أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

هل تساعد زراعة بلايين الأشجار على تخفيف التغير المناخي؟

بوب وارد، معهد غرانثام للأبحاث

تُظهر دراسة حديثة نشرها باحثون في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ أن زراعة تريليون شجرة على الأقل حول العالم يمكنها احتجاز ثلثي الكربون الذي يُضخُّ في الغلاف الجوي بسبب الأنشطة البشرية.

لماذا تعتبر الأشجار ضرورية للغلاف الجوي الأرضي؟
إنها حيوية لأن الأشجار، شأنها شأن جميع النباتات، تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتنتج الأكسجين. لذلك، بالنظر إلى أن المشكلة التي نواجهها هي تزايد تركيزات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى في الغلاف الجوي، فإن الأشجار تمثل جزءاً حيوياً منها.
كان فقدان الأشجار الذي تعرضنا له على مدى العقود والقرون القليلة الماضية مساهماً رئيسياً في خلق المشكلة التي نواجهها. لذا، فإن زراعة نباتات جديدة وأشجار جديدة هي جزء أساسي من الحل، وعلينا بالتأكيد أن نتوقف عن تدمير مناطق الغابات. والرسالة الرئيسية هي أن زراعة الغابات تُعد مساهمةٌ مهمة في الجهود المبذولة لمكافحة ظاهرة الاحترار العالمي- لكن يجب أن نحرص على عدم المبالغة في تقدير ما يمكننا إجراؤه، فهو بالتأكيد ليس بطاقة «للخروج الآمن من المشكلة». ولا يزال يتعين علينا إيقاف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولا يمكننا الاستمرار كما نحن ونكتفي بزراعة الكثير من الأشجار لتعويض ذلك- فلن ينجح هذا.

ما التأثير الذي أحدثته الأنشطة البشرية على مستويات الكربون؟
كان تركيز ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز الدفيئة الرئيسي، قبل بدء عصر التصنيع نحو 280 جزءاً في المليون. وهو الآن أكثر من 410 أجزاء في المليون.

كيف نحسب هذا الرقم؟
حسناً، الطريقة الرئيسية هي أن نقيس نظائر ثاني أكسيد الكربون، وسترى أن الزيادة ترجع إلى وجود ثاني أكسيد الكربون بنظائر الكربون التي لا يمكن أن توجد إلا بفعل حرق الوقود الأحفوري. وثاني أكسيد الكربون الموجود طبيعيا وثاني أكسيد الكربون الناتج من حرق الوقود الأحفوري لهما نظائر مختلفة، هكذا نستطيع التفريق بينهما.
وبالفعل، إذا بحثت عن المصدر المحتمل لكل هذه الكميات الإضافية من ثاني أكسيد الكربون، ستجد أن الطريقة الوحيدة التي يمكن إنتاجه بها هي حرق الوقود الأحفوري، فليس هناك مصدر رئيسي آخر. ورأى بعض الباحثين أننا نحصل على ثاني أكسيد الكربون من البراكين أيضاً، لكننا نعرف أن ذلك لا يحدث على نطاق يمكنه تفسير الزيادة الهائلة في مستويات ثاني أكسيد الكربون التي رأيناها في الغلاف الجوي.
نحن نقيس مستويات ثاني أكسيد الكربون في عصر قبل التصنيع من تحليل الفقاعات المحتجزة في لبّ الجليد. وعندما يتشكل الجليد في القمم الجليدية الرئيسية بالقارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، يمكنك الحفر عميقاً واستخراج عينات من اللب، ويمكنك احتساب توقيت تشكّل كل مستوى من الجليد. عندما يتشكل الجليد، فإنه يحتجز بداخله فقاعات صغيرة من الهواء الموجود في ذلك الوقت. لذا، إذا استخرجت الآن من الأعماق الجليدية، يمكنك تحليل الهواء الموجود في هذه الفقاعات وحساب تركيز كل غاز، وهكذا نعرف أن تركيزه كان نحو 280 جزءاً في المليون.

لحساب مساحات كتل الأرض التي يمكن استخدامها لزراعة الأشجار، قدّرت دراسة زيوريخ كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكن لشجرة ما أن تمتصها، ومن ثم ضربها في العدد المطلوب. هل يبدو ذلك مفرطاً في التبسيط؟
نعم، لقد أفرطوا في تبسيط الحساب وانتهى بهم المطاف بتقدير غير دقيق؛ لأنهم افترضوا أنك إذا بدأت بزراعة المزيد من الأشجار، فسيؤدي ذلك ببساطة إلى إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
لكننا نعلم أن ثاني أكسيد الكربون تمتصه أيضاً مياه البحر والتربة، وأن تركيزاته تتوازن مع بعضها البعض. ولذلك، فعندما نُسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون بحرق الوقود الأحفوري، يتصاعد بعضه إلى الغلاف الجوي، ويتوجه البعض الآخر إلى المحيط، وينتهي البعض الآخر في الأرض. وبالمثل، إذا بدأت إزالته من الغلاف الجوي؛ فسيتدفق بعض ثاني أكسيد الكربون من المحيطات والأرض إلى الغلاف الجوي. ولن تؤدي إزالة كل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إلى تقليل مباشر لتركيزاته. ولذلك، فباستخدام هذا التقدير، يمكنك في المقام الأول توازن ثلثي غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث بالفعل، لكنهم لم يحتسبوا سوى ثاني أكسيد الكربون الذي صعد إلى الغلاف الجوي- وإما نسوا أو تجاهلوا ثاني أكسيد الكربون المنبعث الذي انتهى في المحيطات والأرض، والذي سيعود إلى الغلاف الجوي إذا بدأت إزالته منه.

ماذا عن مناطق الأرض التي تم تحديدها؟
ربما لا تكون أجزاء كبيرة من المناطق التي يقترحون زراعتها بالغابات مناسبة لذلك الغرض،؛ لأن التربة لا تكون مناسبة في الغالب. وهناك أيضاً مساحات شاسعة في شمال كندا وسيبيريا، يُفترض أنك إذا زرعت فيها أشجاراً، فمن المفارقات أنه قد يكون لها تأثير قد يزيد التغير المناخي سوءاً،؛ لأن أحد الأشياء التي تتسبب في ارتفاع حرارة الأرض هو ما يُعرف بالألبيدو (الوضاءة) Albedo. وعندما توجد أسطح بيضاء، مثل الثلج، فإن كثيراً من أشعة الشمس تنعكس مرة أخرى إلى الغلاف الجوي؛ مما يمنع الاحترار. وتمتص الأسطح القاتمة المزيد من أشعة الشمس، ومن ثم تتسبب في مزيد من الاحترار. وهكذا، إذا بدأت بزراعة الأشجار، ستكون تلك المناطق قاتمة نسبيّاً مقارنة بالجليد الموجود هناك الآن، وقد ينتهي الأمر بالتسبب في زيادة الاحترار قليلاً، وهذا لن يكون مفيداً.
ومن المؤكد أننا يجب أن نزرع المزيد من الأشجار في الوقت الحالي، لكن بسبب هذه التقديرات المبسطة، فلن نقترب حتى من حل المشكلة كما اقترحت هذه الورقة البحثية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى