أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
طب وصحة

العلم الجديد للتمارين الرياضية

ولَّت أيام جلسات الأيروبيك المرهقة التي تستغرق ساعة كاملة. وفقًا لأحدث الأبحاث، ربما تستطيع الحفاظ على لياقتك وتعزيز صحتك في غضون دقائق

بقلم: جيمي ميلر

في السنوات القليلة الماضية لم يخضع سوى قليل من أشكال التمرينات لدراسات واسعة ومكثفة- أو روّجت لها وسائل الإعلام- مثل التدريب المتواتر العالي الكثافة High Intensity Interval Training (اختصاراً: التدريب HIIT). وفي عام 2018 حل التدريب HIIT على رأس قائمة الدراسة الاستقصائية السنوية لاتجاهات اللياقة في جميع أنحاء العالم، والتي تجريها الكلية الأمريكية للطب الرياضي American College of Sports Medicine (اختصاراً: الكلية ACSM)، وقد ظل ضمن المراكز الخمسة الأولى منذ أن دخل القائمة للمرة الأولى في عام 2014. يثبت التدريب HIIT كونه محببا باستمرار. صحيح أن التدريب HIIT انخفض إلى المركز الثالث في قائمة الكلية ACSM لعام 2019، وجاء بعد التقنيات القابلة للارتداء Wearable tech (المركز الأول) والتدريب الجماعي Group training (المركز الثاني). ولكنك إذا شاركت مؤخراً في أحد فصول اللياقة البدنية، فهناك احتمال كبير لأن تكون قد مارست التدريب HIIT، حتى ولو لم تكن تدرك ذلك حينئذ. كما يقول توم كوان Tom Cowan، وهو اختصاصي فسيولوجيات التمرينات من مركز الصحة والأداء البشري Center for Human Health and Performance (اختصارا: المركز CHHP) في شارع هارلي ستريت بلندن: «إن أفضل طريقة لشرح هذا النوع من التدريب هو جولات متكررة من التمرينات العالية الكثافة تليها جولة من التعافي».

ما هو التدريب HIIT وماذا يفعل؟
وفقاً للكلية ACSM، فالتدريب المتواتر العالي الكثافة هو تمرينات تؤديها عادة عند 80 و %95 من الحد الأقصى لمعدل ضربات قلبك، ولمدة تتراوح بين خمس ثوانٍ وثماني دقائق. عموماً، كلما قصرت المدة، زادت الكثافة، وبالعكس. ويتم التبديل بين فترات التدريب وفترات من الراحة الكاملة أو التعافي النشط عند %40 إلى %50 من الحد الأقصى لمعدل ضربات قلبك، والتي تستمر للفترة نفسها (على الرغم من أنه يمكن إطالتها أو حتى تقصير مدتها حسب لياقتك).
ويتمتع التدريب HIIT بقابليته الكبيرة للتكيف مع مستويات وأهداف اللياقة البدنية المختلفة، وهو ما يفسر جزئيّاً شعبيته لدى الكثير، من نخبة الرياضيين إلى مرضى إعادة التأهيل القلبي. ويمكن إجراؤه على معدات الصالة الرياضية مثل الدراجات الثابتة، وأجهزة الجري، وآلات التجديف (التدريب HIIT والتدريب القلبي Cardi HIIT) أو عن طريق تمارين مثل الضغط (التدريب HIIT بفعل وزن الجسم Bodyweight HIIT). ومن الجيد معرفة أخبار رواجه؛ لأن التدريب HIIT أظهر أنه يحسن اللياقة البدنية، وصحة القلب والأوعية الدموية، ومستويات الكوليسترول والحساسية للإنسولين؛ مما يساعد على استقرار مستويات الغلوكوز أو السكر في الدم- وهم مهم خصوصاً لمرضى السكر. وكذلك يقلل التدريب HIIT من الدهون- سواء دهون البطن أم تلك الحشوية العميقة التي تغلّف أعضاءك الداخلية- مع الحفاظ على كتلة العضلات، أو زيادتها- لدى الأفراد الأقل نشاطاً.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه وفقاً لدراسة صغيرة نشرت في مجلة الاستقلاب الخلوي Cell Metabolism في عام 2017، فإن التدريب HIIT يوقف الشيخوخة على المستوى الخلوي بشكل فعال، من خلال زيادة إنتاج البروتينات للميتوكوندريا، وهي مراكز توليد الطاقة في خلاياك، التي تتدهور على مر السنين. وهناك أنواع أخرى من التمارين مثل تدريب القوة Strength training لها التأثير نفسه، لكن التدريب HIIT أكثر فعالية. وذكرت الدراسة أيضاً أن الخلايا العضلية، مثل تلك الموجودة في الدماغ والقلب، تبلى ولا يمكن استبدالها بسهولة، ولذلك إذا منعت التمارين تدهور الميتوكوندريا في خلايا العضلات، أو حتى استعادتها، فمن المحتمل أن تفعل ذلك في الأنسجة الأخرى أيضاً. وبالمثل، فإن التدريب HIIT يتفوق على التمرينات المستمرة المتوسطة الكثافة عندما يتعلق الأمر بإطلاق العامل التغذوي العصبي المشتق من الدماغ Brain neurotrophic factor (اختصارا: العامل BDNF)، وهو بروتين يحمي الخلايا العصبية. يعمل هذا على تعزيز اللدونة Plasticity (تشكيل روابط جديدة، مما يساعد على التعلم والذاكرة) وقد يساعد على تنظيم الأكل والشرب ووزن الجسم.
ولعل أكبر نقاط الجذب للتدريب HIIT هي فعاليته: قد تستمر جلسة التمارين مدة ساعة، ولكن يمكن أيضاً إكمالها في غضون 20 دقيقة أو أقل. ويتكون التاباتا Tabata، وهو أحد أشهر بروتوكولات التدريب HIIT، من عشرين ثانية من التمرين تليها عشر ثوانٍ من الراحة، تتكرر ثماني مرات وصولا إلى زمن كلي قدره أربع دقائق فقط، دون حساب فترتي الإحماء والتعافي.
وفي دراسة شهيرة أجراها في عام 1996 د. إيزومي تاباتا Izumi Tabata، وهو الطبيب الذي سمّي التاباتا على اسمه، أظهر الأشخاص الذين نفذوا بروتوكولاً مدته أربع دقائق على دراجة التمرين بواقع خمس مرات أسبوعياً تحسنا في VO2max- وهو أعلى معدل يمكن لجسمك أن يستخدم فيه الأكسجين للحصول على الطاقة أثناء التمرين- بنسبة %15 بعد ستة أسابيع، في حين أظهر الأشخاص الذين مارسوا التمارين الأخرى لمدة 60 دقيقة بكثافة متوسطة بواقع 5 مرات في الأسبوع تحسناً في المعدل VO2max بنسبة %10 فقط.
وإضافة إلى ذلك، فقد عززت مجموعة تاباتا سعتها اللاهوائية Anaerobic capacity – وهي قدرة الجسم على إنتاج الطاقة دون أكسجين، وتستخدم في الفترات القصيرة من المجهود العنيف- بمقدار %28. أما قدرة مجموعة التمارين المستمرة الأخرى؛ فقد ظلت كما هي.

المكافآت
على الرغم من أن هذا يبدو مثل الأشياء الخيالية المعروضة في الإعلانات التجارية لقنوات التسوق المنزلية، فإن التدريب HIIT حقيقي- حتى تمرين الدقيقة الواحدة The One-Minute Workout، وهو كتاب نُشر في عام 2017. وأدى التمرين (ثلاث فواصل زمنية مدتها 20 ثانية تتخللها دقيقة إلى دقيقتين من التعافي) إلى تحسين اللياقة البدنية للأشخاص الذين مارسوها بواقع ثلاث مرات أسبوعياً لمدة اثني عشر أسبوعاً، تماماً مثل الذين مارسوا تمرينات تقوية القلب التقليدية.
لمدة خمسين دقيقة بواقع ثلاث مرات في الأسبوع. وقد ابتكرها د. مارتن غيبالا Martin Gibala من جامعة ماكماستر McMaster University الكندية، وهو أحد الباحثين البارزين في التدريب HIIT. وكما يؤكد كوان من المركز CHHP: «ليس ذلك موضة عابرة، إنه مدعوم بالأبحاث، وهناك المزيد والمزيد من الدراسات التي تُنشر نتائجها».
وعلى الرغم من أنه قد يبدو كاتجاه حديث، فإن التدريب HIIT ليس بالمفهوم الجديد، فقد استخدمه الرياضيون لمدة قرن على الأقل. ففي عام 1924، مثلاً، حقق عداء المسافات الطويلة الفنلندي الأسطوري بافو نورمي Paavo Nurmi رقماً قياسياً عالمياً في سباق 1,500 متر بالعدو في جولات سريعة ومتكررة أثناء التدريب. أما الجديد؛ فهو الأبحاث العلمية التي بدأت بجدية في بداية هذا القرن. وروّج للتدريب HIIT كسلاح قوي في مكافحة الأمراض المرتبطة بنمط الحياة مثل السمنة وداء السكري من النوع الثاني. وإذا لم تكن له فوائد أخرى، فهو مريح: فمن أهم العقبات التي ذُكرت بخصوص ممارسة النشاط البدني هي ضيق الوقت.
يقول كوان: «هناك كذلك الكثير من الصالات الرياضية والاستوديوهات الرائعة والعصرية التي تصدح جميعها بالموسيقى- ليس فقط في لندن ولكن هناك الكثير منها- التي تتبع نهجاً يعتمد على التدريب HIIT، مع فصول بنمط الدائرة أو الدوران الحلقي، وهو أمر جذاب جدّاً لكثير من الناس، بدلاً من الاضطرار إلى الركض لمدة ساعة في الحديقة، وهو أمر رتيب قليلاً».
وهذا التنوع هو ما يجعل التدريب HIIT مؤثراً جدّاً. ويقول كوان: «لأنك تحصل على استراحة بين [كل جولة من التمرين]، يمكنك قضاء وقت أطول في تنفيذ كل منها بكثافة أعلى، وهو ما لا يمكنك تحمله بخلاف ذلك. إذا نفّذت عشر فواصل تدريبية لمدة دقيقتين، فقد تمكنت بالفعل من تحقيق عشرين دقيقة».
إن زيادة الكثافة تُجبر جسمك على الاستفادة من نظامه اللاهوائي للحصول على الطاقة، لأنه لا يستطيع توفير الأكسجين اللازم للعمل هوائيّاً بسرعة كافية؛ وفي فترات التعافي، يعود جسمك إلى نظامه الهوائي.
مع تواصل الجلسة، يعتمد جسمك بدرجة أقل على الجهاز اللاهوائي، لأن مصادر الطاقة السريعة الإطلاق من الفسفوكرياتين Phosphocreatine والغليكوجين Glycogen (الغلوكوز المخزن في عضلاتك) تُستنفد. لذلك سيبدأ جسمك بالاعتماد أكثر على الجهاز الهوائي، الذي يطلق الطاقة من الدهون بشكل أكثر استدامة ولكن ببطء. ولن تتمكن في البداية من تحقيق كثافة بمثل هذا الارتفاع، لكن النتيجة هي ضربة مزدوجة. ويقول كوان: «يستخدم جسمك أساساً مزيجاً من الأنظمة اللاهوائية والهوائية، ولذلك تحصل على تحسن في كلتيهما». وللاستجابة اللاهوائية آثار غير مباشرة. ويقول كوان: «يبدو الأمر كما لو أنك تلهث وتتنفس بصعوبة بعد الركض للحاق بحافلة، فأنت تحاول تعويض العجز في الأكسجين».
وهذا الاستهلاك الزائد للأكسجين بعد ممارسة التمارين الرياضية، والذي يكون أوضح في حالة التدريب HIIT من ممارسة التمارين الرياضية المستمرة، يحرق سعرات حرارية أكثر بنحو 6 إلى 15 % أثناء قيام الجسم بتجديد نفسه. ويجب التخلص من أيونات حمض اللاكتيك Lactic acid والهيدروجين الناتجة أثناء التنفس اللاهوائي، وكذلك الهرمونات مثل الأدرينالين؛ وكذلك يتعين خفض درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب: «كل هذه الأمور تزيد من عبء العمل التالي التمرين». ويعد عبء العمل أحد الأسباب وراء عدم ممارستنا جميعاً للتدريب HIIT طوال الوقت: يجب عليك الاسترداد بشكل كافٍ بين الجلسات. يقول كوان: «ربما تكفيك ثلاث جلسات أسبوعيّاً، لكن هذا ليس تمريناً يُنصح بتنفيذه يومياً».
إذا لم تستعد مخزوناتك من الغليكوجين glycogen بصورة كافية بعد التدريب HIIT بمصادر عالية الجودة من الكربوهيدرات، فلن تتمكن من تحقيق شدة عالية بما فيه الكفاية خلال الجلسات اللاحقة. يقول كوان: «في الواقع، إن الحمية الغذائية المقترنة بالتمرينات الرياضية تفيد حقاً في خسارة الدهون، لكن ليس من الجيد أن تمارس تدريباً كهذا ثم تتناول طعاما غير صحي». وفي الوقت نفسه يسبب التدريب HIIT بفعل وزن الجسم، شأنه شأن الأشكال الأخرى من التدريب على المقاومة، تمزقات ضئيلة في عضلاتك، يحتاج إصلاحها إلى وقت وإلى تناول البروتينات. وتوصي الأبحاث بتناول 60 غم ​​من الكربوهيدرات مع 10 – 20 غم من البروتينات بعد التمرين لتحسين عملية تخليق الغليكوجين.

المخاطر
يمكنك تحقيق استفادة كبيرة، خاصة إذا كنت مبتدئاً وليس لديك مدرب مؤهل للتأكد من أن شدة التمارين مناسبة لك. وأظهرت دراسة نشرت في مجلة اتحاد الجمعيات الأمريكية للبيولوجيا التجريبية Federation Of American Societies For Experimental Biology Journal أن التدريب المتواتر قد يؤدي بالفعل إلى تقليل وظائف الميتوكوندريا إلى النصف لدى المبتدئين. وربما كانت جلسة واحدة مفرطة الحماس من تدريب الدراجات عالي الشدة كافية لتحفيز انحلال العضلات الهيكلية المخططة Rhabdomyolysis، حيث تتكسر الألياف العضلية وتتسرب إلى مجرى الدم؛ مما قد يؤدي بدوره إلى الفشل الكلوي.
ويعتبر التدريب HIIT آمناً بالنسبة إلى معظم الأشخاص إذا وصف بالشكل الصحيح، مع أنه قد يؤدي إلى زيادة خطر أمراض الشريان التاجي لدى الأشخاص الخاملين بدنيّاً. ولكن كوان يؤكد أنه يجب عليك استشارة الطبيب إذا كنت جديداً على ممارسة الرياضة أو كنت مصاباً بأي نوع من الحالات المرضية. ويوصي أيضاً بالبدء بستة أسابيع من التدريب المستمر المنخفض الكثافة قبل الانتقال إلى جلسات من 3-4 تكرارات متوسطة الكثافة. وحتى عندما تتمكن من تحمّل الجلسات التي يتراوح عددها من 6-10 تكرارات عالية الكثافة، يجب عليك تعويضها بجلسات متواصلة منخفضة الكثافة، إضافة إلى تدريب قوي لتعزيز العضلات. لا تنصح جامعة ولاية بنسلفانيا Penn State University بأكثر من 30 إلى 40 دقيقة أسبوعيّاً بما يزيد على %90 من الحد الأقصى لمعدل ضربات قلبك لمنع الإصابة والضعف والتعب والمرض واضطرابات النوم والمزاج السيئ.
ينطوي التدريب HIIT على خطر آخر، وهو أنه يُنظر إليه كخيار سهل عندما إلا أنه ليس كذلك. ويقول كوان : «عليك أن تُجهد نفسك حقّاً. ليس ذلك بالأمر الممتع لبعض الناس». ومع ذلك، صُنّف التدريب HIIT في بعض الدراسات على أنه أكثر متعة من ممارسة التمرينات الرياضية العنيفة وحتى المعتدلة الكثافة. وقد يكون السبب في ذلك أنه يسبب قدراً أقل من الملل، لكن جامعة توركو University of Turku في فنلندا، وجدت أيضاً أن التدريب HIIT يُطلق المزيد من الإندورفينات Endorphins المسكنة للألم في الدماغ؛ مما يقلل المشاعر السلبية ويعزز الدافع أكثر من التمرينات المعتدلة الكثافة.
وأخيراً، فبينما تبدو جلسات التمارين القصيرة جذابة، وتلغي التحجج بضيق الوقت، فإنها قد تعطي الانطباع بأنه لا يلزم سوى ممارسة القليل من التمرينات في حين يجب على معظم الأفراد أن يتمرنوا بوتيرة أعلى، وليس أقل. وتعترف الكلية ACSM: «أن تحقيق الهدف المتمثل بخمس وسبعين دقيقة من النشاط القوي في الأسبوع [والممتد على مدى ثلاثة أيام] قد يكون تحدياً عند ممارسة التدريب HIIT وحده. بدلاً من ذلك، توصي الكلية ACSM بـ 150 دقيقة من التمارين المتوسطة الكثافة أسبوعيّاً على مدى خمسة أيام، أو مزيج من الاثنين. يحل التدريب HIIT محل التمارين الشاقة بسرعة، ليس حتى تستريح فحسب، بل ليمكنك الاستمتاع بمزيد من الأنشطة التي تشعرك بأنها أقل شبهاً بالعمل الشاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى