أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةالعلوم الطبيعية

إعادة الطبيعة البرية .. هل يمكن لها أن تنقذ الحياة البرية وتخفف من آثار التغير المناخي؟

لقد دفعنا الطبيعةَ إلى حافة الهاوية، لكنها قد تكون قادرة على إصلاح الضرر، بشرط أن نتنحى جانباً ونتركها تعمل على أحسن وجه

جوسلين تيمبرلي Jocelyn Timperley

عبر المرتفعات الأسكتلندية ما زالت تنتشر أجزاء من غابات الصنوبر الكاليدونية Caledonian pine التي تعود أصولها إلى الغابات المطيرة المعتدلة التي غطت معظم أنحاء البلاد بعد العصر الجليدي الأخير. فهذه الأشجار الكاليدونية هي الملاذ الأخير للعديد من الأنواع المهددة Threatened species وهي محاطة بأشجار الصنوبر الأسكتلندي والأراضي التي ترعى فيها الغزلان بكثافة. وتضم محمية أبرنيثي الطبيعية الوطنية Abernethy National Nature Reserve أحد أكبر الأجزاء المتبقية من هذه الغابة القديمة. ومنذ عقود تعمل الجمعية الملكية الأسكتلندية لحماية الطيور RSPB Scotland ومؤسسات أخرى على إعادة تأهيلها وتوسيع رقعتها.
يعتمد المشروع الذي حدد حالياً خطة مدتها 200 عام على العمل بعناية لتشجيع العمليات الطبيعية على الازدهار، وهذا ما يجعل منه حاليا على الأرجح المثال الأنجح في بريطانيا لمفهوم “إعادة الطبيعة البرية” Rewilding. ويقول تورس هاميلتون Tors Hamilt: “مع توسّع غابة الصنوبر [القديمة]، يسمح ذلك لأنواع أخرى بتوسيع نطاقها والانتشار كذلك”. ويضيف: “هناك الكثير من العمل والأبحاث الجارية – وما زالت حاليا – التي تبحث في كيفية تمكين هذه العمليات الطبيعية من التوسع والاستمرار”. ويعمل هاميلتون مع كارينغورمس كونيكت Cairngorms Connect، وهي شراكة على نطاق واسع بين أبرنيثي ومديري الأراضي المجاورة “لإعادة تأهيل الموائل” Habitat restoration.
مع هذا التركيز على استعادة العمليات الطبيعية، مثل السماح للأشجار بإنتاج البذور والانتشار على نحو طبيعي، تعمل محمية أبرنيثي على تحقيق العديد من أهداف حركة إعادة الطبيعة البرية. في الوقت نفسه، فإن تردد أبرنبثي في تسمية نفسها كمشروع إعادة الطبيعة البرية يعطي فكرة عن التوترات الكامنة التي تحيط في كثير من الأحيان بنهج تجديد الحياة البرية.

إعادة تعريف
في السنوات التي تلت بدء استخدام مصطلح “إعادة الطبيعة البرية” الذي صاغه اختصاصي علم البيئة الأمريكي ديف فورمان Dave Foreman في أوائل تسعينات القرن العشرين، برزت صعوبات أمام الاتفاق على ما يعنيه ذلك.
في بداياتها، ركزت الحركة على ثلاثة محاور عرفت بالإنجليزية باسم ‘Three Cs’. وتمثل هذه المحاور، كما تقول د. أندريا بيرينو Andrea Perino من المركز الألماني لأبحاث التنوع البيولوجي التكاملي German Centre for Integrative Biodiversity Research: “المناطق المحمية الأساسية Core protected areas (نوع من المناطق التي يُحظر دخول الناس إليها)، ثم الحيوانات الكبيرة اللاحمة Carnivores والاتصال Connectivity بين تلك الموائل”. كان الهدف من إعادة الطبيعة البرية هو إنشاء أنظمة إيكولوجية ذاتية الاستدامة يمكنها أن تعود إلى مستويات من التنوع البيولوجي ما قبل تدخل البشر، ولكن الفكرة تطورت مع انتشارها. ففي عام 2015 وجد المؤرخ البيئي البروفيسور دوللي يورغنسن Dolly Jørgensen ستة استخدامات للكلمة، من “التخلي عن الأرض المنتجة” إلى “إعادة إطلاق الحيوانات المرباة في الأسر بالبرية”.
