فوائد ألعاب الفيديو: لماذا زمن الشاشة ليس سيئاً دائماً
ربطت تقارير حديثة بين زمن الشاشة وبين تعطل النمو، والسلوك العدواني وحتى قصر النظر. ولكن هل هناك جوانب أخرى لهذه القصة؟
نعيش في مجتمع تحيط فيه الشاشات بنا . لأول مرة في تاريخنا لدينا إمكانية الوصول إلى جميع المعارف الإنسانية بلمسة زر واحدة؛ الشاشات هي مكان عملنا، وكذلك لعبنا. ولكنها صارت على نحو متزايد مصدرا لمخاوفنا وقلقنا. وسواء كان الأمر يتعلق بتدهور الصحة النفسية أم الحرمان من النوم أم العزلة الاجتماعية، فإن التحديق في الشاشات، كما تشير إليه عناوين الأخبار، هو أمر سيِّئ لنا بصورة جوهرية ولا لبس فيها.
ومع ذلك، فعند التعمق في قراءة الأبحاث، يظهر لنا أمر أقل وضوحاً. أشارت دراسة أجريت مؤخرا في جامعة أكسفورد Oxford University إلى أنك إذا أردت إبلاغ أحد الباحثين بالزمن الذي تقضيه على الشاشات، فإن ذلك لن يسمح له بالتنبؤ بأقل من %0.5 من صحتك. ولوضع الأمر في منظوره الصحيح، وجد الفريق أن تناول البطاطس كان له تأثير زمن الشاشة نفسه على الصحة. ولا يبدو أن الروابط بين استخدام الشاشات والصحة العقلية بمثل القوة التي كنا نظنها على الإطلاق. وفي الواقع، أظهرت بعض الأبحاث أنه عندما يتعلق الأمر برفاهية الأطفال، يكون زمن الشاشة أفضل من عدم استخدامها على الإطلاق.
على مدار الأعوام القليلة الماضية، بحثت في التأثيرات التي يحدثها نوع بعينه من زمن الشاشة على سلوكنا: ممارسة ألعاب الفيديو. من السهل معرفة السبب في رفض ألعاب الفيديو في كثير من الأحيان باعتبارها تمضية لوقت الفراغ في عزلة بعيدا عن المجتمع. ويبدو أن اللاعبين ينغمسون في الأحداث التي تظهر على الشاشة، كما لو أن بقية العالم غير موجود. ومن دون سياق واضح، يصعب عدم النظر إلى الألعاب على أنها أي شيء آخر غير وجبات سريعة رقمية.
لكن السياق وفهم تجربة اللاعبين يمكنهما تزويدنا بتبصرات جديدة. فألعاب الفيديو هي تجربة اجتماعية بطبيعتها: منذ إنشائها، صممت كتجارب تعاونية وتشاركية. خذ ماين كرافت Minecraft، مثلاً. قد تبدو تجربة لاعب منفرد إلى حد ما بالنسبة إلى غير المتخصص، لكنها تجمع الأشخاص معاً بكل أنواع الطرق. ويلعب البعض للتواصل مع أصدقائهم، ويشارك آخرون في التجربة الإبداعية لبناء كيان هائل، بل إنها تستخدم كأداة تفاعلية لتعليم الطلبة الكيمياء الأساسية (انظر: مشروع مولكرافت بجامعة هال MolCraft project University of Hull’s). وفي مواقف أخرى أظهرت الدراسات أنه يمكن استخدام ألعاب الفيديو كتدخلات علاجية لمساعدة الجنود على التغلب على اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، ولمساعدة الأطفال المصابين بالسرطان على الالتزام بأنظمة العلاج.
أما بالنسبة إلى الجوانب السلبية المفترضة لألعاب الفيديو، فإن الأمر نفسه ينطبق إلى حد كبير. وكثيراً ما تُبرز الأخبار الدراسات التي تُظهر صلة بين الألعاب العنيفة والسلوك العدواني أكثر من الدراسات الأخرى الأكثر عقلانية. ويكمن جزء من المشكلة في أنه من الصعوبة بمكان اختبار السلوكيات العدوانية في المختبر، كما أن هناك قدراً كبيراً من المرونة في الطريقة التي يمكن للباحثين تحليل بياناتهم بها. ولكن عند استخدام أفضل الطرق، تشير الدلائل إلى أن ممارسة الألعاب العنيفة لها آثار ضئيلة في سلوكياتنا.
إن فهمنا للآثار السلوكية لألعاب الفيديو- وللشاشات بشكل أعم- لم يكتمل بعد. ففي نهاية المطاف، تُعد هذه التقنيات إضافة حديثة نسبيا إلى حياتنا. ولكن في الوقت الذي ننتظر فيه إجابات أكثر شمولاً، من المهم ألا نتسبب في تجريم الشاشات وألعاب الفيديو لدرجة أن ينتهى بنا المطاف إلى إغلاق الطرق المتعددة الأوجه التي يمكنها إثراء حياتنا بها. ومثل العديد من الأشياء، يمكننا استخدامها بطرق جيدة، وكذلك يمكننا استخدامها بطرق سيئة. والأمر متروك لنا، كمجتمع، أن نسخّر إمكاناتها من أجل الخير.