أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

خارطة طريق مكافحة الشيخوخة

يقول العلم إن الوقت قد حان لإعادة التفكير في عمر أجسامنا والتحكم فيه. فيما يلي مقترحات تفيد في إبطاء الساعة البيولوجية وإيقافها وحتى إمكان إرجاع عقاربها إلى الوراء

المؤلف: أندرو ستيل Andrew Steele – الرسوم التوضيحية: أولي هيرست Ollie Hirst

طريق مكافحة الشيخوخة”كم عمرك؟“ كان سؤالاً بسيطاً تسهل الإجابة عنه. إذا لم تكن متأكداً، يمكنك عدُّ الشموع على كعكة عيد ميلادك. ومع ذلك ربما لم تعد الشموع كافية لمعرفة ذلك. هذا وفقاً لمجموعة متزايدة من العلماء الذين يقترحون أن العمر لا يقتصر على العمر الزمني التقليدي، بل لدينا أيضاً ”عمر بيولوجي“ Biological age أكثر مرونة؛ وحتى من الممكن أيضاً أن يعود هذا العمر البيولوجي إلى الوراء… إذا عرفنا كيف نفعل ذلك.

بدأت هذه الفكرة تحظى باهتمام وحماسة في العام 2013 تقريباً، مع الاختبارات الأولى للحمض النووي DNA التي يمكنها تقدير عمر الإنسان بفارق بضع سنوات. ولكن الاختلاف بين عمر الحمض النووي DNA لشخص ما وعمره الزمني استدعى طرح السؤال: إذا أظهر الاختبار أنك أكبر من عمرك الزمني، فهل يُعَد ذلك من باب الخطأ، أو أنه يمكن أن يشير إلى شيء ما على صلة بمدى سرعة تقدمك في السن على المستوى البيولوجي؟

لقد أظهر لنا عَقد من الأبحاث الوسيطة Intervening research أن الأشخاص الذين يزيد لديهم عمر الحمض النووي DNA المعروف على نحو أدق باسم ”العمر فوق الجيني“ Epigenetic age أو العمر الإبيجيني، يبدو أنهم بالفعل أكبر سناً من الناحية البيولوجية، ومن ثم فهُم يميلون إلى الإصابة بالمرض والموت أبكر من غيرهم. إنه اكتشاف علمي يوضح ما أدركه كثيرون منا وهو أن الناس يشيخون بسرعات مختلفة. ولكن ماذا يعني هذا في الواقع، سواء من الناحية البيولوجية أو العملية؟

من الناحية البيولوجية، نحن نفهم حالياً عديداً من العمليات الخلوية والجزيئية الأساسية التي تسبب عملية الشيخوخة، من تلف البروتينات التي تحافظ على عمل أجسامنا، إلى شيخوخة الخلايا نفسها. هذه التغييرات – المعروفة مجتمعةً باسم ”السمات المميزة“ Hallmarks للشيخوخة – هي التي تُسبب ظهورَ التجاعيد والشيب والضعف وفقدان الذاكرة وأمراضٍ مثل السرطان وأمراض القلب والخرف، وكلها يزداد احتمال حدوثها على نحو كبير مع تقدمنا في السن.

أما من الناحية العملية، فإذا تمكنا من إبطاء هذه السمات المميزة سواء من خلال اختيار نمط الحياة الصحي، أو، كما نأمل في وقت قريب، تناول العلاجات الطبية لعملية الشيخوخة، فسوف نتمكن من الحد من مخاطر عديد من مشكلات الشيخوخة أو جميعها في الوقت نفسه.

في الوقت الحالي قد ترغب، في البَدء، في قياس عمرك البيولوجي لمعرفة وضعك. لا تعتمد على اختبار العمر فوق الجيني – على الرغم من توافره تجارياً، إلا أنه ليس رخيصاً ونتائجه غير متسقة إلى حد كبير. بدلاً من ذلك، هناك عدد لا بأس به من القياسات المجانية التي يمكنك تجربتُها وأنت في منزلك للحصول على فكرة تقريبية.

الأول هو مجرد النظر في المرآة وتحديد كيف تبدو. وجدت إحدى الدراسات التي أُجريت على توائم دنماركيين أن أولئك الذين صُنفوا على أنهم يبدون أكبرَ من عمرهم الزمني كانوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو الوفاة مقارنة بالمشاركين الذين بدوا أكثر شباباً.

هناك قياسات فيزيائية يمكن اختبارها أيضاً. معرفة السرعة التي يمكنك المشي بها عشرة أمتار (32 قدماً) توفر مقياساً (مع انخفاض السرعة من 1.4 متر/ثانية – أو 4.6 قدم/ثانية – لدى من هم أقل من 50 عاماً إلى أقل من 1 متر/ثانية أو 3.2 قدم/ثانية لدى من تزيد أعمارهم على 80 عاماً)؛ أو يمكنك تجربة الوقوف على ساق واحدة (يمكن للذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً الوقوف 45 ثانية مع عيونهم مفتوحة أو 15 ثانية مع إغماض أعينهم، ولكن هذا ينخفض إلى 32 ثانية و4 ثوانٍ على التوالي لدى الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و69 عاماً).

”ما بين 75 و95% من العمر يعود إلى أسلوب الحياة والحظ“

إذا دقت هذه الاختبارات جرس الإنذار لديك، فإليك هذا الخبر السار وهو أن العلم يخبرنا بأن معدل الشيخوخة لدينا لا تحدده ببساطة جيناتنا. تشير الدراسات التي تتراوح بين مقارنات مدى العمر لدى التوائم المتطابقة، وتحليل الأرقام الضخمة على قواعد بيانات ضخمة لأشجار العائلة، وأن ما بين 75 و95% من العمر يعود إلى أسلوب الحياة والحظ، وهذا يعني أن في وسعنا التحكم في جزء كبير منه.

إذن، من أين يجب أن تبدأ رحلتُك لتأخير – وربما عكس – التدهور المرتبط بالعمر؟ يزودنا العلم بمجموعة من الاقتراحات، منها ما هو بديهي ظاهر ومنها ما هو غامض.


طريق مكافحة الشيخوخةحافظ على عضلاتك

يقول الأطباء مازحين إنه لو كانت التمارين الرياضية دواءً لاصطف الجميع لتناولها. للأسف، التمتع باللياقة البدنية أصعب من مجرد تناول قرص ما، وكثيرون منا لا يحصلون على ما يكفي من هذا العلاج المعجزة، على الرغم من أنه يبدو قادراً على إبطاء عملية الشيخوخة.

”يمكن أن تساعد تمارين المقاومة على الحفاظ على كثافة العظام وكتلة العضلات“

يعلم معظمنا أنه يجدر بنا أن نمارس 150 دقيقة من النشاط المعتدل (مثل المشي السريع)، أو 75 دقيقة من التمارين الشديدة Vigorous exercise، أسبوعيا. ما يتجاهله كثيرون هو تمارين القوة. يمكن أن تساعد تمارين المقاومة على الحفاظ على كثافة العظام وكتلة العضلات، وهما أمران مهمان حقاً مع تقدمنا في العمر، وذلك لعدة أسباب. حتى أن العضلات تساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم بعد الوجبات وهو ما لا تُحسن أجسامنا أداءَه مع تقدمنا في العمر.

نفقد ما يقرب من 5% من عضلاتنا و10% من قوتنا كل عَقد بعد سن الثلاثين. لكن تمارين المقاومة يمكن أن تؤخر هذا التراجع أو حتى أن تعكسه. لا يتطلب هذا الأمر رفع الأثقال في صالة الألعاب الرياضية: يمكن أداء كثير من التمارين في المنزل باستخدام وزن جسمك، بدءاً من تمارين الضغط وحتى تمارين القرفصاء. كما أننا يمكن أن نبدأ ذلك في أي عمر، وسنحصل على نتيجة. إحدى الدراسات الفريدة الملهمة وفرت لأشخاص تزيد أعمارهم على 90 عاماً برنامجاً تدريبياً على المقاومة مدة شهرين، وفي النهاية زادت قوة عضلاتهم مرتين تقريباً بفضله.


طريق مكافحة الشيخوخةتجاهل برامج التغذية الرائجة

يمكن أن تقضي عمرك في تجربة كل نظام غذائي يُروَّج له على أنه أفضل طريقة لتحسين الصحة وطول العمر. لحسن الحظ، المسار العام واضح: معظمنا سيستفيد من تقليل تناول اللحوم وتناول مزيد من الخضراوات والفواكه والبقوليات والمكسرات والحبوب الكاملة.

ومع ذلك ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطاء ساعتك البيولوجية. تطرح دراسات النظام الغذائي تحدياً كبيراً، نظراً إلى أن أكبرها دراسات ”قائمة على الملاحظة“ Observational؛ لا يمكن فرض نظام غذائي على آلاف الأشخاص على مدى عقود من الزمن، لذلك يكتفي العلماء بمراقبة ما يأكله الناس ومراقبة ما يحدث لصحتهم.

لكن التوصيات المذكورة أعلاه تحظى بتأييد دراسات قصيرة المدى تصف نظاماً غذائياً دقيقاً للمشاركين، ثم تستخدم اختبارات مثل تحليل الدم لمراقبة علاماتهم الصحية الرئيسة. ولكن ماذا عن مواعيد الأكل؟ وكم نأكل؟ في حين أن هناك أدلة قوية على أن الحفاظ على وزن صحي مهم لإطالة العمر، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت ممارسات مثل الصيام أو تناول عدد أقل من السعرات الحرارية على المدى الطويل ستكون ذات فائدة.

يعطي تقييد السعرات الحرارية نتائج جيدة لدى عديد من الكائنات الحية، مثل الخميرة وحيدة الخلية والديدان والذباب والفئران، ولكن النتائج أكثر غموضاً لدى القرود (أقرب الحيوانات إلى البشر التي جربنا عليها ذلك حتى الوقت الحالي). والأدلة أضعف عندما يتعلق الأمر بالصيام. تشير بعض الدراسات على البشر إلى أن ذلك قد يؤدي إلى فقدان الوزن، ولكن على نحو غير متناسب عن طريق فقدان العضلات بدلاً من الدهون، وهو ما قد يكون له تأثير سلبي في عمرك البيولوجي، نظراً إلى أهمية العضلات مع التقدم في العمر.


اغسل أسنانك

واحدة من الروابط الأكثر إثارة للدهشة في بيولوجيا الشيخوخة هي العلاقة بين نظافة الفم الجيدة والعيش فترة أطول. جاءت التلميحات الأولى لهذا من خلال دراسات أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعانون قدراً أقل من تسوس الأسنان وأمراض اللثة يعانون نوبات قلبية أقلَّ – على ما يبدو – من أولئك الذين تكون صحة فمهم سيئة.

ولم يكن الارتباط واضحاً على نحو دقيق، فقد يكون هناك عامل غير ذي صلة وراء هذا الارتباط، أو ربما يقضي الأشخاص الأكثر وعياً بالصحة وقتاً أطول في تنظيف أسنانهم ويتبعون سلوكيات أخرى مثل تناول الطعام الصحي، ولكن مزيداً من الدراسات عززت الارتباط. إضافةً إلى ذلك فقد اقترحتْ ما يمكن أن يكون عليه الارتباط وهو وجود التهاب مزمن.

عادةً ما يكون الالتهاب، وهو استجابة مناعية طبيعية لعدوى أو إصابة، قصيرَ الأجل. ومع ذلك، مع تقدُّمنا في السن، تصير أجهزتنا المناعية أكثر حذراً وتدخل في حالة من التأهب المنخفض المستمر – وهو ما يعني حالة الالتهاب المزمن – ويعتقد العلماء أن هذا يمكن أن يؤدي إلى تسريع عملية الشيخوخة.

إن المعركة التي لا تنتهي مع البكتيريا الموجودة على أسنانك أو لثتك توفر مصدراً لهذا النوع من الالتهاب الخفيف وطويل الأمد، مما يوفر آلية ترتبط من خلالها نظافة أسنانك بصحتك عموماً.


الحصول على قسط كافٍ من النوم، ولكن ليس على كثير منه

لا بد أنك سمعت ذلك من قبل: تشير الدراسات إلى أن مدة النوم المناسبة تتراوح بين 7 و8 ساعات في الليلة في المتوسط. ولكن ربما ما لم تسمعه كثيراً هو أن الإطالة في النوم يمكن أن يكون لها تأثير ضار في صحتك. يرتبط النوم أكثر من تسع ساعات في الليلة بانتظام بارتفاع خطر الوفاة مقارنةً بالنوم مدة لا تزيد على أربع ساعات.

هناك مجموعة متنوعة من الأسباب المحتملة هنا: يُحتمل أن الأشخاص الذين يشعرون بالتوعك يشعرون بطرق أخرى بتعب أكبر، ومن ثم ينامون فترة أطول. أو قد يرجع ذلك إلى عمليات بيولوجية أكثر تعقيداً، مثل أن يؤدي قضاء مزيد من الوقت في السرير إلى تغيير سلوك الجهاز المناعي نحو الأسوأ. حالياً، ليست لدى العلماء إجابة وافية.

على الرغم من أن النوم ما زال هو أحد الجوانب الأكثر غموضاً في علم وظائف الأعضاء، فإن علم طول العمرLongevity science يكشف عن آليات لشرح كيف يمكن للنوم الجيد أن يطيل أعمارنا. مثلاً، في أثناء نومنا، تلجأ أدمغتنا إلى عملية تنظيف كبيرة Spring-clean، تتخلص خلالها حرفياً من السموم، مثل رواسب الأميلويد Amyloid deposits المرتبطة بمرض ألزهايمر (تُنطق آلزايمر)، عبر شبكة من الأنابيب المكتشفة أخيراً في الجمجمة، والمعروفة باسم الجهاز الغليمفاوي Glymphatic system.

وبالنظر إلى أن تراكم البروتينات السامة هو إحدى السمات المميزة للشيخوخة، فإن عملية التنظيف يمكن أن تُبطئ شيخوخة الدماغ، وهو ما نأمُل أن يجعل النصيحة المعتادة للحصول على قسط كافٍ من النوم أكثر إقناعاً، وإن قليلاً.


ضعْ واقياً من الشمس باستمرار

من بين كل المستحضرات التي تَعِد بالحفاظ على جمال البشرة ونضارتها، يبقى كريم مكافحة الشيخوخة الأكثر فعالية هو ذاك الكريم المتواضع الواقي من الشمس. إضافةً إلى أنها تسبب سرطان الجلد، تعمل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس على تسريع شيخوخة الجلد من خلال عدة آليات مختلفة.

أولاً، إنها تدمر الكولاجين والبروتينات الهيكلية الأخرى التي تجعل بشرتنا قوية ونضرة في عمر الشباب، مما يؤدي إلى ظهور التجاعيد ويُبطئ عودة الجلد إلى وضعه الأساسي عند قَرصه. (بالمناسبة، هذا اختبار منزلي آخر للعمر البيولوجي).

ثانياً، إن الضرر الذي يلحق بالحمض النووي DNA بسبب الأشعة فوق البنفسجية يعني أن جميع خلايا الجلد لدينا تقريباً تتحور بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى خمسينات العمر. لا نعرف حتى الوقت الحالي بالضبط كيف يساهم ذلك في الشيخوخة، لكن هذه الطفرات غير موجودة في البشرة الشابة. سيساعد استخدام واقي الشمس على الحفاظ على مظهر أكثر شباباً.

ويجدر استخدام كريمات ذات عامل 15 أو أعلى مع أربعة أو خمسة نجوم للحماية من الأشعة فوق البنفسجية من الفئة A. من المفيد وضع واقي الشمس كل صباح لأن الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تكون قوية بما يكفي لإتلاف الجلد حتى في الأيام الملبدة بالغيوم أو من خلال النافذة. مع هذا النظام، ربما يكون من المفيد أيضاً تناول مكملات الفيتامين D (10 ميكروغرام يومياً) والذي يُنتج عادةً عندما تتعرض بشرتنا للأشعة فوق البنفسجية.


ضع النظاراتِ الشمسية طوال العام

لا يقتصر الأمر على حاجة بشرتك إلى الحماية من الشمس: الاعتناء بعينيك لا يقل أهمية عن ذلك، وقد تشمل تأثيرات حمايتها الوقاية من الخرف. وذلك لأن الضرر الذي يمكن أن يحدثه الضوء فوق البنفسجي له عواقب تمتد إلى ما هو أبعد من فقدان البصر.

مثلاً تكون البروتينات الموجودة في عدسات عينيك شفافة عادة، ولكن الضرر الناتج عن الأشعة فوق البنفسجية قد يسبب التعتيم والاصفرار والذي إذا صار شديداً يُعرف بإعتام عدسة العين Cataract.

يمكن للأشعة فوق البنفسجية أيضاً أن تُلحق الضرر بالخلايا الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من العين، مما يؤدي إلى تسريع الإصابة بالضمور البقعي المرتبط بالعمر Age-related macular degeneration (اختصاراً: الضمور AMD) الذي يمكن أن يؤدي إلى ضبابية الرؤية. يبدو أن إعتام عدسة العين والضمور البقعي المرتبطين بالعمر يزيدان من خطر الإصابة بالخرف. إحدى النظريات التي تفسر ذلك هي أنه من خلال تقليل كمية التحفيز البصري التي يتلقاها الدماغ، يتسارع التدهور المعرفي مع الشيخوخة، لذا فإن حماية عينيك من الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تبطئ هذه العمليات، ومن ثم، يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالخرف.

الخبر السار لأولئك منكم الذين يضعون نظارات أو عدسات لاصقة هو أن معظمها يأتي مزوداً بحماية مدمجة من الأشعة فوق البنفسجية. بالنسبة إلى بقيتنا، يجدر بنا التفكير في ارتداء نظارات شمسية – وخاصة تلك التي تلتف حول العينين لمنع الأشعة فوق البنفسجية من التسلل من الجوانب – وقبعة واسعة الحواف. لن تساعد وسائل الحماية هذه على الحفاظ على البصر مع التقدم في السن فحسب، بل ستساعد أيضاً على الحفاظ على وظائف الدماغ.


الاستعداد للأدوية الفائقة في المستقبل

ربما تكون أهم نصيحة صحية لنا جميعاً على المدى المتوسط هي اكتساب مزيد من المعرفة عن بيولوجيا الشيخوخة. وذلك لأن هناك أدوية في الأفق يمكن أن تبطئ عملية الشيخوخة وتحافظ على صحة عدد أكبر منا فترة أطول. وقد تكون بعض الأدوية متاحة بالفعل حالياً، مثل الميتفورمين Metformin (دواء لمرض السكري) أو الراباميسين Rapamycin (الذي يُعطى لمساعدة مرضى زرع الأعضاء) والتي يبدو أن لها تأثيراً واسع النطاق في مكافحة الشيخوخة.

يمكن أن تستهدف علاجات جديدة أخرى واحدة أو أكثر من علامات الشيخوخة، مثل ما يسمى بالأدوية ”المضادة للشيخوخة“ Senolytic drugs المصممة لإزالة بعض الخلايا التي لا تتصرف على نحو سوي وتُعرف باسم الخلايا ”الشائخة“ “Senescent” cells والتي تتراكم في أجسامنا مع تقدُّمنا في السن. يقدم علم طول العمر وعداً بعلاجات أقوى بكثير من النصائح المتعلقة بنمط الحياة المتوافرة لدينا حاليا.

وهذا مجرد سبب آخر للبقاء في صحة جيدة قدر الإمكان باستخدام الأدوات المتوافرة في الوقت الحالي: من أجل أن نكون موجودين حتى نستفيد من علاجات الغد التي ستحدث تغييراً كبيراً في مجرى الأمور.


لا تُهدر مدخراتك

ربما كانت القصة الأكثر تداولاً في علم الأحياء الخاص بالشيخوخة في الآونة الأخيرة هي قصة رجل الأعمال الأمريكي بريان جونسون Bryan Johnson الذي ينفق مليوني دولار (1.6 مليون جنيه إسترليني) من ثروته المعلنة البالغة 400 مليون دولار (326 مليون جنيه إسترليني) كل عام على عشرات الاختبارات والمئات من الحبوب والمكملات الغذائية اليومية واتباع نظام غذائي صارم وممارسة الرياضة ونظام النوم على أمل وقف شيخوخته البيولوجية.

بالنسبة إلى بقيتنا، الخبر السار هو أنه ليست هناك حاجة إلى إنفاق أي مبلغ طائل. فالأرجح أن نحصل على كل ذلك تقريباً بفضل تناول مزيد من الخضراوات والمكسرات والبقوليات، وممارسة ما يكفي من التمارين الرياضية؛ وأخذ قسط كافٍ من النوم كل ليلة.

”تُظهر دراساتٌ أن عديداً من المكملات الغذائية الشائعة ليس لها أي تأثير في متوسط العمر المتوقع“

على النقيض من ذلك تُظهر دراسات علمية أن عديداً من المكملات الغذائية الشائعة ليس لها أي تأثير في متوسط العمر المتوقع، أو أن لها في بعض الأحيان بعض التأثير السلبي. إذا كنتَ تتناول أكثر من 100 حبة مختلفة، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تقليل متوسط العمر المتوقع بوجه عام: في حين أن بعض التدخلات المضادة للشيخوخة تعمل معاً على نحو مفيد، فإن الجمع بين أخرى لا يعطي نتيجة جيدة.

البيولوجيا أمر معقد وتغيير عشرات الأشياء في وقت واحد لا يؤدي إلى تجربة آمنة ومضبوطة، سواء كنت فاحش الثراء أو لا.


اغسلْ يديك

لا بد أنك سمعت ذلك أكثر من ألف مرة خلال الجائحة: اغسلْ يديك 20 ثانية، واحرص على فرك ما بين أصابعك وتنظيف ما تحت أظافرك. قيل لنا إن ذلك سينقذ الأرواح من خلال تقليل خطر الإصابة بالعدوى، لكن غسل اليدين يمكن أن يحسِّن متوسط العمر المتوقع أيضاً.

كيف؟ أولاً، نحن نعلم أن بعض الأمراض المُعدية لها صلة مباشرة بأمراض غير معدية في وقت لاحق من الحياة، بدءاً من فيروس الورم الحليمي البشري Human Papillomavirus (اختصاراً: الفيروس HPV) الذي يعد السبب الرئيس لسرطان عنق الرحم، إلى الفيروس المُسمى الفيروس المضخِّم للخلايا Cytomegalovirus (اختصاراً: الفيروس CMV)، ويبدو أن هذا يعجِّل شيخوخة الجهاز المناعي. بعد الإصابة الأولى التي تشبه عادةً نزلة البرد الخفيفة، يختبئ الفيروس المضخم للخلايا في خلاياك لبقية حياتك. ونظراً إلى أنه لا يمكنه التخلص تماماً من الفيروس المضخم للخلايا، ينتهي الأمر بقسم كبير من جهازك المناعي إلى التخصص في مكافحته، مما يترك ”ذاكرة مناعية“ Immune memory أقل للتهديدات الأخرى مع تقدُّمنا في السن.

”الأشخاص الذين أصيبوا بعدد أقل من الجراثيم في طفولتهم يتقدمون في السن على نحو أفضل عندما يكبرون“

هناك أدلة عامة إضافية تشير إلى أن الإصابة بالعدوى تؤدي إلى مشكلات في وقت لاحق من الحياة. نظراً إلى أن النظافة واللقاحات والمضادات الحيوية أدت تدريجياً إلى تقليل عبء الأمراض المعدية في مرحلة الطفولة، فقد تبين أن الأشخاص الذين أصيبوا بعدد أقل من الجراثيم عندما كانوا أطفالاً يتقدمون في السن على نحو أفضل عندما يكبرون. وربما يرجع هذا إلى آليات الالتهاب المزمن نفسها مثل الحفاظ على نظافة أسنانك.

وهذا يعني أن بذل كل ما في وُسعك لتجنب الإصابة بالعدوى قد يكون له تأثير إيجابي يتجاوز الرغبة قصيرة المدى في تجنب المعاناة من المرض.

أندرو ستيل Andrew Steele
(@STATTO)
أندرو ستيل عالم وكاتب ومقدم برامج مقيم في برلين. وهو مؤلف كتاب شباب دائم: العلم الجديد للتقدم في السن من دون أن تشيخ Ageless: The New Science of Getting Older Without Getting Old (منشورات: Bloomsbury)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى