أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

أعــــطـــني الـــمــألـــوف

حبنا للمشاركة عبر الإنترنت يجعل كل مكان، حسناً، رتيباً قليلاً. وليس لدينا سوى أنفسنا لنلقي باللائمة عليها

في عام 2011، عندما زرت نيوزيلندا للمرة الأولى للتحدث في مهرجان أدبي عن كتابي الأخير، شعرت بالارتباك. وكنت أتوق إلى شيء مألوف، شيء يجعل كل هذا البُعد يبدو على ما يرام. وقمت بتحميل غوغل ناو Google Now الذي أُطلق حديثاً على هاتفي. وقرأت عن موقعي، والطقس والوقت. قارن التطبيق تلك المعلومات بما عرف أنه أعجبني استناداً إلى عمليات بحثي السابقة، وتنبأ بما ظن أنه قد يعجبني، استناداً إلى نتائج بحث أشخاص يشبهونني.
وعندما وصلت إلى المقهى المقترح، كان ضمن ما أحبذه: أبنية من الطوب المكشوف، والبلاط الأبيض، وكثير من المساحات الخضراء، والطاولات من الخشب غير المطلي، ومصابيح إديسون. واضطررت إلى الانتظار للحصول على طاولة، لذلك استغرقت في قراءة كتاب جلبته معي للرحلة. وعلى الفور بدأت أتحدث عن الكتاب إلى الشخص المجاور لي (بمقولة «قميص جميل»). وقد قرأه هو وصديقته (أعقبها «جوارب رائعة»)، ولم يكن رائعاً، ومن أين أنت، … إلخ.
سرعان ما اكتشفنا أننا نعرف الشخص نفسه في لندن. فهو عالم صغير، أليس كذلك؟ يمكنك أن تجد متعة بالغة في ترابط البشر، وفي مثابرة الناس على اكتشاف القواسم المشتركة. وقد تتخذ وجهة نظر أخرى، وتعتقد أنه أمر خانق، وأنه لا يوجد مهرب من الطبقات الوسطى المتنقلة. أو يمكنك القول إنني كنت رائداً في أرض جديدة، غير محدودة بالجغرافيا. ويطلق عليها المؤلف كايلي تشايكا Kyle Chayka اسم أرض الهواء الفضائي AirSpace.
يعيش تشايكا في بروكلين، ونفذ أولى غزواته في أرض الهواء الفضائي في الوقت نفسه الذي فعلت ذلك فيه، عندما مكث في شقة بوسط كوبنهاغن أعلن عنها على موقع «أير بي إن بي» Airbnb على أنها مصممة على «طراز بروكلين». وكان بإمكانه اختيار مكان آخر، لكنه كما أخبرني مؤخراً في حلقة بعنوان «التحسين الحضري» Gentrification في برنامج «الإنسان الرقمي» على محطة BBC الإذاعية الرابعة، لم يفعل ذلك. وظن أنه كان من السخف أن يتمكن من البقاء في شقة على نمط بروكلين في شنغهاي أو ستوكهولم، وشرب القهوة في المقاهي التي تبدو هي نفسها – ويكمل الصورة السقاة الذين يزينون جلودهم بالوشم نفسه – لكنه فعل ذلك. أنا أفعل ذلك. وربما أنك تفعل ذلك بدورك.
وبينما تستغرق التغيرات الجذرية في التصميم آلاف السنين، يجادل كايلي في أن الاتجاهات تتوزع الآن على مستوى العالم بطرق غير مسبوقة، وذلك بفضل الأهمية التي نوليها لنشر ومشاركة محيطنا على تطبيقات مثل فيسبوك Facebook وبينترست Pinterest وفورسكوير Foursquare وإنستغرام Instagram. وتملي خوارزميات التطبيقات علينا ما نراه، ومن ثمَّ ننتهي جميعاً إلى أن نرغب في نفس الأشياء ونتشارك فيها. ولا يُكافأ التفرد في أرض الهواء الفضائي، إلا ضمن عوامل محددة – وغالباً ما تكون منحازة اقتصاديّاً وثقافيّاً. وعلى الرغم من أن كل هذا التجانس ليس رائعاً إذا كنت تبحث عن مقهى تقليدي للشاي في طوكيو، فإنه مريح لمن يقضون معظم وقتهم على الطرقات ويريدون فقط اتصالا سريعا بالإنترنت وقهوة قوية وغير ذلك من سبل الرفاهية الموجودة في الوطن.
لكن لا توجد خوارزمية كان بإمكانها التنبؤ بأني سأقدم برنامجاً عن أرض الهواء الفضائي، بعد تسع سنوات من زيارتي لها لأول مرة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى