كرات دايسون
ما كرة دايسون؟
كرة دايسون Dyson sphere هي عبارة عن هيكل ميكانيكي افتراضي كبير – هيكل عملاق – مصمم لتسخير طاقة الأفران النووية النجمية Nuclear furnaces. الفكرة الأساسية هي أنها هيكل مبني حول نجم يحول أو يخزن أو يستخدم بطريقة أخرى طاقة النجم المشعة. يُفترض أن هذه المرافق هي الطريقة الأكثر احتمالاً وضرورة واقتصاداً لمعالجة احتياجات الطاقة الهائلة لكل من الحضارة البشرية المستقبلية، وربما الحضارات الفضائية المتقدمة في أماكن أخرى من الكون.
مَن وضع النظرية؟ ومتى؟
سمي مفهوم كرة دايسون على اسم عالم الفيزياء فريمان دايسون
Freeman Dyson (1923-2020) الذي ناقش الفكرة في العام 1960 في ورقة علمية قصيرة تتعلق بأساليب اكتشاف الحضارات الفضائية. ومع ذلك اعترف دايسون بأنها مستلهمة من رواية الخيال العلمي الشهيرة صانع النجوم Star Maker (1937) للمؤلف البريطاني أولاف ستايبلدون Olaf Stapledon. في رواية صانع النجوم، وصف ستايبلدون “غلالة من مصائد الضوء” تحيط بكل نجم في الكون و“تُركِّز الطاقة الشمسية الهاربة للاستخدام الذكي”. منذ ذلك الحين، عاد عديد من العلماء إلى مفهوم كرة دايسون، عادةً كجزء من البحث عن ذكاء خارج الأرض (Search for Extraterrestrial Intelligence) ويعرف اختصاراً بالذكاء SET.
هل يمكن أن تكون موجودة بالفعل؟
لا يوجد حتى الوقت الحالي أي دليل على وجود كرات دايسون أو أي شيء مشابه لها في أي مكان في الكون. ومع ذلك لدى العلماء فكرة عما إذا كانت ممكنة الوجود. أولاً، على الرغم من أن هذه التكنولوجيا تتجاوز بكثير ما هو ممكن حالياً بالنسبة إلى الذكاء على الأرض، فلا توجد حواجز معروفة لا يمكن التغلب عليها من أجل بنائها. مع توافر ما يكفي من الحوافز والموارد والتقدم التكنولوجي، كرات دايسون ممكنة بالتأكيد. يُقدِّر أحد الباحثين أن البشر يمكن أن يحاولوا إنجاز مثل هذا العمل الفذ خلال مئة العام المقبلة أو نحو ذلك. يدعي باحثون آخرون أن هذا تفاؤل مبالغ به.
وضع علماء الفلك في الواقع بعض القيود على عدد كرات دايسون التي قد تكون كامنة هناك في الكون. لفعل ذلك وُضعت بعض الافتراضات حول الكيفية التي تؤثر وفقها هذه الهياكل في الضوء النجمي الناشئ للنجوم التي تحيط بها. على سبيل المثال يمكن أن تحجب معظم التصميمات بعض ضوء نجمها المضيِّف، مما يؤدي إلى انخفاض سطوعها البصري. قد ينتج عنها أيضاً حرارة مهدورة تنبعث على شكل أشعة تحت حمراء. من خلال البحث بعناية عن مثل هذه النواقص أو الفوائض في ضوء آلاف النجوم، يشير أحد التقديرات إلى أن ما يصل إلى 10,000 نجم يمكن أن تستضيف كرات دايسون ضمن نصف قطر يبلغ نحو 16,000 سنة ضوئية من الأرض (بالمقارنة فإن المسافة إلى مركز درب التبانة هي نحو 26,000 سنة ضوئية). بالطبع هذا لا يعني أن كرات دايسون موجودة، لكنها ممكنة فقط.
كيف صُوِّرت كرات دايسون في الخيال العلمي؟
تصور كتَّاب الخيال العلمي في أكثر الأحيان كرة دايسون على أنها بنية صلبة تحيط بالنجم تماماً، وهي ليست الفكرة الأصلية التي طرحها دايسون وتعد في الواقع الحل الأقل احتمالاً. لكن الهياكل الشبيهة بالحلقات وأسراب الأقمار الاصطناعية ظهرت أيضاً في الأكوان الخيالية. من بين الروايات البارزة التي تتضمن كرات دايسون، أو مفاهيم مماثلة، رواية التائه
The Wanderer لفريتز ليبر Fritz Leiber (1964)، ورواية عالم حلقي Ringworld للاري نيفين Larry Niven (1970)، وسفن الزمن The Time Ships لستيفن باكسترStephen Baxter (1995). على التلفزيون تضمَّن مسلسل ستارتريك: الجيل التالي Star Trek: The Next Generation كرة دايسون في الحلقة التي تحمل عنوان “البقايا” Relics (1992).
كيف تعمل كرات دايسون؟
الغرض من كرة دايسون هو تسخير الطاقة الهائلة التي يطلقها النجم المضيِّف. لدينا بالفعل التكنولوجيا الأساسية للاضطلاع بذلك، في شكل “خلايا شمسية”. وهي تستخدم عملية تسمى “التأثير الكهروضوئي” Photovoltaic effect، وفيها تضطلع الفوتونات بإخراج الإلكترونات من الذرات، مما يؤدي إلى فصل الشحنة داخل المادة، وهو ما ينتج عنه تيار كهربائي. من المرجح أن تَستخدم كراتُ دايسون، مهما كان شكلها، هذه العمليةَ لتوليد الطاقة. يتصور بعض الباحثين أن هذه الطاقة تُنقل بواسطة شكل من أشكال التكنولوجيا اللاسلكية إلى الحضارة القريبة، ربما على كوكب صالح للسكن في مدار حول النجم المضيِّف.
كيف نبني كرة دايسون؟
أحد الاحتمالات، كما يوحي الاسم، يتضمن بناء إطار كروي حول نجم (يُطلق عليه عادةً اسم “قشرة دايسون” Dyson shell). للتحكم في تأثيرات جاذبية النجم وضغط الإشعاع، سيحتاج مثل هذا الهيكل إلى أن يكون مرناً وأن يكون لديه نظام دفع لتغيير موقعه. ولكن، يقترح بعض الباحثين أن الحفاظ على الاستقرار في مثل هذه الهياكل الكروية قد لا يكون ممكناً. ومن المحتمل ألا تكون كرات دايسون كروية على الإطلاق. تتصور بعض المفاهيم هياكل حلقية، وأسراباً كثيفة من الأقمار الاصطناعية الدائرة في مدارات، أو أسراباً من “الستاتايت” Statites (الأقمار الاصطناعية الثابتة) التي تبقى ثابتة بالنسبة إلى النجم (تسمى “فقاعة” دايسون Dyson bubble). اقترح المهندسون أنه يمكن بناء هذه الهياكل من بعد بواسطة جيوش من الروبوتات السابحة في الفضاء، وأنه يمكن الحصول على مواد البناء عن طريق تفكيك كواكب أرضية. كما افتُرضت أشكال أخرى أكثر غرابة من هياكل دايسون، مثل سحب “الغبار الذكي” Smart dust بحجم المجرة التي تسخر طاقة بلايين النجوم.
هل يمكن أن تكون مسؤولة عن الإشارات “الغريبة” الآتية من الفضاء؟
هناك عديد من الإشارات “الغريبة” أو غير المبررة الآتية من الفضاء، ولكن ليست أي منها مرشحة حالياً لتكون كرات دايسون. قبل بضع سنوات أظهر نجم يُعرف بالعامية باسم “نجمة تابي” Tabby’s Star انخفاضاً عشوائياً في السطوع كان يوحي بوجود كرة دايسون، ولكن مزيداً من الرصد كشف أن سُحب الغبار التي تدور حول النجم كانت في الواقع هي السبب وراء ذلك.
د. أليستر غون DR. ALASTAIR GUNN
أليستر عالم فلك لاسلكي في مركز جودريل بانك للفيزياء الفلكية Jodrell Bank Centre for Astrophysics بجامعة مانشستر University of Manchester.