أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
س&ج

ديدان الأنابيب

ما الكائن الذي يعيش على عمق 1,000 متر (3200 قدم تقريباً) تحت الماء، وهو بحجم حبة الحمص ويبدو مثل حبة البرقوق؟ حيَّر هذا السؤال العلماء فترة طويلة. لاحظت فرق من معهد أبحاث الأحياء المائية في خليج مونتيري Monterey Bay Aquarium Research Institute (اختصاراً: المعهد MBARI) هذه الكائنات الغريبة من حين إلى آخر في أثناء مسح وادي مونتيري، قبالة ساحل كاليفورنيا، باستخدام غطاسات Submersibles يتحكمون فيها من بُعد. لكنهم لم يتمكنوا من معرفة أي نوع من الحيوانات هي.

ولم يتسنَّ لهم ذلك إلا بعد أن نجح ملاحو الغواصة في جمع بعض العينات من هذه المخلوقات بعناية، عندها أُتيحت لعلماء المعهد MBARI الفرصةُ لدراسة هذه الحيوانات الغريبة من قُرب. وعندما فعلوا أدركوا أنها في الواقع نوع من الديدان الأنبوبية Bristle worm، أو الديدان الحلقية/ كثيرات الأهداب Polychaete، وهي مجموعة كبيرة من الديدان البحرية التي تعيش في جميع أنحاء المحيط، ومعظمها على قاع البحر. ولاحظ الباحثون أيضاً أن هذه الديدان العائمة غير عادية إلى حد كبير.

أظهر تسلسل الحمض النووي DNA لهذه الحيوانات أنها تنتمي إلى جنس ديدان الأنابيب الورقية كيتابتروس Chaetopterus لأنها تعيش في أنابيب تصنعها من مادة تشبه الورق. على عكس أقاربها التي لديها أجسام مستطيلة ”دودية“ مقسمة إلى أجزاء، في هذا النوع يكون أحد الأجزاء الوسطى منتفخاً مثل البالون، في حين أن أجزاء الجسم الأخرى للديدان مضغوطة أو مجمعة في حيز محدود في الأمام والخلف.

”الجزء المنتفخ يزيد من قدرة الدودة على الطفو ويساعدها على العوم“

أطلق العلماء على هذه المخلوقات الغريبة كيتابتروس بوغابورسينوس Chaetopterus pugaporcinus. وتفسيرهم لمظهرها الغريب هو أن الجزء المنتفخ يزيد من قدرة الدودة على الطفو ويساعدها على العوم. تقضي معظم أنواع الديدان الورقية الأخرى حياتها وهي تزحف على قاع البحر، ولكن يبدو أن هذه الديدان ودعت قاع البحر وانجرفت بعيداً لتبدأ حياتها تطفو على التيارات.

تعيش هذه الديدان معظم الوقت على عمق يتراوح بين 900 و1,200 متر (2,950 و 3,930 قدماً)، وهو المكان الذي تجد فيه معظمَ طعامها. رأى العلماء الذين راقبوا هذه الديدان في بيئتها البحرية سحابة صغيرة من المادة المخاطية المحيطة بها. وتفسيرهم هو أن هذا المخاط يعمل مثل شبكة ويلتقط جزيئات المادة العضوية المتساقطة المعروفة باسم الثلج البحري Marine snow وتشكل غذاءها الأساسي.

أظهرت العينات الحية في المختبر أيضاً أنها، مثلَ عديدٍ من الأنواع التي تعيش في أعماق البحار، تتوهج في الظلام. وإذا دُفعت إحداها برفق، فسيتوهج جسمها باللون الأزرق. ولدى مراقبتها بعناية رآها الباحثون تنفخ جسيمات متوهجة باللون الأخضر. تأتي هذه مما يسمى الأخدود الهدبي Ciliated groove الموجود في منتصف الظهر على جسم الدودة وهو الشق بين فلقتيها. HS


جون آدامز، بيتربورو John Adams, Peterborough

هل تزداد الأعاصير سوءاً؟
باختصار: نعم. ولكن على الرغم من عدم وجود أي مؤشر واضح على أن الأعاصير تحدث بوتيرة أكبر مما كانت عليه قبل أربعين عاماً (عندما بدأ توثيق السجلات التفصيلية بفضل أرصاد الأقمار الاصطناعية)، تشير الأدلة إلى أنها صارت أكثر شدة وتدميراً مع ارتفاع درجة حرارة مناخ الأرض. في العام 2022، وجد فريق من الباحثين أن احتمال حدوث مواسم الأعاصير الأطلسية المتطرفة صار حالياً أكبر بمرتين مقارنةً بما كانت عليه قبل 40 عاماً، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر التي توفر مزيداً من الطاقة للعواصف لتتشكل وتمدها بمزيد من القوة.

ويشير تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change في العام 2021 إلى أنه، خلال الفترة نفسها، زاد احتمال أن تتحول العواصف في شمال الأطلسي إلى ”أعاصير كبرى“ (من الفئة 3 أو أعلى)، وأن تشتد في وقت أقصر، وهذا يجعل التنبؤ بها والاستعداد لها أكثر صعوبة.

تُصنَّف الأعاصير على مقياس يتراوح من 1 إلى 5 درجات بناءً على السرعة القصوى للرياح المصاحبة لها والمستمرة. العواصف من الفئة 5 التي تزيد سرعة الرياح فيها على 262 كم/ساعة (157 ميلاً /ساعة) هي الأقوى، وتهدد بأضرار كارثية.

ولكن سلم الأعاصير كان محل انتقاد شديد باعتباره تجسيداً رديئاً لمجمل القدرة التدميرية للإعصار. فقد ثبت أن الأعاصير ”الأقل“ قوة هي في كثير من الأحيان أكثر تدميراً من حيث عدد القتلى والتكاليف. مثلاً الإعصار كاترينا الذي صُنف عاصفة من الفئة الثالثة في العام 2005، وضرب اليابسة بالقرب من نيو أورلينز، أحدث معظم الدمار الناجم عنه بسبب اشتدادِ العاصفة إلى الحد الأقصى ودفعِها كمياتٍ كبيرة من مياه البحر إلى الشاطئ قبل وصول الإعصار إلى اليابسة. أغرق ارتفاع منسوب المياه سدود المدينة وغمر 80% من مساحتها، وأودى بحياة أكثر من 1,800 شخص.

توصل باحثون إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب تغيُّر المناخ سبب ارتفاعَ مستوى مياه الفيضانات في نيو أورلينز بنسبة تصل إلى 60% أعلى مما كان سيحدث لو ضربت العاصفة المنطقة نفسها في العام 1900. وفي الوقت نفسه، فإن الغلاف الجوي شديد الحرارة الذي يحتفظ برطوبة أكبر من قبل، يجعل الأعاصير أكثر رطوبة ويزيد معدل هطل الأمطار الغزيرة بنسبة 11%.

وتوصلت دراسة نُشرت في مجلة نيتشر Nature إلى أن السرعة التي تنتقل بها الأعاصير عبر سطح الأرض تباطأت بنسبة 10% خلال السنوات السبعين الماضية أيضاً. وهذا يعني استمرار هطل الأمطار الغزيرة فترة أطول على أولئك الذين يعيشون في مسار العاصفة. مثلاً عندما توقف الإعصار هارفي من الفئة الرابعة فوق هيوستن في العام 2017، سبب في ثلاثة أيام هطل أمطار تُعادل ما يهطل في عام كامل تقريبا، مما أدى إلى فيضانات عارمة وسبب مقتل 37 من سكانها على الأقل.

في حين أنه من الصعب أن نعزو أي إعصار بمفرده إلى تغير المناخ، فإن الأدلة لا تقبل الجدل: في عالم دافئ، صارت الأعاصير أكثر شدة وأطول وغير متوقعة ومدمِّرة. في الواقع، وعلى الرغم من قصور نظام تصنيف الأعاصير القائم على الرياح، يدعو بعض الخبراء إلى إضافة فئة سادسة إليه لتصنيف العواصف التي تزيد سرعةُ الرياح فيها على 308 كيلومترات في الساعة (192 ميلاً في الساعة).

في حالة موسم الأعاصير الأطلسية للعام 2024، توقع مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة والمركز الوطني للأعاصير التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي 11 إعصاراً في المتوسط، بما في ذلك خمسة من الفئة 3-5، وهو ما جعله أحد أكثر المواسم نشاطاً على الإطلاق (يشهد العام النموذجي سبعة أعاصير، ثلاثة منها كبيرة).

وازداد عدد الأعاصير المحتملة نتيجة لدرجات حرارة سطح البحر غير المسبوقة، والتي حطمت أرقام الحرارة القياسية منذ مارس 2023، وهي حالياً أعلى من المتوسط بدرجتين سيليزيتين. CP

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى