ضديد الجاذبية: ربما تنفيه نتيجة تجربة حديثة
ربما لا تزال الألواح الطائرة والسيارات الطائرة بعيدة المنال... لكن الطاقة المعتمة قد توفر حلاً
الجاذبية هي قوة شدّ موجودة بين جميع الأشياء في الكون، وذلك وفقاً لنيوتن في البَدء، ثم آينشتاين من بعدِه، وحالياً تجربة في مختبر المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية سيرن CERN. وينطبق ذلك على الأجسام التي ليس لها كتلة، لأن الجاذبية تؤثر في الطاقة، والكتلة هي مجرد شكل من أشكال الطاقة (مثلما تنص عليه معادلة أينشتاين الأكثر شهرة، وهي أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء). ولهذا السبب، حتى فوتونات الضوء عديمة الكتلة التي تنتقل من النجوم البعيدة، تنحني مساراتها في أثناء مرورها بمجرات ضخمة في طريقها.
”على نحو ما، يبدو أنها يفترض أن تكون موجودةً على نحو بديهي. هناك قوى كهربائية جذابة ونابذة، فلماذا لا يكون الأمر نفسه بالنسبة إلى الجاذبية؟“
ضديد الجاذبية Antigravity هو قوة جاذبية تنافرية افتراضية. يفترض أن تكون موجودةً بديهياً. فهناك قوى كهربائية جذابة ونابذة، فلماذا لا يكون الأمر نفسه بالنسبة إلى الجاذبية؟
الفرق هو أن الشحنة الكهربائية Electric charge تأتي في نوعين، موجب وسالب. الشحنات المختلفة (الموجبة والسالبة) سوف تتجاذب بعضها مع بعض، في حين أن الشحنات المتشابهة (موجبةً أو سالبةً) تتنافر. إن ما يعادل ”الشحنة“ في حالة الجاذبية هو الطاقة Energy، وهي تأتي فقط في نوع واحد: إيجابي.
وبما أن هذه الطاقات الإيجابية يجتذب بعضُها بعضاً، فلا يبدو أن هناك اًضديداً للجاذبية، وهو أمر مؤسف لأنها ستكون طريقة رائعة للتحليق من دون الحاجة إلى الصواريخ أو المحركات النفاثة أو حتى الأجنحة.
ومع ذلك، هناك (أو كان هناك، حتى وقت قريب) طريقة محتملة تمثل مفتاحاً لفهم ضديد الجاذبية: إنها ضديد المادة.
ضديد المادة ليس فكرة افتراضية، إنه حقيقة تماماً. الجسيمات Particles مثل الإلكترونات لها ما يعادلها من ضديد المادة. الجسيم المضاد للإلكترون هو البوزيترون، وهو لم يُرصد فحسب، بل يُستخدم بانتظام في المستشفيات لأغراض التشخيص.
البوزيترونات المنبعثة من العناصر غير المستقرة المحقونة في جسم المريض سوف تعطي إشارة طاقة مميزة جداً عندما تتلاقى مع إلكترون وتفنى Annihilate. الإشارة مميزة جداً بحيث يمكن تحديد نقطة الفناء بدقة شديدة.
العملية برمتها، المعروفة باسم التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، تعطي الأطباء معلومات فريدة عن الأنسجة الرخوة وتدفق المواد حول الجسم.
لضديد المادة شحنة كهربائية معاكسة للمادة، فهل لها أيضاً شحنة جاذبية معاكسة، ومن ثمّ تتفاعل مع ضديد الجاذبية؟ كان هذا هو السؤال الذي صُممت تجربة ألفا-جي ALPHA-g في مختبر سيرن CERN للإجابة عنه. هل يسقط ضديد المادة إلى الأسفل أو يصعد إلى الأعلى؟
إن إنتاج ضديد الجسيمات أمر سهل جداً. يمكن للمسرعات (المُعجِّلات) Accelerators مثل تلك الموجودة في مختبر سيرن إنتاج عديد من البوزيترونات والبروتونات الضديدة. هذا جيد، لكن هذه الجسيمات لها شحنة كهربائية، وهي أيضاً تتحرك بوجه عام بسرعة عالية. لا يُعَد أي من هذه الأشياء جيداً إذا أردنا قياس تأثير الجاذبية، لأن الجاذبية ضعيفة جداً فعلياً.
فكِّرْ مثلاً في هذا المثال: عضلاتك التي تستخدم القوة الكهرومغناطيسية، يمكنها التقاط قلم أو ورقة، ومن ثمّ مقاومة جاذبية كوكب بكامله.
لذا فإن أي مجال كهربائي صغير ضال في تجربتك يمكن أن يحجب بسهولة تأثير الجاذبية على جسيم مشحون مثل البوزيترون أو ضديد البروتون. ولكن، سيكون الجسيم قد انطلق بسرعة قبل أن تتمكن من رؤية الاتجاه الذي سيسقط فيه. صُمِّمَ مبطئ ضديد البروتون في مختبر سيرن لمكافحة هذا الأمر؛ لإبطاء ضديدات البروتونات، وجمعها في النهاية مع البوزيترونات لتكوين ضديد هيدروجين محايد كهربائياً. وبطريقة مماثلة لطريقة تكون ذرة الهيدروجين من بروتون واحد وإلكترون واحد، تتكون ذرة ضديد الهيدروجين من ضديد بروتون واحد وبوزيترون.
خلال تجارب ألفا ALPHA (اختصاراً لـ: جهاز فيزياء الليزر المضاد للهيدروجين Antihydrogen Laser Physics Apparatus)، في مصنع ضديد المادة Antimatter Factory في مختبر سيرن، جمع الباحثون ذرات ضديد الهيدروجين ودرسوها منذ العام 2013، ونشروا في سبتمبر 2023 نتائج إعدادات جديدة New setup للتجربة باسم ألفا-جي ALPHA-g، حيث يرمز الحرف g إلى الجاذبية.
الفكرة بسيطة جداً – احبس بضع مئات من ذرات ضديد الهيدروجين في أنبوب عمودي، ودعها تنتشر في المكان من حولها، ثم قِسْ كم منها يخرج من الأعلى وكم يخرج من الأسفل. صُممت التجربة بحيث إذا كانت الجاذبية تؤثر في ضديد المادة بالطريقة نفسها التي تؤثر بها في المادة، فإن 80% منها يجب أن تتساقط Drop out من قاع الأنبوب، في حين أن 20% سوف تنتشر Diffuse من الجزء العلوي من أنبوب التجربة بفعل ”الارتداد“ Bouncing إلى الأعلى.
في حدود الدقة المتاحة في نطاق التجربة، هذا ما حدث بالضبط. ضديد المادة يسقط إلى الأسفل مثل المادة العادية. حسناً، هل هذه هي نهاية المطاف بالنسبة إلى ضديد الجاذبية؟ ليس الأمر كذلك.
لكن هذا يشير إلى نهاية نوع معين من ضديد الجاذبية. لن نحصل، مثلاً، على صواريخ تضاد الجاذبية (أو ألواح طائرة) تركَّب على وسادة من ضديد المادة.
ومع ذلك، في حين أن معظم العلماء لم يُفاجَؤوا تماماً بهذه النتيجة، فقد جاء شكل من أشكال ضديد الجاذبية ليعزز فهمنا أو ما نعرفه حالياً في علم الكون Cosmology. تشير القياسات الفيزيائية الفلكية إلى أن معدل توسع الكون آخذ في الازدياد، وهذا يعني أن قوة ما تعاكس قوة الجاذبية بين المادة الموجودة في الكون، وتدفعها بعيداً بعضها عن بعض. نحن نسمي هذه القوة الطاقة المعتمة Dark energy، ولكن من الممكن أيضاً أن نطلق عليها اسم ”ضديد الجاذبية“.
في الواقع، كانت هناك نظريات تقترح أن نصف الكون يتكون من ضديد المادة، وأن ضديد المادة هذا يطرد Repelling المادة ومن ثمّ يقدم لنا تأثير الطاقة المعتمة.
من المحتمل أيضاً أن تحل مثل هذه الأفكار بعض المشكلات الأخرى في فهمنا لعلم الكون، على الرغم من أنها ولَّدت مجموعة كاملة من المشكلات الأخرى. وفي كلتا الحالتين، في ضوء نتيجة تجربة ألفا-جي ALPHA-g، يبدو أنهم مخطئون، ولا بد أن هناك شيئاً آخر وراء ضديد الجاذبية.