Icons] على التحدث إلى الشباب الذين هم في أشد مراحل اليأس في التعامل مع الوضع الراهن، في سن المراهقة وأوائل العشرينات. ويكون هذا أثناء انخراطهم في التعليم، وربما لديهم اهتمامات علمية. ومن المهم جدا أن تقول: «نحن نؤمن بك. نحن نعلم أن لديك مهارات. لا يهم أنه لا تستطيع الاختلاط بالآخرين، أو أنك لا تريد الاختلاط بالآخرين، أو أنك غير متآلف، أو لا يمكنك تفسير ذلك، وغير ذلك. هناك أشياء لا يمكنك فعلها ولا يستطيع أي شخص آخر فعلها. يجب عليك الاحتفاء بما هو جيد في حياتك».
لم يخبرني أحد بذلك عندما كنت صغيراً؛ مما جعل حياتي صعبة. فقد ظننت أنني مكسور. لذا، أنا حريص على أن أقول، «انظر، نحن بحاجة إليك، وسنجعل العالم يعمل من أجلك، وسيكون ذلك مفيداً للطرفين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى