اكتشاف الأسرار الجينية للأسماك المغيرة لجنسها
من المعروف أن نحو 500 نوع من الأسماك تمر بواحد من أكثر التحولات المذهلة في العالم الطبيعي- التحوّل الكامل للجنس. واكتشفت دراسة أجريت في جامعة أوتاغو University of Otago بنيوزيلندا الكيفية التي تقوم بها أسماك الشفاهي Wrasse الزرقاء الرأس، وهي سمكة صغيرة الحجم تعيش في الشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي، بتغيير جنسها.
تبدأ معظم أسماك الشفاهي الزرقاء الرأس حياتها كإناث، ولكن عند غياب الذكر المهيمن من جماعة اجتماعية، تتحول أكبر أنثى إلى ذكر خصيب خلال أقل من عشرة أيام. وهي تبدأ هذا التحول في غضون دقائق من رحيل الذكر، فتغيّر لونها أولاً ثم تُظهر سلوكيات ذكورية. وبعد تبدأ المبايض بالانكماش وتنمو خصي وظيفية بالكامل في مكانها.
وباستخدام أحدث الأساليب الجينة، اكتشف الباحثون أن التغير ناتج من «تعطيل» جينات معينة في الدماغ والجهاز المناعي. ويبدأ التحول عند إيقاف عمل الأروماتيز Aromatase، وهو جين مسؤول عن إنتاج هرمون الإستروجين الأنثوي، على الرغم من أن ما يحث على تعطيل الأروماتاز غير معروف بعد.
قالت الدكتورة إيريكا تود Erica Todd، المؤلفة المشاركة في الدراسة: «ظلت كيفية عمل هذا التحول المذهل على المستوى الجيني لغزاً لفترة طويلة. وتكشف دراستنا أن تغيير الجنس يشمل تجديداً وراثياً كاملاً للغدد التناسلية. ووجدنا أن الجينات اللازمة للحفاظ على عمل المبيض توقف أولاً، ثم يفعّل مسار وراثي جديد لتعزيز تشكّل الخصية».
يبدو أن هذا التحول المدهش قد تحقق بفضل تغيرات في «الذاكرة» الخلوية. كما أوضح الباحث أوسكار أورتيغا-ريكالدي Oscar Ortega-Recalde: «في الأسماك وغيرها من الفقاريات، بما في ذلك البشر، تستخدم الخلايا واسمات كيميائية على الحمض النووي، تتحكم في التعبير الجيني وتتذكر وظيفتها المحددة في الجسم. ولدراستنا أهميتها؛ لأنها تظهر أن تغيير الجنس يعتمد على تغيرات عميقة في هذه الواسمات الكيميائية، مثل جين الأروماتيز، ومن ثمَّ إعادة برمجة ذاكرة خلايا الغدد التناسلية نحو مصير ذكوري».
نظراً لأن العديد من الجينات المهمة للتطور الجنسي في الأسماك مهمة أيضاً في الحيوانات الأخرى، فإن اكتشاف فريق الباحثين قد تكون له في النهاية تطبيقات عملية على البشر.
قالت تود: «إن فهم الكيفية التي تستطيع بها الأسماك تغيير جنسها قد يخبرنا بالمزيد عن كيفية تفاعل شبكات معقدة من الجينات لتحديد الجنس والحفاظ عليه، ليس فقط في الأسماك ولكن أيضاً في الحيوانات الفقارية عموما».