محطة الفضاء الدولية: لماذا ستُحال إلى التقاعد؟ وماذا سيحدث لها؟
سيشهد العقد الأخير من عمر محطة الفضاء المتقادمة ركاباً ليسوا رواد فضاء، وستصوَّر فيها الأفلام قبل دفنها في المحيط
إنها واحدة من أكثر المَرْكبات الفضائية شهرة في التاريخ، لكن أيام محطة الفضاء الدولية International Space Station (اختصاراً: المحطة ISS) صارت رسمياً معدودة. فقد أعلنت الوكالة ناسا NASA أن الستارة ستسدل أخيراً على المحطة ISS في العام 2031. وسيوقف تشغيل المحطة المدارية التي تشغل مساحة تساوي مساحة ملعب كرة القدم، وتوجيهها نحو الأرض لتسقط في المحيط الهادئ.
كم من الوقت بقيت المحطة في المدار؟
للمحطة ISS سجل تاريخي حافل. فقد أُطلق الجزء الأول منها في العام 1998، واستقبلت رواداً عاشوا على متنها بنحو مستمر منذ نوفمبر 2000، مع تبديل أطقم رواد الفضاء كل ستة أشهر في المعتاد. ويمكن لبعض البالغين أن يقولوا حالياً إن شخصاً ما عاش في الفضاء لكل يوم من أيام حياتهم.
صُممت لتكون محطة للبشر قريباً من الوطن، وأول موطئ قدم لنا في الفضاء؛ ومكاناً نختبر فيه كيف يمكن العيش في الفضاء على مدى فترات تطول إلى عدة أشهر، في حين نكون قريبين نسبياً من الأمان الذي توفره لنا الأرض. إن الدروس التي تعلمناها عن العيش في الجاذبية الصغرى جعلتنا نثق بقدرتنا على العودة إلى القمر في وقت لاحق من هذا العقد، ومن ثم المغامرة بالذهاب إلى المريخ بعد ذلك.
“يمكن لبعض البالغين أن يقولوا حالياً إن شخصاً ما قضى يومه في الفضاء لكل يوم من أيام حياتهم”
لماذا ستوضع خارج نطاق الخدمة؟
كما هي الحال مع كل شيء في الحياة، لا شيء يدوم إلى الأبد. في سبتمبر 2021، حذرت روسيا من أن ما لا يقل عن %80 من أنظمة الطيران في القسم التابع لها تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها. فقد ظهرت شقوق في وحدة الشحن زاريا Zarya. كما لوحظ تسرب الهواء من القسم المخصص لمعيشة الطاقم.
إن تهالك هيكل المحطة هو سبب من الأسباب وراء قرار إخلائها في العام 2030 وإخراجها من المدار في العام الذي يليه. وقد أعلنت ناسا رسمياً هذه الخطة في يناير 2022 عندما أصدرت تقريراً محدثاً عن المحطة ISS.
ماذا سيحدث خلال هذه الفترة على محطة الفضاء الدولية؟
مع بقاء ثماني سنوات قبل مغادرة الطاقم الأخير، حالياً سيتحول التركيز. إذ شهدت السنوات القليلة الماضية تعاوناً متزايداً بين وكالات الفضاء الممولة من القطاع العام مثل الوكالة ناسا، والشركات المملوكة للقطاع الخاص مثل سبيْس إكس SpaceX التي يملكها إيلون ماسك.
أما الفترة المتبقية من عشرينات القرن الحادي والعشرين فستشهد زيادة في الترويج التجاري للمحطة ISS، مع تخصيص وحدات للأفراد الراغبين في السفر إلى الفضاء للبقاء فيها. ويُتوقع أن يشهد ديسمبر 2024 إطلاق استوديو سينمائي بعرض ستة أمتار يسمى Space Entertainment Enterprise-1.
سيُستخدم الاستوديو لتصوير أفلام سينمائية يُتوقع أن تلقى رواجاً في بيئة خالية من الجاذبية، فيما سرت أنباء عن أن توم كروز Tom Cruise سيصور فيلماً هناك.
ثم تأتي المهمة الصعبة وهي: ماذا سيحل بالمحطة ISS، إذ إن تركها في الفضاء سيمثل خطراً كبيراً. فالمحطة ISS هي أكبر جسم يدور حول الأرض بعد القمر. وإذا اصطدمت بقطعة من النفايات الفضائية، فسيؤدي ذلك إلى وابل من الحطام سيهدد كل منظومة الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار المنخفض حول الأرض.
لذلك ستنضم المحطة ISS إلى مجموعة من الأجهزة الفضائية المتقاعدة الأخرى في مدفن مائي في المحيط الهادئ. ستُسقط في مكان يعرف باسم نقطة نيمو Point Nemo، أو قطب المحيط الذي لا يمكن الوصول إليه Oceanic Pole of Inaccessibility. تقع هذه النقطة بين نيوزيلندا وأمريكا الجنوبية، على بعد 2,688 كم من أقرب يابسة، لذا فالحطام المتساقط لا يشكل خطراً كبيراً على البشر.
ما سيكون عليه التأثير البيئي؟
يقول د. فيتو دي لوسيا Vito de Lucia، من المركز النرويجي لقانون البحار Norwegian Centre for the Law of the Sea، والذي شارك في كتابة تقرير حول حماية البيئة البحرية فيما يسمى بمدفن المركبات الفضائية Spacecraft cemetery: “هناك تأثيرات محتملة في البيئة البحرية… لكن يبدو أن وكالات الفضاء- عموماً- تتغافل عن مثل هذه الأمور”.
إحدى القضايا الرئيسة هي مسألة أن المواد السامة أو المشعة قد تنجو لدى إعادة دخول المحطة إلى الغلاف الجوي ولا تحترق.
يقول متحدث باسم ناسا: “بمجرد دخول الحطام إلى المحيط، من المتوقع أن يستقر في قاع المحيط ويغطَّى بعضه بالرواسب ويُدفَن فيها… على الرغم من أنه غير مرجح، لكن يمكن أن يحدث بعض التسرب من حاويات أغلقت سابقاً وبقيت سليمة خلال إعادة الدخول والاصطدام. ومع ذلك لا يُتوقع حدوث تأثيرات كبيرة على المدى البعيد”.
ولكن قد لا تتوقف الأمور عند هذا الحد. يقول دي لوسيا إنه يجري التفاوض حالياً بشأن معاهدة دولية جديدة لمعالجة قضية الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري في مناطق موجودة في المياه الدولية، مثل نقطة نيمو.
ويقول: “قد يحدث تبني هذه المعاهدة الجديدة، وربما تدخل حيز التنفيذ خلال إطار زمني يشارف موعد إعادة المحطة ISS إلى الأرض”.
أياً كان مصيرها النهائي، فقد مهدت المحطة ISS الطريق لمستقبل استكشاف الإنسان للفضاء. وتخطط ناسا لبناء محطة مماثلة- تسمى غيْت واي [البوابة] Gateway- في مدار حول القمر. سيعيش فيها رواد الفضاء ويعملون ويستخدمونها كنقطة انطلاق للرحلات إلى سطح القمر. لم يكن ذلك ممكناً لولا الدروس القيمة التي تعلمناها من المحطة ISS.
كولين ستيوارت Colin Stuart (@skyponderer) كولين كاتب وله مداخلات في علم الفلك