في بريطانيا ساعد الكاتب واختصاصي علم البيئة جورج مونبيوت George Monbiot على نشر المصطلح في كتابه الوحشي Feral الصادر عام 2013، والذي دعا إلى السماح للطبيعة بأن تعيد بناء نفسها وإعادة إدخال الحيوانات البرية الكبيرة، مثل الوشق والقنادس والذئاب، إلى بريطانيا. ففي الآونة الأخيرة اعتمد السيد ديفيد أتينبورو Sir David Attenborough المصطلح في الفيلم الوثائقي الحياة على كوكبنا A Life On Our Planet، الذي نال استحساناً كبيراً على ما تضمنه من “شهادة شاهد” من أجل البيئة. وقد تساءل: “إذن، ماذا نفعل؟”، بعد ساعة من رحلة عرض خلالها الخسارة الهائلة للتنوع البيولوجي التي شهدها العالم خلال 94 عاماً. وقال: “لإعادة الاستقرار إلى كوكبنا، يجدر بنا استعادة تنوعه البيولوجي، وهو الشيء ذاته الذي قضينا عليه… ويجب علينا أن نعيد الطبيعة البرية للعالم”.
في ورقة بحثية نشرت عام 2019 حول استعادة الطبيعة البرية حددت بيرينو وزملاؤها إطاراً للكيفية التي يعتقدون أنه يمكن من خلالها تنفيذ ذلك بطريقة تراعي أيضاً التفاعل البشري المستمر. وعن ذلك تقول: “لقد بدأنا محاولاتنا للعثور على المكونات المختلفة التي يجب أن تتوفر لمساعدة نظام إيكولوجي على أن يكون مرناً Resilient”.
توصل الباحثون إلى ثلاثة مكونات رئيسية تسمح لوظائف النظام الإيكولوجي بالتجدد والحفاظ على نفسه. الأول، كما تقول بيرينو، هو وجود ما يكفي من الأنواع على مستويات مختلفة من السلسلة الغذائية، من الحيوانات المفترسة إلى الكائنات المُحلِّلة Decomposers، وما يكفي من “التكرار” Redundancy وهذا يعني توفر العديد من الأنواع لأداء أدواراً مماثلة. ثانياً، هناك حاجة أيضاً إلى الترابط بين النظم الإيكولوجية، كما تقول، حتى تتمكن الأنواع من التنقل بينها. أخيراً، السماح بحدوث الاضطرابات الطبيعية، مثل الفيضانات أو الحرائق، يزيد من مرونة ومقاومة الحياة البرية ويساعد على ضمان عدم سيطرة نوع واحد في النظام.
ريبيكا ريغلي Rebecca Wrigley، هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة استعادة الحياة البرية البريطانية Rewilding Britain، وهي مؤسسة خيرية أسست عام 2015، بعد نجاح كتاب مونبيوت. وترى ريغلي أن استعادة الحياة البرية تعني ترميم النظم الإيكولوجية على نطاق واسع وأن هذا من شأنه أن يعيد العمليات الطبيعية إلى النقطة التي يمكن فيها للطبيعة أن تعتني بنفسها، وهذا يشمل كل شيء بدءاً من ضمان تدفق الأنهار بحرية إلى استعادة “المستويات الطبيعية” لأعداد الحيوانات العاشبة والحيوانات المفترسة.

إعادة الحيوانات
تثير إعادة الحيوانات الكبيرة في أكثر الأحيان الجدل حول مشروعات إعادة الطبيعة البرية، إذ يركز عدد كبير منها على الحيوانات المفترسة، مثل الذئاب والوشق. مثل هذا الأمر يترافق مع التعبير عن آراء مستقطبة من جميع الجهات وتوترات مع المزارعين الذين يمكن أن يروا عمليات إعادة إدخال هذه الحيوانات على أنها استهانة بتراثهم وتهديد لسبل عيشهم.
