أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

أدوية مكافحة السِّمنة تساعد كثيراً، لكنها ليست الحل

بدأت التطورات الأخيرة في مجال الأدوية في إحداث تأثير كبير، لكن ما زلنا في حاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية

حصلت شركة الأدوية الدنماركية العملاقة نوفو نورديسك Novo Nordisk على رخصة تسويق دواء سيماغلوتيد‏ Semaglutide تحت الاسم التجاري أوزمبيك ”Ozempic“ لعلاج مرض السكري في العام 2017، قبل أن يتبعه دواء ويغوفي ”Wegovy“ وهو النسخة المعدة لمحاربة السِّمنة في العام 2021.

لم يكن الأمر مفاجئاً لأولئك منا الذين يعملون في مجال السكري والسِّمنة (وهو ما أسميه ديابيسيتي Diabesity). لقد شاهدنا العروض التقديمية للمؤتمر وقرأنا المقالات البحثية. ولكن ما كان مفاجئاً هو كيف قفزت تلك الفكرة وانتشرت بسرعة في الوعي العام.

سيماغلوتيد‏ هو الأحدث في سلسلة نظائر Analogues الببتيد 1 الشبيه بالغلوكاجون Glucagon-like peptide 1، والمعروف أيضاً باسم الهرمون GLP-1. يُنتَج هذا الهرمون في الأمعاء وعُرِّف في الأصل باعتباره أحد الهرمونين المعروفين باسم الإنكريتين ”Incretins“. يرسِل هذان الهرمونان إشارات إلى البنكرياس لتعزيز إفراز الأنسولين والمساعدة على ضبط مستويات السكر في الدم.

نقطة القوة الرئيسة للدواء هي أنه يبقى في الدم فترة أطول بكثير من الهرمون GLP-1 الأصلي الذي يبلغ نصف عمره دقيقتين فقط. ومن خلال تناول حقنة واحدة منه أسبوعياً، فإنه يوفر تحسينات في أعراض داء السكري، وذلك على نحو أساسي من خلال تأثيره في البنكرياس، ويؤدي إلى فقدان الوزن بنسبة 15% على مدار عامين، من خلال تأثيره في الدماغ.

كان الجمع بين خفض وتيرة الحقن (جميع الأدوية المماثلة السابقة كانت تتطلب أخذ الحقنة يومياً) وتحسين الفعالية (تجاوز حاجز فقدان الوزن السحري البالغ 10%) والترويج له بوسائل التواصل الاجتماعي هو ما جعله موضوعاً تتداوله كل الأوساط الثقافية بما فيها الأوساط الشعبية.

وفجأةَ بدأ مشاهير في استخدامه لإنقاص القليل من الوزن استعداداً للسير على السجادة الحمراء، وسرعان ما انتشر على نطاق واسع على TikTok. وأدى ذلك إلى طلب عالمي غير مسبوق على الدواء فاق حتى توقعات الشركة المصنِّعة التي واجهت مشكلة كبيرة في تلبيته. في الواقع اضطرت شركة نوفو نورديسك إلى إيقاف حملتها الإعلانية بعضَ الوقت، بسبب نفاد الدواء من مخازنها.

واللافت للنظر أن ما فعله سيماغلوتيد‏ بانتشاره السريع كان مجرد مقدمة للعقاقير الأخرى التي ستتبعه. منذ ذلك الحين ظهرت سلسلة من الأدوية، سواء تلك التي حصلت على ترخيص بالبيع أو التي ما زالت في مراحل مختلفة من التجارب الإكلينيكية والتي برزت في ظاهر الأمر على أنها أدوية منافسة متفوقة.

تشترك كل هذه الأدوية الجديدة في شيء واحد: على عكس سيماغلوتيد‏‏، وهو ”أحادي التحفيز“ Mono-agonist يستهدف مستقبِل الهرمون GLP-1 فقط، تستهدف هذه البدائل الجديدة مستقبِلات متعددة.

طرحت شركة الأدوية الأمريكية إيلي ليلي Eli Lilly أولاً عقار تيرزيباتيد Tirzepatide، وهو دواء يستهدف كلاً من الهرمون GLP-1 وبولي ببتيد الأنسولين المعتمد على الغلوكوز Glucose-dependent insulinotropic polypeptide، المعروف أيضاً باسم الهرمون GIP، وهو الإنكريتين الثاني.

يؤخذ الدواء عن طريق الحقن مرة واحدة أسبوعياً أيضاً. لكن لأنه يستهدف كلا مستقبِلَي الإنكريتين، فهو يُسوَّق تحت الاسم التجاري مونجارو ”Mounjaro“ الأكثر فعالية في الحفاظ على مستويات السكر في الدم، وتحت اسم زيباوند ”Zepbound“ الذي يتيح فقدان مزيد من الوزن (20%) على مدى عامين، مقارنة مع سيماغلوتيد‏‏.

إذا كان استهداف مستقبلَين هرمونيَّين يعطي نتيجة أفضل، فماذا يحدث عند استهداف ثلاثة منها؟ طرحت شركة إيلي ليلي هذا السؤال بالضبط مع مركَّبِها التالي ريتاتروتيد Retatrutide الذي يستهدف المستقبلات GLP-1 وGIP والغلوكاغون. كانت نتيجة ذلك فقدان %25 تقريباً من الوزن خلال 48 أسبوعاً فقط في تجربة إكلينيكية (سريرية).

يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه كانت نتائج تجربة المرحلة الثانية، ونحن ننتظر بفارغ الصبر رؤية نتائج تجربة المرحلة الثالثة النهائية.

أحدث الآتين إلى المضمار والذي ينتهج مساراً مختلفاً تماماً، هو العقار AMG 133 من شركة الأدوية الحيوية الأمريكية أمجين Amgen. وكما هي الحال مع بعض الأدوية الأخرى التي نوقشت هنا، يستهدف AMG 133 المستقبلين GLP-1 وGIP. ولكنه يتفرد بأنه، بدلاً من تنشيط المستقبل GIP، يعمل لتثبيطه بجسم مضاد.

من دون الخوض في التفاصيل، هناك أدلة كافية على تحقيق نتائج إيجابية في حال تثبيط المستقبِل GIP أو تنشيطه، وإن لم تكن لدى أي أحد فكرة واضحة عن السبب.

هل هو فعال؟ حسناً، يؤدي استخدام العقار AMG 133 وفق نظام الجرعة الشهرية إلى فقدان الوزن بنسبة %15 خلال ثلاثة أشهر فقط. ومع ذلك، مازلنا في بَدء الطريق، إذ لم تُنشر سوى بيانات المرحلة الأولى من التجربة التي شملت ما يزيد قليلاً على 20 مشاركاً.

ولكن ما أظهرته لنا هذه التطورات أن نهج ”الهجوم من جبهات عدة“ Multi-pronged attack يتيح مجالاً أكبر لتصميم العلاج، ومن ثم زيادة الفعالية وتحسين التحمل Tolerability وتقليل الآثار الجانبية Side effects.

وإضافة إلى السكري والسِّمنة، حصلت الشركة المنتجة على الموافقة على طرح سيماغلوتيد‏‏ كعلاج لأمراض القلب، وهناك تجارب تُجرَى عليه بصفته علاجاً لمرض ألزهايمر (تنطق آلزايمرز) Alzheimer’s disease. ليس من المؤكد أن الأدوية الأخرى ستكون لها الفوائد نفسها التي لم تكن في الحسبان. علينا الانتظار، فالوقت خير دليل.

”لم تمر علينا من قبل مثل هذه الفترة الواعدة طَوال عملنا على مكافحة السِّمنة“

ما أعرفه هو أنه لم تمر علينا من قبل مثل هذه الفترة الواعدة طَوال عملنا على مكافحة السِّمنة، ولا بالطبع مثل هذا العدد من أدوات العلاج المتاحة حالياً. ولكن على الرغم من فائدتها كعلاجات، فإن هذه الأدوية لن تعالج السبب الجذري للمشكلة. فذلك سيتطلب تغيير السياسات ومعالجة الفقر.


البروفيسور جايلز ييو (@GilesYeo)
جايلز أستاذ في علم الجينات من جامعة كيمبريدج University of Cambridge، ويركز في أبحاثه على تناول الطعام والجينات والسِّمنة. وهو أيضاً مقدم برنامج ثق بي، أنا طبيب Trust Me, I’m A Doctor في هيئة الإذاعة البريطانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى