أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

أوزمبيك: هل هو أكثر من مجرد دواء لإنقاص الوزن؟

عقار السكري هذا مفيد في علاج السمنة، ولكنه قد يكون مفيداً أيضاً في مجموعة من الحالات الأخرى

طُوِّر سيماغلوتيد Semaglutide – المعروف أكثر باسم العلامة التجارية أوزمبيك Ozempic، ويُباع أيضاً باسم ويغوفي Wegovy وريبلسوس Rybelsus – لعلاج داء السكري من النوع الثاني Type 2 diabetes، ولكنه احتل العناوين الرئيسة بصفته عقاراً لإنقاص الوزن. حالياً، مع زيادة الوصفات الطبية لأوزمبيك، تظهر تقارير تتحدث عن فوائد محتملة أخرى، بدءاً من الحد من السلوكيات التي تسبب الإدمان إلى تحسين المزاج ووظيفة الدماغ. فهل هناك مزيد من الاستخدامات لأوزمبيك؟

يحاكي أوزمبيك الأنشطة الحيوية لهرمون ينتجه الجسم طبيعياً هو الهرمون GLP-1 (اختصاراً لببتيد المشابه للغلوكاغون-1، Glucagon-like peptide-1). والهرمون GLP-1 هو أحد الهرمونات الرئيسة التي تفرزها الأمعاء بعد تناول الطعام. إنه يشكل جزءاً من المسارات المعقدة التي تُبلغ بقية الجسم بأنه قد تم تناول الطعام. تمنع هذه المسارات الإفراط في تناول الطعام من خلال الإشارة بالشبع – الشعور بالرضا الذي يأتي بعد الأكل – وتحفيز المسارات البيولوجية التي تسمح للجسم باستخدام المغذيات Nutrients المتحصل عليها من الطعام. ويشمل ذلك زيادة إنتاج الأنسولين Insulin، وهو أمر مهم في نقل السكر (الغلوكوز Glucose) من الدم إلى الخلايا حيث يمكن استخدامه كطاقة.

من خلال تعزيز إفراز الأنسولين، يمكن أن يساعد أوزمبيك والأدوية الأخرى التي تحاكي الهرمون GLP-1 على علاج داء السكري من النوع الثاني وسدّ الشهية، مما يمكنه من المساعدة على علاج السمنة المفرطة Obesity. يشبه أوزمبيك بنحو 95% الهرمون GLP-1 الطبيعي، لكن الاختلافات الصغيرة تجعل ارتباطه بالناقلات Carriers في الدم أسهل وتفكيكه صعباً. لذا فبدلاً من بلوغ الذروة ثم الانخفاض سريعاً بعد الوجبة، مثلما يفعل الهرمون GLP-1 الطبيعي، فهو يمكن أن يبقى في الدم فترة أطول، وتكون له تأثيرات أكبر ويصل إلى الأعضاء الأخرى بسهولة أكبر.

في الآونة الأخيرة، ظهرت تقارير عن تأثيرات أخرى محتملة بعيدة عن الهدف الأساسي، لكنها تأثيرات إيجابية. فمثلاً، أبلغ مستخدمو العقار عن انخفاض في تعاطي الكحول والتدخين وقضم الأظافر، فضلاً عن تحسن القلق والتوتر والاكتئاب. وجدت دراسة دنماركية اتبعت مستخدمي سيماغلوتيد أو ليراغلوتيد Liraglutide (دواء مشابه آخر) على مدار خمس سنوات أن معدل الإصابة بالخرف لديهم كان أقل. وتثير هذه الأنباء المتناقلة والملاحظات إمكانية وصف أوزمبيك لمكافحة حالات أخرى يصعب علاجها.

وهذا ليس بالمفهوم الجديد، إذْ كثيراً ما يعاد تخصيص الغاية من تناول عقار ما، بعيداً عن استخداماته الأصلية. 

ولعل المثال المعروف على ذلك هو العقار سيلدينافيل Sildenafil الذي يُسوق باسم فياغرا. الدواء مشهور حالياً على أنه علاج لضعف الانتصاب، ولكنه طوِّر في الأصل بصفته علاجاً لارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية (مرض قلبي وعائي)، وأُجريت التجارب عليه على هذا الأساس. وهناك مثال سابق هو الأسبرين، أو حمض أسيتيل الساليسيليك Acetylsalicylic acid: سُوِّق في الأصل قبل أكثر من مئة عام كمسكن، واكتُشف لاحقاً أنه مضاد للالتهابات. أدى التأكد من تأثيرات محددة للأسبرين في تقليل تراكم الصفائح الدموية عند إعطائه بجرعات منخفضة إلى استخدامه في الوقاية من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

”بمحاكاة عمل الهرمون ،GLP-1 يمكن أن يكون لأوزمبيك تأثير إيجابي في الرغبة الشديدة في تناول الطعام وصحة الدماغ“

لذا من المعقول بيولوجياً أنه من خلال محاكاة عمل الهرمون GLP-1، يمكن أن يكون لأوزمبيك تأثير إيجابي في الرغبة الشديدة في تناول الطعام وصحة الدماغ. عندما تفرز القناة الهضمية الهرمون GLP-1، فإن أغلب تأثيره المثبط للشهية يحدث من خلال التأثير في الجهاز الهضمي. لكن الهرمون GLP-1 لا يُطلَق فقط في الأمعاء استجابةً للأكل: بل يطلق من خلايا أخرى، بما في ذلك الخلايا العصبية. في الدماغ ثبت أن الهرمون GLP-1 يتفاعل مع مسارات Reward pathways، مع احتمال تغيير استجاباتنا للطعام والكحول والمخدرات.

في حين قد يُعطَى أوزمبيك نظراً إلى تأثيره في البنكرياس والشهية من أجل علاج داء السكري والسمنة المفرطة، فإنه نظراً إلى أنه أكثر استقراراً يمكن لأوزمبيك الارتحال على نطاق واسع عبر الجسم، بما في ذلك العبور إلى الدماغ، حيث يمكن أن يصل إلى مُستقبِلات Receptors أخرى. في الدماغ قد يؤثر الهرمون GLP-1 والأدوية المشابهة له أيضاً في الالتهاب العصبي Neuroinflammation (التهاب في الدماغ) وهذا قد يحمي من الحالات التنكسية Degenerative conditions مثل الخرف Dementia ومرض ألزهايمر (تنطق آلزايمر) Alzheimer’s disease.

اًيمكن أيضاً تفسير التغييرات على الحالة المزاجية من خلال التأثيرات غير المباشرة. ترتبط وصمة العار من زيادة الوزن بتدهور الصحة العقلية، لذلك ليس من المستغرب أن يشعر مستخدمو أوزمبيك الذين يبدؤون فقدان الوزن بتحسن الحالة المزاجية. يرتبط فقدان الوزن أيضاً بمشاعر الكفاءة الذاتية Selfefficacy والثقة Confidence بالقدرة على الانخراط في سلوك معين، لذلك قد يعمل أوزمبيك على تحفيز الشعور بالسيطرة على الأمور.

هناك حاجة إلى مزيد من البحث في هذه الاحتمالات، وفي الآثار الجانبية السلبية المحتملة، قبل رفع توصيات بوصف أوزمبيك كدواء للإدمان أو الصحة العقلية أو الأمراض التنكسية العصبية.

يمكن أن تشمل الآثار الجانبية السلبية للدواء الغثيانَ والإسهال والقيء والإمساك وأورام الغدة الدرقية والتهاب البنكرياس ومشكلات الكلى والمرارة. ومن ثم يجب موازنة هذه الآثار في مقابل الفوائد المحتملة عند اتخاذ قرار حول وصف أوزمبيك، بغض النظر عن القصص المتفرقة والهوس الإعلامي.


د. إيما بيكيت Emma Beckett
إيما من كبار المحاضرين في كلية علوم البيئة والحياة من جامعة نيوكاسل University of Newcastle (الساحل الأوسط Central Coast)، ومن كبار العلماء في مجال الغذاء والتغذية لدى مؤسسة أبحاث التغذية في أستراليا Nutrition Research Australia

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى