مايكل موزلي: رائد التواصل العلمي
جايلز ييو ينعَى زميله وصديقه الكاتب في مجلة بي بي سي ساينس فوكس BBC Science Focus.
1957 – 2024
المرة الأولى التي التقيتُ فيها مايكل موزلي كانت خلال أمسية صيفية نظمتها هيئة الإذاعة البريطانية. كان ذلك فورَ عرض أول فيلم وثائقي قدمتُه ضِمن برنامج ”هورايزون“ Horizon، وهو ما أهلني للحصول على دعوة.
لم أكن أعرف أحداً في الحفلة، وبما أن عديداً من الحاضرين كانوا من الأسماء المعروفة، شعرت بالارتباك وبقليل من الرهبة، وانتهى بي الأمر إلى مشاهدة الناس بهدوء من بُعد. في هذه اللحظة، اقترب مني مايكل.
قال: ”مرحباً، أنا مايكل موزلي“. لم يكن في حاجة إلى تقديم نفسه – بالطبع كنت أعرف من هو! بدأنا الحديث وانتهى بنا الأمر إلى قضاء معظم المساء معاً. لم يتسنَّ لي العمل مع موزلي إلا بعد مرور سنة، عندما حصلت على دور في برنامج ”ثق بي أنا طبيب“ Trust Me, I’m a Doctor. لكن ذلك اللقاء الأول بقي عالقاً في ذهني على الدوام؛ فهو لم يكن يعرفني على الإطلاق، لكنه لاحظ أنني وافد جديد إلى الحفل وحرص على أن يرحِّب بي.
امتدت مسيرة مايكل كمنتج ومذيع ومؤلف لأكثر من أربعة عقود، وهي سنوات قضى عديداً منها مع هيئة الإذاعة البريطانية (اختصاراً: الهيئة BBC). ونتيجة لذلك فقد ترك إرثاً عظيماً، وفي السياق ابتدع أسلوباً جديداً في تقديم العلوم، هو المقدِّم الذي يجرب بنفسه ما يتحدث عنه.
ومن المعروف عنه، مثلاً، أنه تناول بيض الديدان الشريطية من أجل العلم. ولكن ما اشتُهر به مايكل على الأرجح هو ترويجه لنظام الصيام المتقطع 2:5 [ويتضمن تناول الطعام على النحو المعتاد 5 أيام في الأسبوع، ثم الصيام، أو تقليل السعرات الحرارية إلى حد كبير، يومين غير متتاليين في الأسبوع] الذي اتبعه بنفسه ليُنقص وزنه بنجاح، والأهم من ذلك أنه تمكن من السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني Type 2 diabetes. حالياً صار إجراء المقدم العلمي للتجارب على نفسه أمراً طبيعياً تقريباً. بالطبع كانت كل الأجزاء التي قدمتها ضمن برنامج ”ثق بي، أنا طبيب“ تقريباً تتضمن تجربة شيء ما بنفسي.
”لم يكتفِ بتقديم العلوم من ناحية نظرية، بل شرحها ووضَّحها بطريقة عملية. وهذا، إلى جانب موهبته الخارقة في جعل الأمور المعقدة تبدو بسيطة، جعله في النهاية ينجح في تعليم عدد هائل من الناس“
كان لمايكل منتقدوه وتلقى قدراً كبيراً من الانتقادات من المجتمع العلمي لأن التجارب التي يجريها شخص واحد ليست تجارب حقيقية، بل مجرد استنتاجات شخصية. وهذا صحيح بالطبع من وجهة نظر علمية صارمة. لكن مايكل لم يكن يُجري تجارب علمية، ولم يزعم قط أنه يجريها؛ بل كان يحاول بدلاً من ذلك أن ينقل ما يختبره وما يتعلمه منها إلى الآخرين. لم يكتفِ بتقديم العلوم من ناحية نظرية، بل شرحها ووضَّحها بطريقة عملية. وهذا، إلى جانب موهبته الخارقة في جعل الأمور المعقدة تبدو بسيطة، جعله في النهاية ينجح في تعليم عدد هائل من الناس.
من وجهة نظر شخصية، كان مايكل بمنزلة مرشد لي. تماماً مثل برنامجه البودكاست ”شيء واحد فقط“ Just One Thing الذي كان يقدم من خلاله كل أسبوع نصائح بسيطة وقابلة للتنفيذ لتحسين الصحة، زودني بنصائح عملية للبقاء والمتابعة في عالم التلفزيون. مثلاً، إذا أمكنك تماماً، لا تُشِر إلى شيء ما من دون داعٍ في أثناء التصوير. لماذا؟ لأن هذا يستلزم بالضرورة 15 إلى 20 دقيقة إضافية لتصوير لقطات مقربة لإصبعي وهو يشير إلى الشيء المذكور، لاستخدامها كلقطات صغيرة، كان الوقت دائماً ضيقاً لدى تصوير لقطات برنامج ”ثق بي، أنا طبيب!“. لقد رأيت أيضاً كيف أجرى مقابلاته بطريقة لبقة ومع ذلك تمكن من الحصول على أي معلومات مطلوبة؛ وكيف أعد ملخصاته للقطات الختامية التي صورها أمام الكاميرا ولم تكن مكتوبة قط. وما زلت أستخدم كل هذه التقنيات حتى الوقت الحالي، سواء في التلفزيون أو في وظيفتي اليومية في المجال الأكاديمي.
لقد شهدنا خلال سنوات الجائحة أمثلة رائعة للتواصل العلمي Science communication. وفي الوقت نفسه، تعرضنا أيضاً لبعض الأمثلة المروعة للتواصل العلمي. إذا كان هناك أي درس يمكن تعلُّمه من سنوات كوفيد COVID، فهو أن التواصل العلمي السيئ يمكن أن يقتل.
جايلز عالم وراثة من جامعة كيْمبريدج University of Cambridge، ويركز في عمله على الغذاء وعلم الجينات والسمنة
كان مايكل موزلي زميلاً مقرباً ومُعلماً نجيباً وصديقاً عزيزاً. سوف أفتقده كثيراً.