أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Uncategorised

على مَهْلِك

اتجاه الجري البطيء لتحقيق اللياقة البدنية تقف وراءه أبحاث علمية رصينة

حياة أفضل من خلال العلم

التباطؤ ليس عملياً جزءاً من مفردات العدّاء. والجري لكثير ممن يمارسونه، من الأبطال الأولمبيين إلى هواة الركض الذين يشاركون في سباقات 5 كم، هو السعي وراء السرعة بحد ذاتها؛ إنها رياضة تحددها الإنجازات الشخصية والتنافس والسعي إلى التحسين وكذلك تطبيق سترافا Strava لتسجيل الأداء ومشاركته. أما كلمة بطيء، فهي مجرد كلمة مكونة من أربعة أحرف.

أو على الأقل كان الأمر كذلك حتى وقت قريب جداً. في العام أو العامين الماضيين، صار الجري البطيء Slow running مدار حديث الجميع، يؤيده خبراء الصحة على إنستغرام، وكذلك عدد متزايد من المدربين والعدائين الهواة والعلماء المختصين بالتمارين الرياضية أيضاً.

الفكرة هي أن التحرك ببطء يمكن أن يكون وسيلة سريعة للاستمتاع بفوائد التمارين الرياضية.

يقول البروفيسور دان غوردون Dan Gordon، عالم فيسيولوجيا التمارين الرياضية من جامعة أنغليا روسكين Anglia Ruskin University في جنوب شرق إنجلترا: ”يساعد الجري البطيء على خفض ضغط الدم في أثناء الراحة، مثلاً. إنه يقوِّي القلب“.

”ما بدأنا نفهمه هو أننا لا نحتاج إلى تعريض الجسم لقدر كبير جداً من الإجهاد للحصول على التكيُّف القلبي الوعائي والتغيرات الفسيولوجية التي نحتاج إليها“

ويضيف أنه في أثناء الجري البطيء ”نحن نعرِّض نظامنا للضغط، ولكن ما بدأنا نفهمه هو أننا لا نحتاج إلى تعريض الجسم لقدر كبير جداً من الإجهاد للحصول على التكيف القلبي الوعائي والتغيرات الفسيولوجية التي نحتاج إليها”.

يُعرَّف الجري البطيء عادةً على أنه السرعة التي يمكنك معها إجراء محادثة مريحة في أثناء الجري. فكِّرْ في الأمر على أنه جهد متوسط من 4 أو 5 على مقياس من 1 إلى 10، حين تكون 10 للجري بأقصى سرعة ممكنة. إذا كنتَ على دراية بالمفاهيم المتصلة بعلم الرياضة، يُشار إلى هذا الجهد على أنه ”منطقة التمرين الثانية“ Zone 2 exercise. وهي منطقة فسيولوجية رائعة يمكنها منحك الفرصة لأن تحيا حياة صحية ومديدة.

في العام 2015، توصل باحثون في كوبنهاغن إلى اكتشاف مفاجئ عندما درسوا معدل الوفيات على المدى الطويل لدى ممارسي الركض الخفيف والمعتدل والمجهد، وكذلك من لا يمارسون رياضة الجري. كان معدل الوفيات لدى من يمارسون الجري الخفيف والمعتدل أقل من أولئك الذين لا يمارسون رياضة الجري أو يمارسون الجري المُجهِد. لم يكن معدل الوفيات لدى ممارسي الركض المجهد مختلفاً من الناحية الإحصائية عمن لا يمارسون رياضة الجري.

إذن ما الذي يجعل النهج المتأني مفيداً للصحة؟ إضافةً إلى تحسين قوة قلبك وقدرته على ضخ الدم، يعزز الجري البطيء صحتك على المستوى الجزيئي. إنه يقاوم الأمراض الأيضية Metabolic disease عن طريق تحسين مقاومة الأنسولين. ويزيد كثافة الميتوكوندريا (هي في الأساس البطاريات) في خلاياك ويشجع جسمك على استخدام الدهون للحصول على الطاقة.

كما يتعافى العداؤون البطيئون أسرع وهم أقل عُرضةً للمعاناة من الإرهاق أو الإصابات الناجمة عن الإفراط في التدريب. كما أنهم أميَل إلى الشعور بأنهم أصحاء.

يقول غوردون إن الجري البطيء له ”نتائج إيجابية كبيرة في الصحة العاطفية Emotional health… إن الفوائد التي نحققها في الحالة المزاجية والاكتئاب والقلق لا تتراجع أكثر إذا زدنا شدة التمرين. ثم هناك الجانب الاجتماعي. أحد الأشياء التي يجب التشديد عليها للتشجيع على الجري البطيء هو أنه يمكننا حقاً إجراء محادثة“.

يعتقد غوردون أن الترويج للجري البطيء قد يشجع مزيداً من الأشخاص على ممارسة التمارين الرياضية والمواظبة عليها، ويرجع ذلك من جهة إلى أنه يمكننا أن نفعل ذلك مع الأصدقاء ومن جهة ثانية إلى أنه لا يوجد ضغط علينا لتحقيق أداء معين. قد يكون هذا هو السبب وراء شعبية برامج الجري مثل فعاليات الركض في المتنزهات Parkrun التي يتجمع خلالها المشاركون للجري في الحدائق والمتنزهات، وفعاليات التدريب لركض 5 كيلومترات Couch To 5K للتدريب الطوعي والتدريجي على الجري مسافةَ خمسة كيلومترات. 

يقول غوردون: ”إذا كنت تحاول تحسين لياقة الناس البدنية، فما من طريقة أفضل لفعل ذلك من أن تفعل ذلك ضمن مجموعة لأن المجموعة تشجِّع على المضي قدماً. يصعب على الناس تحقيق الأهداف عندما يمارسون الرياضة بمفردهم“.

لدى العدائين الذين يجرون وأعينهم على الساعة، قد لا يبدو أن الجري البطيء هو الطريقة المناسبة لتحقيق أفضل أداء شخصي لهم. ولكن بعض الباحثين مثل غوردون يرون خلاف ذلك. يقول غوردون: ”الأمر يتطلب تغيير طريقة النظر إلى الأمور. نحن حبيسو معتقدات تقول إن التمارين عالية الكثافة High-intensity exercise هي الأفضل، لكننا لا نحتاج إلى أن نتصبب عرقاً، ولا أن نشعر كأن قلوبنا تكاد تخرج من صدورنا. إذا جريتَ بسرعة أبطأ، فستجني فائدة مماثلة“.

ويشير غوردون إلى أبحاث تُظهر أنه حتى عداؤو النخبة يقضون ما يصل إلى 80% من تدريبهم في الجري بوتيرة بطيئة في منطقة التمرين الثانية.

وهذا يبني ما يسميه المدربون والباحثون ”القاعدة الهوائية“ Aerobic base، وهي المحرك الأساسي للياقة القلب والأوعية الدموية. تحسين ”القاعدة الهوائية“ يعني أن قلبك يوصل مع كل نبضة مزيداً من الأكسجين إلى ساقيك ورئتيك. إنه يضمن أنك ستجري مسافة أبعد وأسرع وبمستوى أقل من الجهد المحسوس، أي ستشعر بأنك تبذل جهداً أقل على الرغم من تقدمك بسرعة أكبر ومسافةً أطول.

بمعنى آخر، أبطئ سرعتك ولن تعيش فترة أطول فحسب، بل سيتحسن أيضاً أداؤك في الجري.


إيان تايلور Ian Taylor

إيان كاتب علمي مستقل ونائب رئيس التحرير السابق لمجلة بي بي سي ساينس فوكوس BBC Science Focus.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى