مرحباً بكم في وسيلة نـقـل المستقبل
قبل بضع سنوات فقط كانت السيارات الطائرة لا تزال فكرة تنتمي إلى المستقبل البعيد وروايات الخيال العلمي، أو مجرد حلم. لكن الاستثمار في المجال ازداد بسرعة، وحالياً يعمل عدد من الشركات على صنع سيارات أجرة طائرة لجعل رحلاتنا في المدينة أسرع وأسهل وأنظف.
من الصعب معرفة ما إذا كانت سيارات الأجرة الطائرة ستصل متأخرةً جداً أو مبكرةً جداً. فمن ناحيةٍ ظل الوعد بأن نرى سيارات الأجرة الطائرة تنتقل بين ناطحات السحاب عنصراً أساسياً في روايات الخيال العلمي على مدى عقود، ومن ناحية أخرى لم يمض وقت طويل منذ أن أُودعت سيارات الأجرة الجوية في ملف ”سنرى“ الخاص بتكنولوجيا المستقبل، جنباً إلى جنب مع الألواح الطائرة Hoverboards والفنادق على سطح القمر.
ولكن بعد سنوات من التمني، ها هي فجأة في طورها لأن تصير حقيقة واقعية. تضاعف الاستثمار في النقل الجوي المتقدم Advanced aerial mobility (كما يُعرف القطاع) بأكثر من ثلاثة أضعاف في العام الماضي، ويتوقع محللون من مورغان ستانلي Morgan Stanley أن تبلغ قيمة سوق التاكسي الجوي العالمي 2.7 تريليون جنيه إسترليني بحلول العام 2050.
وسواء جاءت مبكرةً أو متأخرةً، فإنّ المستقبل على الطريق وسنراها تهبط أمامنا في وقت أقرب مما يتخيل غالبية الناس. يُعدّ حالياً عدد من الشركات حول العالم مركبات eVTOL (مركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية Electric vertical take-off and landing vehicles) التي يمكن أن تحدث ثورة في الطريقة التي نتجول بها في المدن الكبرى.
تَعِد eVTOLs الهادئة والمريحة والخالية من الكربون بالتحليق فوق الطرق المزدحمة، فتخفف من مشكلات النقل الحضري، وتنقل الركاب إلى وجهاتهم في وقت قياسي. وفي الوقت نفسه يعمل المنظمون على الأرض بجدٍّ لإعداد القواعد والبنية التحتية اللازمة لجعل هذا الشكل الجديد من النقل ممكناً.
“يعتقد عديد من المطورين أن مركباتهم ستكون مطابقة لمعايير السلامة، وستحصل على ترخيص للإقلاع بحلول العام 2025”
الاستعداد للانطلاق
يعتقد عديد من المطورين أن مركباتهم ستكون مطابقة لمعايير السلامة، وستحصل على ترخيص للإقلاع بحلول العام 2025، إن لم يكن قبل ذلك. بوينغ Boeing وإيرباص Airbus وهيونداي Hyundai هي أسماء مألوفة لبعض الشركات التي تصنِّع سيارات الأجرة الجوية. إحدى الشركات الأخرى هي جوبي Joby التي اشترت أوبر إيليفيْت Uber Elevate، عملاق سيارات الأجرة المتشاركة في eVTOLs، في ديسمبر 2020. وفي الوقت نفسه، تدعي شركة فيرتكَل Vertical البريطانية أن لديها أكبر عدد من الطلبات المسبقة المشروطة من أمثال فيرجن أتلانتيك Virgin Atlantic والخطوط الجوية الأمريكية American Airlines بين المستثمرين المصطفين لشراء سيارتها VA-X4 (الصور في الصفحة 45).
يقول أندرو ماكميلان Andrew Macmillan، مدير البنية التحتية في Vertical: ”ستكون طريقة هادئة وممتعة وسريعة وفعالة للتجوال… [VA-X4] تسمح لك بالسفر لمسافة تزيد على 160 كم بسرعة 322 كم/ساعة. تقلع عمودياً ثم تنتقل إلى الطيران أفقياً، فتمنحك نطاقاً جيداً“.
ستُقل VA-X4 أربعة ركاب وطياراً. في الخلف سيجلس راكبان قبالة الآخرَين كما هي الحال في الجزء الخلفي من تاكسي الأجرة اللندني. يمكن للراكب النظر من النافذة والدردشة مع الركاب الآخرين من دون الحاجة إلى حماية الأذن أو إلى ميكروفونات. ومثل غالبية مركبات eVTOLS، تطير VA-X4 باستخدام مراوح كهربائية هادئة تنتج، في كل رحلة، كمية أقل من الكربون مقارنة بسيارة تسلا Tesla تقطع المسافة نفسها على الطرق في الأسفل.
سيارات الأجرة الجوية ليست بالضبط السيارات الطائرة التي وعد بها المسلسل الكرتوني ذا جيتسونس The Jetsons أو فيلم بليْد رانر Blade Runner وباك تو ذا فيوشتر Back To The Future. بل هي وسيلة كهربائية للسفر الجوي قُلّصت إلى أبعاد سيارة الأجرة السوداء. إنها خدمة أوبر التشاركية في الجو. إنها مثل طائرات هليكوبتر من دون انبعاثات أو تعتمد على دوار رئيس واحد.
يقول ماكميلان: ”المروحيات هي آلات مذهلة، لكنها تُحدث كثيراً من الضجيج، كما أنها باهظة الثمن وخطيرة جداً أيضاً… إن أحد الأسباب التي تجعل VA-X4 آمنة هو أن لديها ثماني مراوح، كلها تعمل بالكهرباء، ولكل منها محرك منفصل. إذا فقدت واحدة منها، فلن تفقد المركبة“.
إذا كانت eVTOLs ثورية فيما يمكن أن تفعله للنقل الحضري، فهي أكثر تطوراً من حيث التكنولوجيا الأساسية. يدعم الدفع الكهربائي والبطاريات فائقة الكفاءة والمُركبات خفيفة الوزن تصميم التاكسي الهوائي، وكل ذلك بفضل التقنيات التي يجري تطويرها في القطاعات ذات الصلة.
يقول كلينت هاربر Clint Harper، زميل التنقل الجوي الحضري من مختبرات Urban Movement Labs، وهي منظمة غير ربحية مُعَدة للمساعدة على تسهيل حلول النقل في المستقبل في لوس أنجلوس: ”أعتقد أننا تمكنا من جني بعض فوائد ما كان يحدث على السطح في مجال الدفع الكهربائي… التصميم العام للطائرة، كيف تطير، كيف تبقى في الهواء، كما تعلم، نحن نبني على الدروس التي تعلمناها خلال القرن الماضي من السفر الجوي“.
”هذا، في الواقع، طيرانٌ الجيلُ التالي منه: طيران أكثر هدوءاً وأنظف وأكثر استدامة“
النقطة المهمة هي أن eVTOLs ليست سيارات تطير على الإطلاق. يقول سام موريسي Sam Morrissey، زميل هاربر والمدير التنفيذي لمختبرات Urban Movement Labs: ”هذا، في الواقع، طيرانٌ الجيلُ التالي منه: طيران أكثر هدوءاً وأنظف وأكثر استدامة… بمجرد إعادة وضعها في إطار الطيران، أعتقد أن الناس سيفهمون كيف ولماذا سنرى هذه المركبات الجديدة وهذه التكنولوجيا الجديدة تنتشر بتلك السرعة“.
تجاوز مشكلة الازدحام
تساعد مختبرات أيربان موفمينت لابز Urban Movement Labs مدينة لوس أنجلوس على الاستعداد لتشغيل مركبات eVTOLs. اتسعت المدينة الشهيرة بامتدادها الأفقي، والتي تعاني طرقاتها السريعة من الاختناقات المرورية. يعتقد موريسي أن التنقل الجوي المتقدم يمكن أن يخفف من المشكلات على الأرض و”يجعل السفر يحدث بطريقة غير ممكنة عملياً [في الوقت الحالي]“.
يعطي مثالاً على ذلك السفر من وسط مدينة لوس أنجلوس إلى سانتا مونيكا، على بعد 24 كم. ”من المستحيل عملياً القيام بهذه الرحلة في أقل من 30 دقيقة. ولكن لنقل إنّ طفلي كان في المستشفى في سانتا مونيكا، باستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة يمكنني القيام بتلك الرحلة في غضون دقائق“.
لوس أنجلوس ليست المكان الوحيد الذي يستعد لاستقبال سيارات الأجرة الطائرة. بعض المدن العالمية المترامية الأطراف والمكتظة بالسكان، مثل ساو باولو وأوساكا وسنغافورة، هي في مراحل مختلفة من التخطيط للتنقل الجوي المتقدم. أقرب جغرافياً، يجري بناء أول ”ميناء عمودي“ Vertiport في أوروبا- وهو اسم مواقع هبوط المركبة eVTOL- في فرنسا في الوقت المناسب لاستضافة أولمبياد باريس 2024. كما اقتُرحت منافذ لموانئ عمودية في المملكة المتحدة خُطِّط بالفعل لعدد من مسارات المركبة eVTOL بين المدن.
تخيل أنك تسافر عبر البلاد من ليفربول إلى هال، أو تحلق فوق المياه من جنوب ويلز إلى كورنوال، أو من بلفاست إلى غلاسكو. حتى رحلة تبدو قريبة من مطار هيثرو إلى كيمبريدج تستغرق ساعتين أو أكثر بالسيارة أو القطار. يمكنك اجتيازها في دقيقة في تاكسي جوي.
لكي تصبح تلك الرحلات حقيقة ، ومع ذلك ، هناك حاجة إلى المزيد من التخطيط والبنية التحتية “
حتى تصير هذه الرحلات حقيقة واقعة، هناك حاجة إلى مزيد من التخطيط والبنية التحتية. قد تُوصل المركبات eVTOLs بهيكليات مراقبة الحركة الجوية الحالية وترددات الاتصالات، لكن المنظمين سيحتاجون إلى تطوير معايير ترخيص وبيانات اعتماد جديدة. هناك أيضاً السؤال المُلح إلى حد ما حول المكان الذي ستهبط فيه سيارات الأجرة الجوية بالضبط وتقلع منه.
في البداية من المحتمل أن تسافر من وإلى المطارات ومن مهابط طائرات الهليكوبتر الحالية، لكنها ستحتاج قريباً إلى مساحات خاصة بها داخل مدننا، كما يوضح هاربر. ويضيف: ”بمجرد أن نتحدث عن دمجها في النسيج الحضري للأحياء أو المجتمعات، هناك كثير من الأشياء التي يجب التفكير فيها. يتطلب الأمر بنية تحتية مخصصة تشمل إعادة شحن هذه المركبات والصيانة والخدمة وركنها في الليل“.
في الخيال العلمي، ترسو السيارات الطائرة في أكثر الأحيان فوق ناطحات السحاب، ولكن من غير المرجح أن يكون ذلك عملياً في العالم الحقيقي. هل سترغب في الصعود إلى الطابق العلوي من مبنى شاهق لمجرد ركوب سيارة أجرة؟ يعتقد موريسي أنه يمكن بدلاً من ذلك بناء موانئ عمودية فوق محاور النقل الحالية أو بجانبها بحيث يمكن للركاب الانتقال من وسيلة إلى أخرى. يقول: ”نحن نرى هذا على أنه يتكامل مع شبكات الحافلات والسكك الحديدية والعبور الموجودة في الأماكن التي تعد بالفعل محاورَ متعددة الوسائط“.
التخطيط أمر حيوي. في الماضي ظهرت تقنيات النقل الجديدة وفاجأت المجتمع. يقول موريسي: ”بُنيت القاطرة البخارية وكان علينا بناء مسارات وخطوط السكك الحديد. واختُرعت الدراجة الهوائية ومحرك الاحتراق الداخلي وكان علينا بناء الطرق“. حتى الدراجات الكهربائية المستخدمة في أيامنا هذه فاجأت الحكومات ومخططي المدن في غفوتهم، مع نزول المركبات إلى الطرق قبل وضع القواعد التي تحكم وتنظم استخدامها.
ولكنَّ هناك سبباً للاعتقاد أن التنقل الجوي المتقدم سيكون مختلفاً. هناك مدرج (مجازي) بين الوقت الحالي ووقت إطلاق المركبات، يتوافر خلاله للمخططين الوقت الكافي لمعرفة كيف وأين ولماذا يجب أن تطير مركبات eVTOL. يقول موريسي: ”أعتقد أنها المرة الأولى، في تاريخ البشرية، التي نستطيع فيها تطوير نظام نقل لخدمة وسيلة نقل جديدة قبل توافر وسيلة النقل تلك“.
إضافةً إلى كونها سيارات أجرة طائرة، يمكن استخدام مركبات eVTOLs للبحث والإنقاذ، ونقل الأعضاء للزرع، وكذلك خدمات التوصيل والسياحة. تختلف التقديرات، لكن يمكننا أن نتخيل المئات أو حتى الآلاف منها في سماء المملكة المتحدة في العقود المقبلة، مع بدء استخدام المركبات الموجهة من بُعد أو حتى الآلية منها تباعاً. بغض النظر عن أعدادها يتفق الخبراء حالياً على أن الأمر لا يتعلق بما إذا كانت التكنولوجيا ستصل إلى ذلك، وإنما متى ستصل.
يقول ماكميلان: ”شهادة السلامة هي نقطة التحول… بمجرد أن تبدأ في رؤية ذلك يحدث، فستعلم أنه حقيقي؛ لأنك ستراها ببساطة تطير في الهواء“.