هذا هو أحد الأسباب التي تجعل شراكة كارينغورمس كونيكت تفضل استخدام مصطلح “ترميم الموائل” Habitat restoration لوصف ما يجري في محمية أبرنيثي الوطنية الطبيعية، حتى وإن احتفى بها آخرون كمثال ناجح إعادة الطبيعة البرية. ويقول هاميلتون: “في سياق استعادة الحياة البرية والكثير من مشروعات إعادة الطبيعة البرية في معظم أنحاء العالم، تكون إعادة تقديم الحيوانات المفترسة الموجودة على قمة الهرم الغذائي على وجه الخصوص على رأس جدول الأعمال في كثير من الأحيان. ولكنها ليست ضمن خططنا في الوقت الحالي”.

السيد ديفيد أتينبورو
تركز مشروعات إعادة الطبيعة البرية على إعادة إدخال الذئاب والوشق والحيوانات المفترسة الأخرى؛ لأنها في أحيان كثيرة “أنواع أساسية” تحتل دوراً أساسياً في النظام الإيكولوجي الطبيعي. ويحافظ وجود الحيوانات المفترسة الرئيسية، مثل الوشق، على تدني أعداد الحيوانات العاشبة، مثل الغزلان، الأمر الذي تنتج منه “تعاقب غذائي” Trophic cascade (انظر “عودة الذئاب”، الصفحة 78) تستفيد منها بشكل غير مباشر مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات الأخرى.
من الناحية العملية، في بريطانيا على الأقل، تميل مشروعات إعادة الطبيعة البرية في الوقت الحالي إلى التركيز على إعادة الحيوانات العاشبة، مثل القنادس ومؤخراً البيسون، إلى الطبيعة، بدلاً من الحيوانات المفترسة. ولكن مجموعات مثل وقفية المملكة المتحدة للوشق Lynx UK Trust تضغط من أجل إطلاق الوشق الأوراسي في البرية، بعد إعادة إدخاله في ألمانيا وفرنسا وسويسرا. وتقول ريغلي: “لا جدوى حاليا من إدخال الحيوانات المفترسة بخلاف الرأي العام؛ لأن هذا سينتهي بها إلى أن تُقتل. ولكنني أعتقد أن الرأي العام يتغير تدريجيا”.
الترابط بين البر الأوروبي يعني أنه ليس على البشر أن يتولوا بالضرورة دائماً إعادة إدخال الحيوانات المفترسة لكي تعود هذه الحيوانات إلى منطقة ما. لذا، يقول فرانس شيبرز Frans Schepers من مؤسسة إعادة الطبيعة البرية الأوروبية Rewilding Europe: “إن الحيوانات اللاحمة تعود ببساطة إلى البر الرئيسي للقارة الأوروبية”، مشيراً إلى عودة الذئاب مؤخراً إلى هولندا. ويضيف: “إذا توفر الأمان والموئل؛ ستأتي الأنواع. ويحدث معظم ذلك من تلقاء نفسه”.
في فرنسا نمت أعداد الذئاب بسرعة منذ عودتها من إيطاليا في عام 1992، إذ يقول مزارعو الأغنام والماعز إن قطعانهم تتعرض لهجمات متزايدة. ويقول شيبرز: “بالطبع، يمكن أن يكون الأمر مثيراً للجدل لأن الناس ليسوا مستعدين له”.
ولكن هناك طرقاً أخرى للتعويض عن النقص في الحيوانات المفترسة الرئيسية، على الرغم من أنه ليس النهج العملي المفضل لإعادة الطبيعة البرية. ففي محمية أبرنيثي، على سبيل المثال، كان جزء أساسي من مشروع إحياء الطبيعة هو وضع خطة إدارة لمعالجة الأعداد الكبيرة من الغزلان التي كانت ترعى شتلات الأشجار الصغيرة فتحول دون نموها. ويقول هاميلتون إن الغزلان تُقتل حالياً وتباع من أجل لحمها، وهذا يوفر فرص عمل ويحقق إيرادات للمشروع.

إعادة الطبيعة البرية من أجل المناخ
تحظى استعادة الحياة البرية أيضاً باهتمام متزايد نظراً لقدرتها على المساعدة على التخفيف من آثار ظاهرة التغير المناخي. فقد أظهرت الأبحاث أن المساحات الطبيعية المتدهورة التي أعيد ترميمها لديها إمكانات هائلة لاحتجاز الكربون ويمكن أن تؤدي دوراً في حماية الناس من تأثيرات التغير المناخي. فالأشجار المزروعة، أو المستنبتة في البرية، على سبيل المثال، تمتص وتخزن الكربون أثناء نموها، كما يمكن أن تقلل من مخاطر الفيضانات.
لقد وجد علماء في البرازيل مؤخراً أن إعادة تأهيل %15 من النظم الإيكولوجية الواعدة، بما في ذلك الغابات السابقة والأراضي العشبية المتدهورة والأراضي الرطبة، يمكن أن تحجز %30 من مجمل ثاني أكسيد الكربون المنبعث منذ الثورة الصناعية، وتجنب %60 من حالات الانقراض المتوقعة. وخلص الباحثون إلى أن استعادة الغابات الاستوائية تميل إلى تحقيق الفائدة الأكبر من حيث تخزين الكربون.
ووجدت ورقة بحثية أخرى أنه بمجرد وقف الأنشطة المخلة بالنظم الطبيعية (عن طريق إبعاد الأبقار التي ترعى العشب، على سبيل المثال) والسماح للمراعي بأن تنمو مجدداً على نحو طبيعي، يمكن للغابات أن تمتص ما يعادل ربع انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية سنوياً حتى عام 2050، مع الحفاظ على المستويات الحالية لإنتاج الغذاء.
لقد كانت الرسالة الرئيسية هي الاختلافات الهائلة في كمية الكربون التي يمكن احتجازها. وتقول المؤلفة الرئيسية د. سوزان كوك-باتون Susan Cook-Patton، من المنظمة الخيرية للحفاظ على الطبيعية The Nature Conservancy: “توجد [الكميات] الأكبر في الأماكن المتوقعة، لذا فهي أعلى بكثير في المناطق الاستوائية من الغابات الأكثر اعتدالاً. ولكن ما هو رائع حقاً هو التباين على نطاقات أصغر. فهذا مفيد حقاً للمساعدة على العثور على تلك المواقع التي تحتوي على أكبر نسبة كربون محتملة في الهكتار الواحد”.
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يمكن أن تزيد معدلات امتصاص الكربون بأكثر من الضعف تبعاً للموقع. وتقول كوك-باتون: “يمكن أن تساعد خريطتنا الناس على تحديد ما إذا كانت هناك مواقع قادرة على تحسين مزايا التنوع البيولوجي وفوائد الكربون في الوقت نفسه”. وقد يكون مثل هذا البحث مفيداً إذ تحاول البلدان الموازنة بين الأولويات المختلفة لاستخدامات الأراضي. ولكن حتى المساحات الصغيرة من الأراضي التي أعيدت إلى الطبيعة البرية، مثل حديقة لم يمسسها أحد، يمكن أن تتراكم لتُحدث فرقاً كبيراً بالنسبة إلى المناخ والتنوع البيولوجي.
وقد يحتوي المتر المربع الواحد من الأراضي العشبية على أكثر من 40 نوعاً من النباتات، مقارنةً بنوع أو نوعين في مروج الحدائق المزروعة، وهذا يعني الكثير من الفوائد للحشرات والحيوانات الأخرى. وتقليل استخدام الأسمدة ومبيدات الأعشاب في حديقتك وترك مساحات صغيرة لتنمو بشكل طبيعي (أو جز الأعشاب بوتيرة أقل) قد يكون له تأثير رائع في الحياة البرية المحلية، كأن تعود إليها القنافذ والطيور. ففي هذه الأثناء، وفي معظم أنحاء بريطانيا، تُترك مساحات من جوانب الطرق لتنمو فيها الأزهار البرية في إطار اتباع نهج إدارية مختلفة وأكثر فاعلية من الطرق المعتادة التي كانت تُزال فيها النباتات التي تنمو على جوانب الطرق نحو 12 مرة كل عام.
ويمكن أن يُحدث تغيير أكبر في المجموعات الحيوانية حول العالم أيضاً فرقاً بالنسبة إلى المناخ. فاستبدال الأعداد الضخمة من الماشية التي ينبعث منها غاز الميثان على مستوى العالم بحيوانات عاشبة كبيرة ذات انبعاثات أقل، مثل الخيول ووحيد القرن، سيقلل إلى حد كبير من إجمالي انبعاثات الميثان، وفقاً لمراجعة علمية أجريت عام 2018. كما أن إثراء الحياة البرية في الغابات الاستوائية في العالم بإدخال ثدييات كبيرة آكلة للفاكهة، مثل الفيلة والتابير الأمريكي، يمكن أن يكون لها، وفق المراجعة، تأثير أكبر في المناخ من مشروعات غرس الأشجار، لأن هذه الحيوانات ضرورية لتوزيع بذور أنواع أشجار الأخشاب الصلبة.

الزراعة مقابل إعادة تأهيل الطبيعة البرية
سواء على نطاق كبير أم صغير، تركز إعادة الطبيعة البرية على الكيفية التي يمكن بفضلها استعادة النظم الإيكولوجية، بدلاً من الأنواع الفردية. ويجادل المدافعون عنها في أن فوائدها منخفضة التكلفة والواسعة النطاق تكون في كثير من الأحيان أفضل من التركيز على نوع واحد أو تحقيق أهداف محددة لزراعة الأشجار.
استأثر غرس الأشجار في المملكة المتحدة وأماكن أخرى على اهتمام الناس. والهدف الذي حددته حكومة المملكة المتحدة لزراعة 30 ألف هكتار إضافية بالأشجار سنوياً هو جزء أساسي من استراتيجيتها المناخية ويحظى بدعم عام. والمبادرة العالمية لزراعة تريليون شجرة خلال العقد، والتي أُطلقت في المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2020، هي مبادرة أخرى من مجموعة كاملة من مبادرات غرس الأشجار.
من المؤكد أن هناك مجالاً لزراعة الأشجار حيث من غير المحتمل أن تتمكن الغابات من تجديد نفسها على نحو طبيعي، مثل الحدائق الحضرية أو المناطق البعيدة عن مصادر البذور الطبيعية. وتوضح كوك-باتون: “إذا كانت الظروف متدهورة حقاً، أو لا توجد مصادر للبذور، فلن تعود الغابة للنمو مرة أخرى… ويجب أن تمارس زراعة الأشجار المقصودة في هذه الحالة”.
لكن الكثيرين يجادلون في أن غرس الأشجار ليس دائماً النهج الأفضل. فقد أظهرت الأبحاث أن إعادة نمو الغابات على نحو طبيعي تؤدي إلى نتائج أفضل للتنوع البيولوجي. وتقول كوك-باتون إن السبب في ذلك هو أن الناس يزرعون في كثير من الأحيان أشجاراً من عدد صغير فقط من الأنواع يمثل جزءاً بسيطاً مما كانت تحتوي عليه الغابة سابقاً. وتقول: “كلما زاد عدد أنواع الأشجار المزروعة، ازدادت في العادة أنواع الحيوانات التي يمكن توفير الدعم لها”.
وجدت أبحاث أخرى أن مزارع الأشجار التجارية أكثر فقراً في تخزين الكربون من الغابات الطبيعية. ويشعر العلماء بالقلق أيضاً من أن التركيز على غرس الأشجار قد يؤدي إلى زراعة أشجار غير أصيلة في السافانا أو الأراضي العشبية، ما يعيق المسار الطبيعي للأنواع المحلية.
يجب أن تؤخذ أيضاً في الاعتبار تكلفة زراعة الأشجار مقارنة بترك الطبيعة تؤدي المهمة. وتقول كوك-باتون: “يبهجنا التفكير في الحاجة إلى زراعة الأشجار، لكن الطبيعة كانت تزرع الأشجار منذ الأزل، وتفعل ذلك بمفردها”.
يقول مؤيدو استعادة الحياة البرية إن الأرض المُجدَّدة يمكن استخدامها أيضاً لتوليد الدخل. ولكن هذا يتعلق بما نختار كمجتمع ونقدره. وتعمل بعض الحكومات بالفعل على تغيير النهج المعتمد لدعم الأراضي، على غرار المثال الذي قدمته بلدان مثل كوستاريكا التي تدفع إلى مالكي الأراضي لحماية غاباتهم منذ عقود.
ففي بريطانيا أتاح الخروج من الاتحاد الأوروبي المجال لإعادة التفكير في الكيفية التي يمكن بها إنفاق ثلاثة بلايين جنيه إسترليني سنوياً من الإعانات الزراعية في المملكة المتحدة كانت تُوزعها سابقاً هيئة سياسة الاتحاد الأوروبي الزراعية المشتركة (CAP). واقترحت حكومة المملكة المتحدة سياسة “المال العام للسلع العامة”، بأموال تكافئ التقاط الكربون، وتحسين جودة الهواء والماء، وتحسين الوصول إلى الريف. وتقول ريغلي: “إذا نُفّذَ ذلك كما هو مقترح، نعتقد أنه يمكن أن يكون حافزاً كبيراً للتغيير”.
في الوقت نفسه، يجرب بعض ملاك الأراضي كيف يمكن تحقيق دخل من مشروعات خاصة إعادة الطبيعة البرية، مثلما حدث لعزبة نيب إستيت Knepp Estate البالغة مساحتها 1,416 هكتاراً (3,500 فدان) في وست ساسكس. فقد كانت هذه العزبة في السابق تتألف من أراضٍ زراعية وتضم مزرعة للألبان، لكنها تحولت إلى أرض برية في عام 2001. إذ أزيلت الأسوار للسماح لأبقار المزرعة وخنازيرها بالتجول بحرية، وجُلبت إليها غزلان وخيول إكسمور القصيرة (لتكون بديلاً عن الحصان البري المنقرض) لتقديم المساعدة على إحداث خلل طبيعي من خلال رعي نباتاتها والدوس عليها. ويحقق مالكا نيب إستيت، تشارلي بوريل Charlie Burrell وإيزابيلا تري Isabella Tree، الدخل حالياً من خلال إدارة موقع يستقبل الراغبين في قضاء وقت بالطبيعة ولأغراض السياحة الإيكولوجية، إضافة إلى بيع منتجات حيوانية من المواشي التي تتجول بحرية.
فالجزء المهم الذي تغير من المفهوم الأساسي لاستعادة الحياة البرية، على الأقل بالنسبة إلى البعض، هو إشراك العنصر البشري. فمن بين الانتقادات التي وُجهت في كثير من الأحيان إلى برامج إعادة الطبيعة البرية هو أنها تركز على العودة إلى مساحات طبيعية لا يمسسها البشر، ومن ثم تهدد بإضعاف المجتمعات المحلية. ولكن ريغلي تجادل في أن إعادة الطبيعة البرية يجب أن تشمل الناس. وتقول: “هذا ليس من أجل إخراج الناس من المنطقة الطبيعية ومنعهم من لمسها أو دخولها”، مشيرة إلى أن الحراجة الزراعية (الزراعة الغابوية) والزراعة ذات التأثير المنخفض يمكن أن تتوافقا مع استعادة الحياة البرية. وتقول: “هناك سلم لاستعادة تلك العمليات الطبيعية ونرى بعض أشكال المناطق الطبيعية الناتجة بسبب ذلك”.
يرى مناصرو استعادة الحياة البرية أنها تذهب إلى أبعد من الحفاظ التقليدي على الطبيعة إلى التعرف على النطاق الواسع للكارثة الإيكولوجية التي يواجهها العالم حالياً. وهي تهدف إلى إعادة إحياء الطبيعة على أوسع نطاق ممكن وبأسرع وقت ممكن. ولكن الأمر يتعلق أيضاً بالثقة في الطبيعة، وفق شيبرز. إذ يقول: “يجب أن نتوقف عن معاملة الطبيعة كطفل مريض، الطبيعة حليفة لنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى